مكرم محمد أحمد
لا يختلف اثنان على حاجة مصر إلى مرحلة جديدة من الحكم، تتسع لمشاركة فاعلة وحقيقية مع شعب عرف طريقه الصحيح بعد تجربة طويلة مرة، وأسقط نظامين للحكم فى غضون ثلاثة أعوام، ولم يعد يرضى بأقل من العدل والحرية والحكم الرشيد وإنهاء احتكارات الثروة والسلطة والنفوذ، ولا يختلف اثنان على أنه رغم الأوضاع الصعبة التى تعيشها مصر ورغم مشاكلها الضخمة المتشابكة والمتراكمة، ثمة تفاؤل عظيم تسرى موجاته فى طول البلاد وعرضها، بإمكانية أن تكون فترة حكم الرئيس السيسى مرحلة نهوض شامل للأمة المصرية على المستويين الداخلى والخارجى، عبرت عنها بوضوح شديد احتفالات الشعب المصرى بتتويج السيسى رئيساً للجمهورية، التى فجرت طاقات الأمل فى نفوس المصريين بأن غداً سوف يكون الأفضل فى تاريخ مصر، وأن حالة الفوضى التى عاشتها البلاد لأكثر من ثلاث سنوات لا محالة إلى زوال، وسوف تسلم نفسها لمرحلة جديدة من الاستقرار، الذى أصبح أول أهداف المصريين وحلمهم الكبير الذى يساعدهم على عودة مصر من غيابها الطويل.
وأظن أن هذا التفاؤل الشديد، رغم صعوبات الداخل والخارج، ليس مجرد أضغاث أحلام ولكنه حلم صحيح يستند إلى أسباب حقيقية تنهض فى واقعنا اليومى، نلمس ونحس آثارها كل يوم بصورة مباشرة، ونراها رؤيا العين تزهر آمالاً يانعة وسط القفر الشديد، لأن إرادة المصريين الفاعلة حققت نصراً مبيناً، وفرضت وجود المشير السيسى على رأس الحكم رغماً عن أنف الجميع، وهيأت له مناخاً عربياً داعماً يرى صالح العرب فى عودة مصر القوية شريكاً فى الحفاظ على الأمن العربى القومى، كما تحسنت مجمل الظروف الدولية، حيث يسود العالم اعتقاد جديد بأن ثورة 30 يونيو كانت ثورة شعبية بحق، أنهت حكم جماعة فاشية تسلطت على حكم مصر فى غفلة من الزمن ولم تكن أبداً انقلاباً عسكرياً.
ولا مجال للشك فى أن الأوضاع الأمنية أفضل كثيراً، حيث تقلصت قدرة جماعة الإخوان المسلمين على الحشد والفعل والتظاهر، وقلت فعاليتها فى إحداث أعمال الشغب باستثناء سيطرتها على ثلاث جامعات مصرية، القاهرة وعين شمس والأزهر، التى يتحتم تقليصها قبل أن يبدأ العام الدراسى الجديد، كما تم تصفية معظم عناصر الإرهاب فى سيناء وامتنعت جرائمه الكبيرة، ونجحت الدولة فى إجراء الاستفتاء على الدستور والانتخابات الرئاسية دون أن تتمكن جماعة الإخوان من خدش الأمن خلالهما رغم تهديداتها الزاعقة، ويمثل أعضاء مكتب الإرشاد وقيادات الجماعة فى محاكمات علنية لم تنجح الجماعة فى تعكير صفوها، وربما تكون المهمة الأولى بالرعاية الآن هى الموازنة بين متطلبات الأمن السياسى وضرورات الأمن الجنائى، لأن الفوضى التى تضرب أطنابها فى البلاد لا تقل خطراً عن أعمال الإرهاب، ولأن استمرار جرائم البلطجة والاختطاف والتحرش الجنسى والسرقة بالإكراه وقطع الطرق واحتجاز الأشخاص لقاء فدية التى شاعت أخيراً تكشف عن غياب الدولة وضعفها، ودون اجتثاث هذه الجرائم من جذورها يصعب على المواطن أن يعتقد أن الأمور قد تغيرت وأن الاستقرار يتحقق.
ولا يقل أهمية عن هذه العوامل، شخصية الرئيس السيسى التى أدارت الأمور بحكمة وشجاعة دون أن يستعدى أحداً، وأثبتت التجربة أنه يملك كامل إرادته لأنه غير مدين لأحد فى الداخل أو الخارج، تحركه فقط دوافعه الوطنية لإعادة إعمار مصر فى خطة تنمية شاملة، تضع ضمن أول أهدافها السياسية، لم شمل البلاد والاعتراف بحق الجميع فى المشاركة فى شئون بلادهم دون تمييز، ما لم يكونوا قد ارتكبوا جرائم ضد وطنهم، سواء كانوا من جماعة الإخوان أو الفلول، أما المجرمون الضالعون فى المؤامرة فلا مهادنة ولا مصالحة ولا بديل عن خضوعهم لحكم القانون.
