بقلم : مكرم محمد أحمد
لو أن العرب راجعوا تجربتهم الاخيرة وقد كانوا على وشك الحرب مع ايران وتفجير لبنان من الداخل لوجدوا كثيرا من الدروس المستفادة، و أدركوا أنهم حققوا نجاحا كبيرا بتجنبهم الوقوع فى فخ هذه الحرب وتأكيدهم الحفاظ على الدولة اللبنانية ,ولا أعتقد أن أحدًا يستطيع أن يحمل لبنان بالكامل مسئولية الصاروخ الإيرانى الصنع الذى اطلقه الحوثيون من اليمن على مطار الرياض الدولي, حتى لو ثبت أن جماعة من حزب الله الذين يعملون خبراء لدى الحوثيين بترتيب بين طهران وحزب الله هم الذين اطلقوا الصاروخ بالفعل, لأن حزب الله بات بالفعل دولة فوق الدولة تفوق قدرته العسكرية قدرة الجيش اللبنانى , لكن من المؤكد أن لبنان يقدر على تصحيح مواقف حزب الله لو توحدت كل قواه السياسية و الطائفية حفاظا على الدولة اللبنانية , و ألزمت حزب الله استدعاء فصائله المسلحة ليس فقط من الاراضى اليمنية، ولكن من جميع الاراضى خارج حدود لبنان كى لا يتحمل لبنان مسئولية أفعالهم.., وأعتقد أن رئيس الوزراء اللبنانى سعد الحريرى يمكن أن يفعل ذلك لو لقى مساندة عربية قوية.
وحسنا أن توافق العرب على القرار الذى صدر أخيرا عن اجتماع مجلس وزراء الخارجية العرب، و اقتصر قراره على أن يبلغ رئيس المجموعة العربية فى نيويورك رئيس مجلس الأمن الدولى بالمخاطر الضخمة لسلوك إيران العدوانى تجاه الدول العربية دون أن يطلب شيئا محددا أو يطالب بانعقاد مجلس الأمن, و القرار الآخر الذى يرفض تحميل لبنان الدولة مسئولية انفلات حزب الله قبل بحث أسباب هذا الانفلات ووسائل ضبطه, لأن تحميل لبنان مسئولية اطلاق صاروخ الحوثيين يعنى تفجير الوضع اللبنانى بأكمله, وليس من الرشد أن نفرض على لبنان عملا لا يقدر عليه، ومن المؤكد أن الصيغة التى تم الاتفاق عليها فى اجتماع وزراء الخارجية العرب بأن يتوقف ايران والحوثيون عن قصف السعودية بالصواريخ مقابل ان يتوقف حزب المستقبل عن قصف ايران اعلاميا، ربما تكون الصيغة الملائمة التى تعكس توازنات القوى فى المنطقة الآن دون اللجوء الى حرب جديدة !
وأظن أن تحميل لبنان المسئولية كاملة عن افعال حزب الله قبل أن يقوى لبنان ويشتد عوده يماثل وضع العربة قدام الحصان لا يفيد شيئا بل يحدث ضررا بالغا.
ومن المؤكد أن الباعث الأساسى لصدور قرار الجامعة العربية على هذا النحو الرشيد هو القلق الذى يعتور العالم العربى بأكمله على وضع السعودية التى تخوض معركة تحديث مهمة يحتاج تمريرها الى الحفاظ على مستقبل الاستقرار فى المملكة خاصة، أن المملكة لم تنفض عن نفسها عبء المشكلة اليمنية التى لاتزال تشكل عنصر استنزاف قوية لم يحسم بعد، فضلا عن رغبة العرب فى أن تتمكن السعودية فى اقرب وقت من ترميم اى شروخ داخلية كى تظل موحدة قوية تتسارع فيهاعملية الاصلاح و التقدم و التحديث دون عوائق كبيرة، خاصة ان معركة التحديث تواجه أفكاراً قديمة تحتاج الى توافق مجتمعى عريض حتى تتم فى إطار سلس يتجنب أى صدام او انشقاق أهلي.
ومنذ اللحظة الأولى كانت مصر ترى أن على ايران ان تدرك جيدا ان السعودية و الخليج خط أحمر مثل حصة مياه النيل من أجلهما يمكن أن تدخل مصر الحرب إن تطلب رد العدوان هذا الموقف , وأن على السعودية ان تتذرع ببعض الصبر تجاه إيران، وأن على العرب ان يحفظوا أعصابهم فى ثلاجة خلال هذه الظروف لا يجرهم أحد إلى حرب غير محسوبة التوقيت على نحو صحيح ولا يتركون لأحد فرصة ان يستفزهم سواء ايران او حزب الله لان المنطقة كما قال الرئيس السيسى بحق لا تحتمل صراعا مسلحا جديدا, كما ان السعودية لم تخلص بعد من أعباء الازمة اليمنية، و كذلك مصر لا تزال مشتبكة مع الارهاب فى معركة تملك فيها اليد الطولي، و أظن ان خيارات مصر الرشيدة موضع توافق و اجماع عربى واسع ابتداء من السعودية إلى مسقط، خاصة ان الرئيس السيسى احدث هذا التحول من الحرب الى السلام ببراعة وهدوء ودون ضجة, ومرر برشاقة هذا الخيار المصرى الصحيح ليصبح خيار العرب أجمعين.
والخلاصة أن مصر ترى الآن ان المزيد من التضامن و التوافق العربى أمر مهم و حيوى للحفاظ على مصالح العرب الاستراتيجية , وانه ليس بالحرب وحدها يمكن ان تصان حقوق العرب و مكانتهم , و ان الاولوية ينبغى ان تكون لهزيمة الارهاب و منع تمويله، وأن باب الحوار لا ينبغى ان يغلق أبدا بالضبة و المفتاح أمام القوى الإقليمية مثل تركيا او إيران .