مكرم محمد أحمد
ما يحدث فى القدس الشرقية ينذر بتطور خطير قد لا يكون فى مقدور أى قوة دولية أو محلية أن تحاصره أو تمنع أخطاره،لأن جميع مؤشرات الاحداث التى وقعت فى المدينة القديمة على امتداد الأسابيع القليلة الماضية تكشف بوضوح كاف عددا من الحقائق الخطيرة.
أولها أن الانتفاضة الفلسطينية الثالثة يبدو أنها أصبحت واقعا بالفعل،تتمدد وتكبر كل يوم وتحمل ملامح جديدة أكثر غلظة وجسارة وعنفا، تكشف عن حجم ضخم من الكراهية المختزنة، تترجمها أفعال وجرائم غير مسبوقة، وثانيها أن هذه الجرائم لا تصدرعن جماعات مسلحة منظمة أو مجموعات عقائدية تتبنى فكر المقاومة، ولكنها تصدر عن مواطنين فلسطينيين عاديين لا علاقة لهم بأى من هذه الجماعات، يخرجون من منازلهم صباحا يملؤهم اعتقاد راسخ بعدم جدوى الحياة تحت طغيان الإسرائيليين، يدفعهم إلى الانتقام من الآخر استنقاذا لإنسانيتهم المهدرة، يطعنون من يقابلهم بالسكين، أو يدفعون سياراتهم فوق الارصفة ليدهسوا كل من يعترض طريقهم، غير عابئين بما يحدث، رغم إدراكهم بأنهم سوف يلقون حتفهم قتلا بالرصاص!وثالثها أن الصراع فى القدس الشرقية تجاوز مقاومة الاحتلال الإسرائيلى الذى يهدر حقوقهم المدنية والسياسية ليصبح حربا دينية ضارية دفاعا عن المسجد الأقصى ثالث مقدسات العالم الاسلامى بعد أن أصبح انتهاك الإسرائيليين لحرمته عملا يوميا يحرمون كل من هم دون الخمسين عاما من الصلاة فيه،ويسيرون إليه كل يوم مواكب المتطرفيين اليهود تصلى فى باحاته الرئيسية بدعوى أنه أقيم على أنقاض هيكلهم القديم!ومع الأسف يتناسى الإسرائيليون أنهم السبب الرئيسى فى هذا المنحى الخطير عندما اعتبروا أساطيرهم التوراتية حقائق تاريخية تحكم سياساتهم تجاه الآخريين، وعزلوا القدس الشرقية عن باقى الضفة بهدف الاستيلاء عليها، و بدأوا فى تنفيذ مشروعات استيطان فى المدينة تستهدف تغيير هويتها ووضعها الديموجرافى، وكانت لهم الأسبقية المطلقة فى الاعتداء على الاماكن المقدسة، عندما اقتحم المستوطن المتطرف باروخ جولداشتاين الحرم الإبراهيمى فى ثمانينيات القرن الماضى ليقتل ما يزيد على 30مسلما كانوا يؤدون صلاة الفجر.