وأظن أيضاً أن الخطة الطموح التى أوضح الرئيس السيسى خطوطها العريضة فى خطاب التتويج، وحظيت بموافقة واسعة وترحيب شامل من جموع المصريين زادت من حجم التفاؤل رغم المصاعب الضخمة، لأن الرئيس السيسى ألزم نفسه بإحداث تنمية شاملة تجنى ثمارها كل فئات الشعب وأولاهم الأقل قدرة، وتعهد بتوسيع مساحة الرقعة المنزرعة وإقامة صناعة كثيفة توفر مليون فرصة عمل فى العام للقضاء على البطالة، والتزم بتحسين خدمات الصحة والتعليم إلى مستوى لائق، وتعهد ببناء أول محطة نووية فى منطقة الضبعة، كما التزم بالقضاء على الفقر والعوّز خلال فترة حكمه الأولى، وكان كل ما طلبه أن يصبر المصريون عامين فقط انتظاراً لأولى ثمار جهودهم.
ولست أشك فى أن المصريين سوف يستجيبون لمطلبه، لأنه مطلب منطقى وصحيح، ومن ثم يصبح من الضرورى أن تتوقف كافة المظاهرات التى تخرج بدوافع مطالب فئوية انتظاراً لوعود الرئيس السيسى بتحسين جودة حياة كل فئات الشعب المصرى فى غضون عامين، كما يصبح من شروط نهوض الدولة القوية أن يلتزم الجميع طواعية بأحكام القانون، بما فى ذلك قانون تنظيم التظاهر الذى يشترط الحصول على إذن مسبق ضماناً لحماية المتظاهرين واحتراماً لحكم القانون.
وما من شك أن النصيحتين المهمتين اللتين قدمهما المستشار عدلى منصور، يطلب فيهما من الرئيس المنتخب يوم تتويجه، أن يحسن اختيار معاونيه وأن يحترم أحكام الدستور، هما أعظم هدية للرئيس السيسى فى هذا اليوم البهيج الذى أحب المصريون كل تفاصيله، خصوصاً مشهد الرئيسين معاً على منصة واحدة يوقعان وثيقة تسليم السلطة، الذى أثار شوق المصريين إلى مرحلة جديدة من الحكم، توفق فيها الثورة أوضاعها مع المفاهيم والقيم الدستورية بعد أن أرهقت الفوضى البلاد، لأن الثورة لا تستمر أبداً ولا بد للثائر، كما قال الشيخ الشعراوى، أن يهدأ وينتظم وهو يبنى مجتمعه الجديد كى يتحقق الاستقرار، وتمضى الحياة فى سيرتها الطبيعية تنظم عمل المصريين وجهدهم فى سيمفونية عمل متكاملة، تؤسس لدولة مدنية قانونية عادلة، يحترم فيها الجميع أحكام القانون، وترعى بنود الدستور، وتؤمن بالعلم والعمل، وتسعى جهدها لاستعادة دورها الرائد والفاعل على المستويين الإقليمى والعالمى، وتستثمر فى ذلك كل ما تملكه من أسباب القوة، من ثقل ديموجرافى وموقع مؤثر ودور حضارى متميز، لعبت فيه مصر دور همزة الوصل بين الحضارات والأمم.
وما من شك أيضاً أن حكم الرئيس السيسى يشكل بداية عقد جديد لشراكة مسئولة بين الحاكم والمحكوم لا تنطوى على أى من صور الإذعان، يدخل ضمن بنودها اتفاق الطرفين، الرئيس وشعبه، على أن يتحملا معاً مسئولية النهوض بالدولة المصرية، وتحقيق أهداف الثورة فى الخبز والحرية والكرامة، لأن الرئيس وحده قد لا يستطيع أن يفعل الكثير، لكن الرئيس وشعبه قادران معاً على صنع المعجزات، كما يدخل ضمن هذه البنود تحصين الجبهة الداخلية وإغلاق كل الثغرات التى يمكن أن ينفذ منها التآمر والفساد والثورة المضادة، والتمسك بنزاهة الحكم وديمقراطيته، واحترام بنود الدستور، والتطبيق الصارم لحقوق المواطنة على الجميع دون أى تمييز، والتوافق الوطنى على خطوط أساس عريضة تمنع الخلط المعيب بين الدين والسياسة، وتحافظ على حرية الكلمة وحق الاختلاف، وترعى تقاليد الحكم الرشيد، بحيث يمتنع عليه كل صور التعسف والظلم وإنكار حقوق الإنسان لتصبح مصر دولة قانونية مدنية اختارت الديمقراطية نظام حكم ونظام حياة، لأنها أقصر الطرق إلى تحقيق مصالح العباد وإقامة الحكم الرشيد.