مكرم محمد أحمد
اكثر سوءات الخطاب الدينى فى صورته الراهنة واشدها مدعاة للاصلاح العاجل، الخلط السيىء بين السياسة والدين! لان الدين يدخل فى دائرة المطلق، وليس فى الدين نصف حلال ونصف حرام، الحلال بين والحرام بين والحدود واضحة لاتحتمل الخلط، اما السياسة فهى بطبيعتها نسبية، اخذ وعطاء، ومساومة وانصاف حلول، يضطر الناس لقبولها لان ما لا يدرك كله لايترك كله.
صحيح ان الدين الاسلامى اهتم بالمعاملات إلى حد ان البعض يختصر الدين فى المعاملة، لكن الاسلام لم يضع نظرية كاملة فى الاقتصاد، وان شدد على ضرورة التكافل والبر واداء الزكاة ورفض الربا وأكل اموال اليتامى والمستضعفين،وكذلك لم يحدد الإسلام نظاما بعينه للحكم، وان كان قد اشترط على الحاكم العدل والتقوى ومراعاة الناس لان كل راع مسئول عن رعيته.
ومن المؤكد ان كثيرا من الشعارات التى يعتبرها البعض شعارات اسلامية من نوع،الاسلام هو الحل او سيف ومصحف، ودين ودولة، هى اجتهادات تدخل فى باب الفكر الاسلامى وليست نصوصا دينية، يتغاير عليها الزمن، يمكن ان تكون صالحة لزمان بعينه وغير صالحة لزمان آخر، خاصة مع اتساع دائرة التخصص، وزيادة تنوع العلوم وشمولها، وثقة الاسلام الكاملة فى العقل الانسانى ودعوته الانسان المسلم إلى ان يحسن التفكير والتدبير والتأمل.
ويرفض صحيح الاسلام ان تنشغل منابره بأمور السياسة لان المساجد لله وحده لا يحق لاحد ان يدعو فيها لسواه، ولان الدين لا ينبغى ان يكون مدعاة لخلاف وان صح فيه الاجتهاد، اما السياسة فهى لاتصلح إلا بالخلاف والرأى والرأى الآخر، كما ان توظيف الدين لخدمة السياسة لا يحق ولايجوز لان ثوابت الدين واضحة ومحددة لاتتغير بتغير الازمان، اما السياسة فيحكمها تغاير الازمنة والمصالح، وفى السياسة ليس هناك عداوات وصداقات ثابتة فقط هناك مصالح دائمة، وتكاد تقتصر علاقة الدين بالسياسة على مجموعة القيم الخيرة التى يدعو إليها الدين، تحض على الشفافية والنقاء وعدم الغش وتجنب البهتان والزور والحرص على التمسك بالشوري، وجميعها أمور تسمح السياسة باختراقها!..،ويمكن ان تكون هناك دولة إسلامية، فقط لان غالبيتها مسلمون،لكن الدولة المسلمة مطالبة بحرية الاعتقاد والدين،اما الدولة الدينية التى يحكمها الفقيه فلم يعرفها تاريخ الحكم الاسلامى الذى كان فى معظمه حكما مدنيا، يسمح بالخلاف مع الحاكم ومقاومة اعوجاجه، ويدعو إلى الشورى درءا للفتن وحرصا على الاستفادة بكل القدرات.