بقلم : مكرم محمد أحمد
بسبب مأساة مسجد الروضة في سيناء أجل الإمام الأكبر أحمد الطيب شيخ الأزهر رحلته التاريخية إلى معسكرات اللاجئين من الروهينجا المسلمين فى بنجلاديش الذين هربوا من بورما التى تغير اسمها أخيرا إلى ميانمار، وتصل أعدادهم إلى ما يزيد على نصف مليون نسمة يعيشون فى مخيمات غاية فى الفقر وقلة الإمكانات بعد أن طردتهم قوات الجيش والأمن البورمى فى حرب مأساوية، تشكل أخطر كارثة إنسانية فى القرن الحادى والعشرين بعد الذى حدث فى سوريا خلال أحداث الربيع العربى الكاذب عام 2011 . ولأن الأزهر الشريف تابع عن قرب الصور المفزعة لأعمال القتل والمجازر الوحشية وعمليات الإبادة الجماعية، هذا المشهد الهمجى واللا إنسانى الذى ما كان يحدث لولا أن الضمير الإنسانى قد مات، ارتفع صوت الأزهر يندد بالعدوان الآثم ويحفز مصر الدولة على أن تنهض بدورها لتكون الخارجية المصرية أول الداعين إلى اجتماع عاجل لمجلس الأمن الدولى، أدان العدوان وطالب بوقفه الفورى وعودة اللاجئين إلى بلادهم.
والروهينجا المسلمون أقلية لا تزيد على المليون يسكنون بورما منذ الأزل، بلد يتكون من أقليات وأعراق عديدة تحاربت طويلا، العرق الأكبر فيها هو شعب بامار الذى يشكل 40 فى المائة من بلد تعداده 48 مليون نسمة، يسكن الروهينجا إحدى ولاياته، ولاية راخين، ورغم ثراء إمكانات الولاية التى تضم حقولاً وأراضى زراعية شاسعة ومناجم وحقول بترول وغاز، يعيش الروهينجا فى أسوأ حال مضطهدين ومحرومين من الجنسية بحجة أنهم قدموا من أرض البنغال، ليس لهم حق الترشيح أو التصويت أو الانتخاب، ويفرض عليهم القانون فترة راحة مدتها 3 أعوام تفصل بين عملية إنجاب وأخرى كنوع إجبارى من تحديد النسل، ورغم أنهم يسكنون هذه المنطقة الإستراتيجية المهمة والغنية بالموارد الاقتصادية التى تفصل بين الهند والصين وتشهد الآن عددا من مشروعات التنمية الضخمة، فهم محرومون من فرص العمل فى هذه المشروعات ويعانون جميع صور التمييز السلبى خصوصا خلال فترة الحكم العسكرى. ورغم تغير أحوال البلاد السياسية عام 2015 بعد أن كسب حزب الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية بزعامة المناضلة سان سوكى (72 عاما) الانتخابات البرلمانية والرئاسية، لم تتحسن أحوال الروهينجا وظلوا على أوضاعهم التى ازدادت سوءاً، وعندما سئلت رئيسة الوزراء الحاصلة على جائزة نوبل لماذا يظل الروهينجا المسلمون على اضطهادهم ؟ قالت سان سوكى أنا لا أعرف إن كان الروهينجا ينتمون إلى بورما أو البنغال!، وتعالت الانتقادات فى كل أنحاء العالم تطالب بسحب جائزة نوبل من سان سوكى لأنها تواطأت بالصمت على مأساة الروهينجا رغم نضالها الطويل فى بداية حياتها السياسية.
والواضح أن أزمة الروهينجا ازدادت حدة بسبب وصول مشروعات التنمية الكبرى إلى منطقة حقول الزيت والغاز فى الولاية، وتضخم حجم الاستثمارات الصينية فى بورما الذى جاوز 30 مليار دولار بينها 12 مليار دولار ثمن الأراضى التى يقام عليها خط نقل أنابيب الغاز إلى موانى التصدير الذى يمر بمناطق الروهينجا، وبدلاً من إشراك الروهينجا فى هذه الأعمال ودمجهم من خلال فرص العمل فى هذه المشروعات عزلوهم وحرموهم من العمل وسحبوا جنسياتهم بدعوى أنهم من البنغال المهاجرين من منطقة بنجلاديش، وتواصلت عمليات الإقصاء والتمييز والاضطهاد العنصرى، ولأن الروهينجا لم يجدوا عدلاً أو إنصافاً واستمر الحكم فى اضطهادهم وإنكار حقوقهم بينما العالم يلتزم الصمت إزاء الفظائع التى يتعرضون لها رغم تقارير الأمم المتحدة التى تسجل هذه الفظائع، لم يجد الروهينجا حلاً سوى المقاومة المسلحة تحت اسم جيش الإنقاذ الذى بدأ عملياته العسكرية فى بداية عام 2016 تحت شعار الدفاع عن النفس، مسلحاً بالسكاكين والسيوف وكانت أولى عملياته قتل تسعة من رجال الأمن والشرطة، ولا ينتمى جيش الإنقاذ إلى أي جماعة جهادية، ولا يمارس عملاً من أعمال العنف ضد المدنيين، وقد اعترفت الولايات المتحدة أخيراً بأن ما يجري ضد الروهينجا عمل من أعمال التطهير العرقي ينبغي أن يتوقف فورا، وأظن أن من المهم الآن تحذير العالم من ترك مشكلة الروهينجا دون تسوية أو حل سريع، لأن ذلك يعنى تكريس العنف وإتاحة الفرصة لجماعات الإرهاب كى تركب وتستثمر مشكلات الاضطهاد العنصرى كما حدث فى بقاع كثيرة تعانى الظلم ساعد غياب حلولها الصحيحة على نشر المزيد من الإرهاب.