مكرم محمد أحمد
اعتبر حسن نصرالله، أمين عام حزب الله، معركة حلب أم المعارك السورية، مؤكداً أن خسارة حلب تعنى خسارة الحرب بأكملها، وأن قوات حزب الله سوف تبقى فى حلب إلى أن يتم تحريرها من أيدى التكفيريين الذين يسيطرون على نصف المدينة ويحاولون الاستيلاء على نصفها الآخر، لأن حزب الله لا يستطيع أن يفصل بين ما يجرى فى سوريا وما يجرى فى لبنان، ولأن الدفاع عن حلب، من منظور حسن نصر الله، هو دفاع عن سوريا ولبنان والعراق والأردن!
وطالب حسن نصر الله كل القوات المتحالفة مع سوريا بالتركيز على معركة حلب، والاكتفاء بتثبيت المواقف على الجبهات الأخرى من أجل إحباط خطط العدو، الذى يتمثل فى جبهة النصرة، المنظمة الإرهابية الوثيقة الصلة بتنظيم القاعدة التى تسيطر على مناطق غير قليلة فى محيط محافظتى إدلب وحلب شمالاً، واعترف حسن نصر الله فى خطابه الأخير بأن حزب الله يواجه أزمة مالية شديدة سببها تزايد إنفاقه العسكرى فى سوريا، وليست محاولات الولايات المتحدة منع حزب الله من الولوج إلى المؤسسات المالية الدولية، وأن عمليات إغلاق حسابات بعض أنصار حزب الله فى عدد من بنوك لبنان لن تطال أموال الحزب التى تأتيه من إيران خارج المصارف المالية الدولية، كما تأتى صواريخه وأسلحته، وقال نصر الله إن كل خسائر حزب الله فى الحرب السورية لا تعدو 26 شهيداً وأسيراً واحداً، وكل ما يخالف هذه الحقيقة ادعاءات كاذبة وغير صحيحة وأن غداً لناظره قريب!
وفى الوقت الذى يؤكد فيه حزب الله استمرار الحرب السورية من أجل استعادة الجزء الذى تحتله المنظمات التكفيرية من مدينة حلب، أعلن الرئيس الأمريكى أوباما بوضوح قاطع لا يقل عن وضوح كلمات نصر الله، رفضه القاطع لأى تدخل عسكرى أمريكى فى سوريا وممارسة أية عمليات قتالية ضد قوات بشار الأسد بهدف ترويضه وإلزامه الانصياع لمطالب المعارضة السورية المسلحة، مؤكداً أن ذلك يعنى الدخول فى حرب مفتوحة مع دولة مستقلة ذات سيادة، والهبوط إلى منزلق خطير يصعب تحمل نتائجه مع وجود الروس والإيرانيين على الأرض السورية، وأن التركيز فى المرحلة الراهنة ينبغى أن يكون على حرب داعش وهزيمته.
وبرغم أننا لا نعرف الكثير عن نتائج اجتماع وزراء دفاع روسيا وإيران وسوريا فى طهران قبل عدة أيام، إلا أن الواضح أن ثمة إجماعاً روسياً سورياً إيرانياً على أن مواجهة جبهة النصرة التنظيم الإرهابى الأكثر قوة حول حلب وإدلب لا يدخل ضمن خطوط الهدنة المؤقتة التى وافق عليها الأمريكيون والروس، وتكاد تكون ملغاة لكثرة اختراقها من كل الأطراف، لكن المخزى الحقيقى من كل هذه الأحداث والتصريحات أن الحرب الأهلية السورية لم تصل بعد إلى نهايتها وأن فرص استمرارها لا تزال قائمة وقوية رغم استمرار تفاوض الروس والأمريكيين وحرصهما على الوفاق مع استمرار الضغوط المتبادلة بينهما بهدف تحسين الموقف التفاوضى لكل منهما، والواضح أيضاً أن هذه الجبهة التى تضم طهران وموسكو ودمشق وحزب الله تعطى للرئيس بشار الأسد فرصة المناورة بين الموقفين الروسى والإيرانى، لكنها مناورة جد محدودة لا تستطيع الصمود لضغوط الروس الذين يقدمون الدعم الجوى للعمليات البرية التى يقوم بها الجيش السورى، التى تمثل عنصراً حاسماً فى تحقيق تقدم القوات السورية، ولا يزال المبعوث الأممى دى مايستورا عاجزاً عن تحديد موعد تستأنف فيه المعارضة والحكم السورى مفاوضاتهما فى مدينة جنيف حول تشكيل حكومة وحدة وطنية تتمتع بسلطات واسعة لتنفيذ مطالب مرحلة انتقالية جديدة، تخلص فى كتابة دستور جديد للبلاد وإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية تحت إشراف دولى.
