بقلم - مكرم محمد أحمد
بسقوط مدينة درنة ـ التى ظلت تحت حكم جماعة الإخوان المتحالفة مع تنظيم القاعدة فى ليبيا خلال الأعوام الأخيرة من حكم العقيد القذافى ـ يصبح شرق ليبيا بأكمله تحت سيطرة الجيش الوطنى الليبى، متحرراً من كل الجماعات الإرهابية، وبرغم أن الجيش الليبى حاصر مدينة درنة لأكثر من عامين إلا أن المدينة الجبلية بقيت تحت سيطرة ميليشيات جماعة الإخوان، يتعذر اقتحامها لمناعة موقعها الجغرافى الذى جعل منها محمية طبيعية قادرة على أن تحمى نفسها، تتوافر فيها الوديان ومصادر المياه وفُرص الإعاشة التى مكّنت هذه الجماعات من الصمود سنوات طويلة دون أن يتمكن القذافى من دخولها. وأغرب ما فى عملية تحرير درنة التى قادها الجيش الليبى ببسالة رائعة، أنها كانت سبباً فى هزيمة ميليشيات إبراهيم جدران القائد السابق لحرس المنشآت البترولية فى ليبيا الذى يعمل الآن لحساب قطر، الممول الرئيسى لمليشياته العسكرية، والذى تمكن من الهجوم على منطقة رأس لانوف والسيطرة عليها لعدة أيام مع بدء عملية تحرير درنة، لاعتقاده أن الجيش الليبى المنشغل بعملية تحرير درنة لن يستطيع السيطرة على الجبهتين، وما حدث بالفعل أن الجيش الليبى نجح فى تحرير رأس لانوف وتمكن من هزيمة ميليشيات إبراهيم جدران الذى هرب إلى أقصى الجنوب فى ليبيا فى الوقت الذى واصل فيه عملياته لتحرير درنة.
نجح المشير حفتر فى تحرير درنة كما نجح فى إستعادة رأس لانوف التى تشكل الجزء الأهم من الهلال البترولى، وأعلن حفتر تسليم رأس لانوف إلى المؤسسة الوطنية للنفط فى بنغازى بدلاً من طرابلس، مطالباً حكومة الوفاق الوطنى بتنفيذ قرار تسمية رئيس جديد للمصرف المركزى الذى يتسلم جميع عوائد النفط الليبى ويعيد توزيعها على من يعتقد أنهم يستحقونها بما فى ذلك الميليشيات المسلحة من كل صنف وملة، ولأن الفساد قد استشرى بصورة بشعة فى توزيع عائدات النفط يطالب الجميع بتنفيذ قرار سابق يُطالب بتعيين محافظ جديد للبنك المركزى، ووضع قواعد واضحة ومعلنة لتوزيع هذه العائدات، والحق أن ما يهم المشير حفتر الآن أمران أساسيان، الأول هو عملية توحيد الجيش الوطنى فى الشرق والغرب، والواضح للجميع أن العسكريين فى شرق ليبيا وغربها نجحوا فى التوافق على هيكل الجيش الوطنى ومؤسساته بإجماع فريد على أن حفتر الذى يؤمن بوحدة ليبيا ووحدة جيشها هو أصلح الجميع لهذا المنصب، ويدخل ضمن اهتمام حفتر ضرورة تعيين محافظ جديد للبنك المركزى يعيد النظر فى توزيع عائدات النفط طبقاً لقواعد واضحة وشفافة بدلاً من إنفاقها على هذا النحو الفوضوى الذى أعطى لميليشيات المدن الحق فى ممارسة ضغوطها على المصرف المركزى كى تحصل دون وجه حق على الجزء الأغلب من هذه الأموال.
وثمة ما يؤكد أن الجماعات الإرهابية لم يعد لها ملاذ آمن فى ليبيا بعد سقوط مدينة درنة التى يحاصرها الجيش الوطنى الليبى منذ عامين، إلى أن نجح فى اختراقها وتحرير كامل أحياء المدينة التى يسكنها 125 ألف نسمة، وتقع على مسافة 265 كيلو متراً غربى الحدود مع مصر، وكانت بمثابة بؤرة نشيطة لعمليات إرهاب عالمية، تحميها تضاريسها الطبيعية من أى عمليات اقتحام مفاجئة. ومنذ سقوط نظام العقيد القذافى ظلت درنة تحت سيطرة جماعة الإخوان المسلمين، يحكمها مجلس شورى مجاهدى درنة، الذى أسسه صادق الغريانى مفتى ليبيا السابق وأحد أقطاب الجماعة فى ليبيا الذى حظى بدعم ضخم من قطر، أحال درنة إلى مركز لانطلاق عمليات الإرهاب داخل ليبيا ومصر وبقيت درنة تحت سيطرة جماعة الإخوان وحلفائهم من تنظيم القاعدة، إلى أن نجح الجيش الوطنى فى تحرير المدينة والقضاء على معظم قياداتها العسكرية ابتداء من قائد تنظيم الجماعة عطية الشاعرى، الذى لقى مصرعه فى المواجهات مع الجيش الوطنى الليبى وسط المدينة، إلى مسئول العمليات صدام ضرغام، الذى ذبح عشرات المدنيين والعسكريين وأصبح معروفاً بلقب “جزار ليبيا”، إلى مسئول الملف الأمنى، الذى يدعى يحيى الأسطى عمر، وخلال تقدم الجيش الوطنى فى المدينة عثر على وثائق عديدة تثبت تحالف تنظيم القاعدة وجماعة الإخوان فى درنة، كما عثر الجيش على كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر القطرية داخل منزل رئيس التنظيم عطية الشاعرى، بما يؤكد الدور التخريبى الذى لعبته قطر فى درنة قبل أن تعود أخيراً إلى أحضان الوطن.
نقلا عن الاهرام القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع