مكرم محمد أحمد
لا يبدو أن هناك فرصة للمرشح الجمهورى لرئاسة الولايات المتحدة دونالد ترامب، كى يفوز بالانتخابات الرئاسية المقبلة، أو يلحق بركب المرشحة الديمقراطية هيلارى كلينتون التى تتفوق عليه فى جميع استطلاعات الرأى العام الأخيرة على مستوى الولايات المختلفة بنسبة تتجاوز10%، فضلاً عن أن 12% من أعضاء الحزب الجمهورى سوف يصوتون لصالح المرشحة الديمقراطية لأنهم لا يعتقدون أن «ترامب» يملك القدرات اللازمة لأن يشغل منصب رئيس الولايات المتحدة، أهم وأخطر منصب فى العالم، يدخل فى سلطته أن يشعل حرباً نووية!.
وبرغم أنه لا يزال هناك 12 أسبوعاً على موعد إجراء الانتخابات العامة فى نوفمبر المقبل، إلا أن موقف «ترامب» يزداد ضعفاً ويخسر كل يوم المزيد من أصوات الناخبين، رغم محاولاته أخيراً إصلاح حملته الانتخابية وتغيير قادتها ومنظميها، والكف عن عمليات التحريض على الأقليات العرقية والدينية التى دمغته بالعنصرية والشعبوية والحماقة!، ورغم أنه نقل مواقفه المتطرفة من قضايا الهجرة وتشغيل الأجانب إلى نقطة وسط كى يبدو أكثر اعتدالاً!.
ويكاد أغلب جمهور «ترامب» ينحصر فى الرجال البيض من أفراد الطبقة الوسطى الدنيا غير الحاصلين على أية مؤهلات عليا، أما الملونون، خاصة الأمريكيين من أصول أفريقية وأصول إسبانية، فينتمون جميعاً إلى الحزب الديمقراطى وسيصوتون بنسب عالية لصالح «كلينتون».. ومع أن «هيلارى» لا تحظى بثقة غالبية الأمريكيين بعد أن أدانها الأمن الفيدرالى بقلة الاكتراث وعدم المبالاة الذى تسبب فى تسريب بريدها الإلكترونى، إلا أن التحقيقات فى وقائع تمويل رجال الأعمال لمؤسسة كلينتون الخيرية التى تتقاسم «هيلارى» مسئوليتها مع زوجها الرئيس السابق بيل كلينتون، لم تسفر عن وقائع جادة يمكن أن تدخل فى دائرة استغلال النفوذ، وإذا كانت مشكلة «ترامب» الأولى أن النسبة الغالبة من الأمريكيين لا يعتقدون بأهليته لأن يكون رئيساً للولايات المتحدة، فإن مشكلة «هيلارى» الكبرى أن نسبة غير قليلة من الأمريكيين لا يحبونها ولا يثقون فى شخصها، وإن كان الجميع يعترف بكفاءتها وخبرتها ومعرفتها العميقة بأوضاع الولايات المتحدة ومصالحها فى العالم، وإلمامها بشئون السياسة الدولية.
ويشير آخر استطلاع للرأى العام الأمريكى أجرته جامعة كويندياك إلى أن «كلينتون» تحظى بمساندة 51% من أصوات الناخبين الأمريكيين، على حين يحظى «ترامب» بنسبة لا تتجاوز 41%، كما أنها تتفوق عليه فى أصوات النساء بنسبة تتجاوز 7%، لكن الضربة القاصمة لـ«ترامب» جاءت بسبب سخريته الشديدة من أسرة مسلمة عراقية الأصل، استشهد ابنها الأمريكى وهو يحارب تحت علم الولايات المتحدة فى بغداد، الأمر الذى أثار استياء فئات واسعة فى مقدمتها أبناء المؤسسة العسكرية الأمريكية الذين استهجنوا موقف «ترامب» وأدانوه فى بيانات معلنة.. والمدهش فى موقف «ترامب» أنه عندما حاول تغيير أدائه الانتخابى ليبدو أكثر اعتدلاً وأقل حمقاً يمكن أن يتصرف كمواطن عادى، فقد الكثير من جمهوره الأصلى الذى كان يسانده لأنه يقول ما لا يقوله الآخرون، ويتهكم على كافة مؤسسات الدولة والمجتمع الأمريكى، ويتصرف باعتباره خارج كل الأطر السياسية والاجتماعية، لكن واحدة من أهم نقاط ضعف «ترامب» أنه يمتنع حتى الآن عن إعلان حجم ضرائبه المسددة، بينما أعلنت المرشحة «كلينتون» وزوجها أرقام دخلهما المشترك وحجم الضرائب التى دفعاها بهدف إحراج «ترامب» كى يكشف هو الآخر أوراقه لكنه لم يفعل حتى الآن!.
وبرغم المصاعب التى تواجه الحزب الديمقراطى فى الحصول على أغلبية مجلس النواب المقبل، ثمة ما يشير إلى أن الديمقراطيين سوف يتمكنون من أغلبية مريحة داخل مجلس الشيوخ، ويبذلون غاية جهودهم الآن من أجل تضييق الفجوة مع الجمهوريين فى مجلس النواب إلى حدود هامشية، لكن ثمة يقين واضح داخل الديمقراطيين بأنهم سوف يكسبون معركة الرئاسة فى نوفمبر المقبل بهامش كبير، خاصة أنه فى عدد غير قليل من الولايات تتفوق «هيلارى» على «ترامب» بنسب تجاوزت 10% إلى حد أن الكثيرين يعتقدون أن معركة الرئاسة الأمريكية قد تم حسمها لصالح «كلينتون» منذ أغسطس الماضى، وأن الأسابيع القليلة المقبلة حتى موعد الانتخابات، يصعب أن ترتب جديداً يغير موازين القوى الانتخابية لصالح «ترامب»، وأن «ترامب» سوف يجد نفسه فى النهاية فى إجازة طويلة بعد نوفمبر، كان يتوقعها منذ أغسطس الماضى عندما وضح تماماً أن الأمور لا تمضى فى صالحه. وفى إطار الحرب النفسية التى يخوضها مرشح ضد آخر، أعلنت حملة «كلينتون» أن المرشحة الديمقراطية «هيلارى» مشغولة الآن بترتيب أجندتها المتعلقة بالبيت الأبيض بعد وثوقها من أنها سوف تحصل على أغلبية مريحة، وأنها تعتزم تشكيل حكومة يشارك فيها الرجال والنساء مناصفة، تركز على إيجاد فرص عمل جديدة وزيادة الإنفاق العام على أعمال البنية الأساسية، خاصة الطرق والكبارى والسكك الحديدية، وإجراء إصلاح سياسى مهم فى قوانين الهجرة.
وقد تكون الحوارات الثلاثة المهمة بين «كلينتون» و«ترامب» التى يبدأ أولها فى نهاية سبتمبر، المحطة الأهم فى انتخابات الرئاسة الأمريكية وصولاً إلى موعدها فى أول نوفمبر المقبل، حيث يجرى الحوار الأول فى رحاب مدينة نيويورك حول الأوضاع الداخلية فى الولايات المتحدة، خاصة أن «ترامب» يعول كثيراً على ذرابة لسانه وحسه الساخر وسرعة بديهته لوضع «كلينتون» فى وضع بالغ الحرج يمكنه من تغيير مجمل الصورة والموقف، وإحداث تفوق ساحق على منافسته، كما يتوقع الجميع أن يركز «ترامب» على فقدان ثقة الأمريكيين فى «هيلارى»، وإن كان المراقبون يؤكدون أن «هيلارى» بذكائها ومعارفها وتجاربها العديدة لن تمكن «ترامب» من هذه الفرصة، خاصة أنها تكاد تكون متفرغة تماماً لإنجاز استراتيجية جديدة فى الحوار مع «ترامب»، تمكنها من كشف حماقته وتهوره وسرعة غضبه كى تمسك به فى حالة تلبس بغضب عارم يكشف للجميع ضعف مؤهلات «ترامب» فى أن يكون رئيساً للولايات المتحدة!، بينما تنهض استراتيجية «ترامب» على تعميق أزمة الثقة فى شخصية «هيلارى»، واستثمار قلقها الدفين من أنها لا تحظى بحب حقيقى من الجمهور الأمريكى رغم اعترافه بقدراتها، لكن الحوارات غالباً ما تشكل عنصراً مرجحاً وليس عنصراً حاسماً فى اختيار رئيس الولايات المتحدة.