ويتقاتل على الأرض السورية أكثر من 70 تنظيماً مسلحاً تلقى عوناً مباشراً من إيران وروسيا والولايات المتحدة والسعودية، فى مقدمتها داعش وجبهة النصرة وعدد من منظمات المعارضة المسلحة التى تسيطر على بؤر مهمة فى مناطق درعا جنوباً وغوطة دمشق على مشارف العاصمة السورية ومحافظات حمص وحماة وسط البلاد، إضافة إلى محافظات إدلب وحلب واللاذقية فى أقصى الشمال، وبرغم التقدم الذى حققته القوات السورية المدعومة جواً بالقوات الجوية الروسية فى مواجهة جماعات المعارضة المسلحة التى تملك صواريخ مضادة للدروع، ويهدد الغرب بتسليح هذه الجماعات بصواريخ أرض جو لتعويق مهمة القوات الجوية الروسية، فى ظل هدنة تكاد تكون ملغاة تخترقها كل الأطراف المعنية.
بينما يكابد السوريون عذابات كارثية أدت إلى هجرة وتشريد نصف السكان خارج البلاد وتدمير كافة المدن السورية التى تبدو لضخامة أضرارها وكأن عاصفة نووية قد ضربتها، ولا تكاد توجد مدينة سورية سلمت من آثار هذه الحرب اللعينة التى أكلت على امتداد 5 سنوات الزرع والضرع ودمرت كيان الدولة السورية ومزقت وحدة البلاد دون أن يتمكن أى من الأطراف المتصارعة من تحقيق نصر حاسم يضع نهاية لهذه الحرب البشعة التى راح ضحيتها ما يقرب من نصف مليون سورى، أغلبهم من المدنيين الذين قتلوا فى حرب عشوائية دون ضوابط، يستخدم فيها نظام بشار الأسد براميل المتفجرات التى يتم إسقاطها جواً على القرى المعارضة، وتستخدم المعارضة والجماعات التكفيرية السيارات المفخخة والعمليات الانتحارية، بينما يتم حصار عشرات المواقع والمدن التى يمتنع عنها وصول الإمدادات أو أى من مواد الإغاثة فى حرب ضروس سقطت كل ضوابطها القانونية والعسكرية، يشارك فيها الروس والإيرانيون والأمريكيون وحزب الله اللبنانى وقوات الحرس الثورى الإيرانى ومستشارون عسكريون غربيون يعملون فى خدمة جماعات المعارضة المسلحة.
ويكاد يكون الموقف العربى الأكثر وضوحاً من الأزمة السورية هو موقف مصر التى تتمسك بضرورة الحفاظ على وحدة الدولة السورية ومؤسساتها بما فى ذلك الجيش والأمن، وعدم تكرار الخطأ الفادح الذى حدث فى العراق عندما سرح بريمر أول حاكم مدنى أمريكى للعراق قوات الجيش العراقى، وما لم يرفع الجميع أيديهم عن سوريا ويتوقف سيل الإمدادات الذى لا يزال يأتى عبر الحدود التركية إلى مناطق حلب وإدلب، ويقود الحكم والمعارضة السورية تفاوضاً رشيداً هدفه الأول إنهاء الحرب الأهلية فى أسرع وقت ممكن، وإرساء قواعد مرحلة انتقالية جديدة تنهى السيطرة المنفردة لحزب البعث السورى وأسرة الرئيس الأسد على مقدرات البلاد لأكثر من أربعين عاماً من احتكار السلطة لصالح حزب واحد وتهميش قوى المعارضة على تباين مواقفها، ما لم يتم جميع ذلك فسوف تستمر الكارثة الإنسانية التى لن يسلم أى من الأطراف المشاركة فى دعم أعمال العنف والإرهاب فى سوريا من آثارها الجانبية التى يمكن أن تهدد أمن واستقرار الأردن ولبنان والعراق، وتضاعف الفوضى التى تضرب أطنابها فى الشرق الأوسط، وهذا ما حدث أخيراً فى الأردن عندما تعرض حرس الحدود الأردنى فى منطقة الركبان، حيث تلتقى الحدود الأردنية والسورية والعراقية، لعملية إرهابية استهدفت الانتقام من حكومة الأردن لمساندتها بعض جماعات المعارضة السورية المسلحة، ولا أظن أن التاريخ يمكن أن يغفر لهؤلاء الذى نشطوا من أجل تدمير حياة الشعب السورى الذى لا يستحق كل هذه العذابات، وفى الأغلب سوف يعانى هؤلاء من مغبة تحالفهم مع منظمات الإرهاب التى لا تحفظ عهداً أو اتفاقاً وغالباً ما تعض الأيدى التى تساعدها.