بقلم : مكرم محمد أحمد
هل أعطى الرئيس الأمريكى ترامب القدس مكافأة لرئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نيتانياهو، ووعده بأن تبقى الضفة الغربية، كما تقول مصادر إسرائيلية، تحت سيطرته فى الأمد المنظور، ووضع شرطاً جديداً يمكن أن يصادر على حل الدولتين يتمثل فى ضرورة موافقة إسرائيل، لأن الولايات المتحدة تطوى أعلامها الآن فى الشرق الأوسط لتركز جهودها الدبلوماسية والعسكرية على آسيا بعد خسائرها الضخمة فى العراق وأفغانستان وفشلها الذريع فى تحقيق أمن المنطقة واستقرارها، ولماذا اختص ترامب نيتانياهو بهذا الكسب الضخم بينما تتداعى مكانته فى استطلاعات الرأى العام بسبب قضايا الفساد التى تلاحقه لينهض من جديد مزهوا بهذا الإنجاز التاريخى الذى وحد الشعب الإسرائيلى.
ووفقاً للسيناريوهات المختلفة التى رسمها الجهاز الأمنى الإسرائيلى لردود الأفعال العربية المتوقعة فإنها تأخذ فى الحسبان وقوع خطوات احتجاجية غير عنيفة مثل إجراء المسيرات والمظاهرات وخرق النظام العام والرشق بالحجارة وإلقاء قنابل المولوتوف إلى محاولات تنفيذ اعتداءات إرهابية على غرار ما حدث فى العامين الأخيرين فى انتفاضة السكاكين وأعمال الدهس بالسيارات، كما وضع فى الحسبان أيضاً احتمال استخدام السلاح النارى وإن كان ذلك مستبعداً، لكن ثمة توقعا يشير إلى أن السيناريوهات الأكثر تطرفاً ربما تقع خارج إسرائيل والأرض الفلسطينية المحتلة تستهدف السفارات الإسرائيلية والمنشآت الدبلوماسية فى الخارج، وتقول تقارير أمنية إسرائيلية إن حماس لا تخفى رغبتها فى العودة إلى إشعال الأرض وتكاد تكون وحدها التى تدعو جهاراً إلى العنف، وبينما يتساءل البعض فى القدس الشرقية متى تندلع الانتفاضة الثالثة، وهل يمكن أن يتصاعد الغضب إلى حدودها، يتوقع آخرون ألا تتغير الصورة كثيراً لأن البعض صار أكثر واقعية، لا يعتقد أن الأمور سوف تتغير كثيراً، والمهم أن يتشبث الناس بالبقاء وألا يغادروا مدنهم أو قراهم، لأن العالم صار أكثر يقظة وحفاظاً لحقوق الإنسان، وسوف يمنع الإسرائيليين من أن يفعلوا مع الفلسطينيين ما فعلوه عام 1948، ومع ذلك ثمة من يؤكدون خاصة فى جيل الشباب أن الانفجار، سوف يقع قريباً إن لم يكن اليوم فسوف يكون غداً أو بعد غد لأن إعلان الرئيس الأمريكى لن يكون سوى القشة التى قصمت ظهر البعير، ولأن الشارع الفلسطينى يعانى قدراً كبيراً من الغضب المكتوم بسبب إهانات الجنود للمواطنين والمواطنات الفلسطينيات كما أن جراح حرب 48 لم تندمل بعد والخروج الكبير للاجئين الذى حدث نتيجة أعمال ترويع الناس لا تزال صورة عالقة بأذهان الجميع تجعلهم أكثر تشبثاً بالأرض، وفى النهاية سوف يقع الانفجار، وسوف يكون ضخماً لأن الجميع يتساءل، لماذا لا يكون للفلسطينيين أيضاً عاصمة أخرى فى القدس الشرقية بما يمكن الدولة الفلسطينية من أن تعيش فى أمن إلى جوار إسرائيل، ولو أن الرئيس ترامب كان جاداً فى مشروع سلامه لكان حفز الجانبين الفلسطينى والإسرائيلى على بحث قضية القدس فى تفاوض مباشر بين الجانبين ينهى كل أوجه الصراع لكنه كان سيئ النيات وفاجأ الجميع بإعلان تنفيذ قراره الذى رفضه كل دول العالم .
ولهذا تتوقع الغالبية انتفاضة ثالثة أشد عنفاً لأن الفلسطينيين على شفا اليأس من عملية السلام التى لم تنتج الكثير، فالاحتلال مستمر والمستوطنات مستمرة وهدم المنازل مستمر وإهانة كرامة الجميع تكاد تكون عملاً مستمراً للجنود الإسرائيليين على مدى هذه السنوات الطويلة التى تسير فيها عملية السلام سير السلحفاة، والمؤسف أن ترامب يخلط الأوراق بصورة مخادعة عندما يقول إن القدس الغربية كانت أمرا واقعاً تم الاعتراف به، لكن منطق الحق والقانون والسياسة يؤكد أن الاعتراف بالشطر الغربى من المدينة عاصمة لإسرائيل كان يستلزم بالضرورة الاعتراف بالقدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية فى نفس التوقيت وأظن أن ذلك هو الفهم الصحيح للتسوية السياسية العادلة، لأنه لا معنى للاعتراف بالقدس الغربية دون الاعتراف بالقدس الشرقية خاصة أن الرئيس محمود عباس لا يستطيع أن يسوق لشعبه دولة فلسطينية دون أن تكون القدس الشرقية عاصمة لها، ثم ماذا سوف تفعل إسرائيل بقدس واحدة تضم 320 ألف فلسطينيا يعيشون فيها دون حقوق. ولماذا ينسى ترامب القدس الشرقية المسلمة وهى رمز لأكثر من مليار ونصف المليار مسلم يعتبرونها رمزاً إسلامياً وثالث مدينة إسلامية مقدسة، لقد أشعل ترامب بقرار القدس صراعاً دينياً من الصعب تجاهله، لأن الاستيلاء على القدس الموحدة لمصلحة اليهود وحدهم هو إشعال لحرب دينية يصعب إطفاؤها.