بقلم : مكرم محمد أحمد
رغم أن قرارات الجمعية العامة غير ملزمة، فإن نتيجة التصويت على القرار الذى يرفض نقل مقار البعثات الدبلوماسية من تل أبيب إلى القدس، ويدين أى محاولات لتغيير هوية مدينة القدس الحضارية والسكانية ويعتبرها فى حكم العدم لا تنتج أثراً، تمثل فى جوهرها تحدياً جماعياً وتوبيخاً لاذعاً لإدارة الرئيس الأمريكى ترامب، حظى بتأييد 128 دولة صوتت لمصلحة القرار مقابل 9 دول رفضت القرار، وأظهر التصويت حجم الأضرار التى ألحقها قرار الرئيس الأمريكى ترامب بعلاقات الولايات المتحدة الدولية، ومدى العزلة الدبلوماسية للولايات المتحدة التى لم يساندها فى موقفها سوى 8 دول يعرف العالم أنها مجرد أذناب صغيرة، ابتداء من جزر مارشال وبالاو وميكرونيزيا وهى ثلاث دول جزرية فى المحيط الهادى لا يتجاوز عدد سكانها 190 ألف نسمة كانت حتى الأمس القريب مجرد مستعمرات وقواعد عسكرية أمريكية أو محلاً لاختبارات أمريكا النووية الأكثر تلوثاً فى العالم، إلى دول هندوراس وهى نانديز وجواتيمالا الأشد فقراً بين دول أمريكا اللاتينية، إلى توجو التى تملك أكبر ميناء على الساحل الغربى لإفريقيا يجرى توسيعه لتصبح الدولة الإفريقية الصغيرة خياراً أفضل للشحن الإقليمى .
ويرمز قرار الجمعية العامة كما يقول مجلس العلاقات الخارجية فى الولايات المتحدة إلى الهزيمة الذاتية التى تسببت بها الإدارة الأمريكية لنفسها من جراء تغيير قواعد اللعبة المعتمدة منذ أكثر من 50 عاماً، وقد كانت واشنطن فى غنى عن إيذاء نفسها لولا عناد الرئيس ترامب الذى أصر على قراره رغم تحذيرات كثير من زعماء العالم، رأوا أن القرار لن يفيد عملية السلام وأن أضراره على استقرار الشرق الأوسط بالغة الخطر وسوف يضر بمكانة الولايات المتحدة السياسية، وربما ينهى دورها كوسيط سلام فى الصراع العربى ــ الإسرائيلى!
ويبقى السؤال المهم، هل ينفذ الرئيس الأمريكى تهديداته ويعاقب 128 دولة صوتت ضد قراره؟ وماذا يكون وقع ذلك على العلاقات الدولية ومستقبل الأمم المتحدة ؟ وما الذى سوف يفعله حيال حلفائه فى العالم العربى الذين صوتوا ضد القرار وتعتبرهم واشنطن من الشركاء الإستراتيجيين، وإن كانت صحيفة نيويورك تايمز تنقل عن خبراء أمريكيين أن الأمر سيكون صعباً على إدارة ترامب وسوف تكون له تداعياته الخطيرة، ومن المؤكد أنه سيزيد من توتر العلاقات بين الأمم المتحدة والبيت الأبيض، خاصة أن المساعدات الخارجية الأمريكية تصل فى موازنة 2018 إلى حدود 25.8 مليار دولار يجرى توزيعها على أكثر من مائة دولة بواسطة 20 وكالة تتبع الإدارة الأمريكية، وضمن أبرز الدول التى تحصل على المساعدات الأمريكية مصر والأردن يليها أفغانستان التى تحصل على 782 مليون دولار إضافة إلى عدد من الدول تتراوح مساعداتها ما بين 100 و600 مليون دولار.
وأيا كان القرار الأمريكى بشأن خفض أو إنهاء المساعدات الأمريكية لعدد من الدول التى صوتت فى الجمعية العامة ضد قرار الرئيس ترامب، فالأمر المؤكد أن العنوان الدقيق لما حدث فى الجمعية العامة هو أن دول الأمم المتحدة رفضت بأغلبية ساحقة إعلان ترامب بشأن القدس متجاهلة تهديدات الرئيس الأمريكى بخفض المساعدات الأمريكية.
والواضح للجميع أن معظم الدول الـ 128 التى صوتت ضد قرار الرئيس الأمريكى عبرت عن رفضها لشخص الرئيس الذى حول القضية إلى أمر شخصى، لكن ما من شك فى أن تنفيذ الرئيس ترامب تهديداته وتقليصه الفعلى المساعدات الأمريكية وهو الأمر الأكثر احتمالاً سوف يضر بمصالح إسرائيل والولايات المتحدة، وسوف يدفع العديد من الدول إلى التحالف مع روسيا أو الصين خاصة أن ترامب فرض على الجميع قراراً أحادى الجانب لا يستند إلى أى أسباب مشروعة، حجته الوحيدة فى ذلك، كما أكدتها مندوبة أمريكا الدائمة فى الأمم المتحدة، أنه إذا أرادت الولايات المتحدة نقل البعثات الدبلوماسية من تل أبيب إلى القدس، فإن ما تريده الولايات المتحدة لابد أن يكون واقعاً على الأرض، ولا يهم كثيراً أن يغضب البعض قل أو كثر المهم أن يطيع الجميع !