مكرم محمد أحمد
إن كانت إدارة الانتخابات البرلمانية فى مرحلتها الأولى قد شابها بعض أوجه القصور السياسية والإدارية التى أدت إلى ضعف الاحتشاد أمام صناديق الانتخابات، بسبب اضطراب تنظيم القوائم، وضعف الاحزاب المدنية، وتغيير الحكومة قبل أسابيع محدودة من يوم الانتخاب، وغياب عناصر المنافسة وتأجيل الانتخابات أكثر من مرة، وضعف فرص تعرف الناخبين على المرشحين، والاعتماد شبه المطلق على قدرة الرئيس السيسى على حث الناخبين على الخروج، والإخفاق المريع فى تحسس نبض الشارع المصري..، إن كانت تلك أسباب القصور فلقد أثبتت هذه الانتخابات على الناحية الأخرى قدرة المصريين الفائقة على التعلم من تجاربهم السابقة، بحيث لم يعد سهلا أن يصابوا من الجحر ذاته مرتين، كما أثبتت حماسهم الشديد للفصل بين الدين والسياسة، واقتناعهم العميق بأن جماعة السلفيين صنو لجماعة الإخوان المسلمين وصنو لكل تنظيمات الإسلام السياسى التى تجعل من الدين مطية للوثوب على السلطة .
وما من شك أن الإخفاق الشديد الذى منى به حزب النور على مستوى الجمهورية وفى مناطق الاسكندرية وغرب الدلتا التى يعتبرها الحزب معاقله الأساسية يثبت أن المصريين أكثر ذكاء ووعيا، واكثر التزاما من حكومتهم بالمبدأ الدستورى الذى يرفض قيام الاحزاب على أسس دينية، واكثر حنكة من خداع السلفيين الذى قدموا فى حملتهم الانتخابية وجها كاذبا لحزب ليبرالى يعادى حلفاءه السابقين من جماعة الاخوان، ويصطف إلى جوار ثورة يونيو!، ويبدى حماسا شديدا لحكم السيسى فى عملية نفاق خبيث تخفى اهداف الحزب ومآربه!.
لقد بالغ السلفيون فى تقدير حجمهم داخل المجتمع حتى ظن الكثيرون أن تحت القبة شيخا فإذا بها فارغة تنطوى على قبض الريح!، وأظن أن هذا العدد المحدود من السلفيين الذى يدخل انتخابات الإعادة يؤكد أن آمالهم فى الحصول على 30% من مقاعد البرلمان القادم لغو وهجص شديد!، وان حصادهم النهائى سوف يكون جد متواضع، ومن واجب الحكومة فى ضوء هذا النتائج أن تتقدم بمشروع قانون جديد إلى البرلمان القادم يلزم حزب النور أن يقتصر فى اعماله وبرنامجه على الدعوة الدينية احتراما لبنود الدستور التى التزم بها الشعب المصري، وإذا كانت نسبة الحضور الضعيف إلى صناديق الانتخابات فى المرحلة الأولى تعكس الإخفاق الإدارى والسياسى للقائمين على العملية الانتخابية لأنهم لم يحسنوا أستثمار الظروف والدوافع المواتية، فإن الفشل الذريع الذى منى به حزب النور يعكس نجاح المصريين الباهر فى رفض تيارات الإسلام السياسى والفصل بين الدين والسياسة.