مكرم محمد أحمد
لن يردع جماعة الإخوان المسلمين النصر الحاسم الذى حققه المشير السيسى، بحصوله على أكثر من 23 مليون صوت فى الانتخابات الرئاسية الأخيرة، تكاد تقرب من ضعف الأصوات التى حصل عليها الرئيس المخلوع فى انتخابات نزيهة لم يخالطها أى من صور تزييف إرادة الناخبين، لعلها أول انتخابات مصرية تجرى تحت رقابة دولية وتمتنع فيها الدولة والحكومة عن مناصرة طرف دون الآخر، وتحضرها الأعداد ذاتها التى حضرت فى انتخابات عام 2012 التى شارك فى مرحلتها الأولى 13 مرشحاً، يملك معظمهم القدرة على جذب أعداد غفيرة من الناخبين، وبرغم الضعف المتزايد فى قدرة جماعة الإخوان على الحشد والفعل، وانحسار عملياتها الاستعراضية أيام الجمعة شكلاً ومضموناً إلى حدود موقعين فى الطالبية وجسر السويس، وضعف تظاهراتها التى يتضاءل جمهورها إلى حدود العشرات، لا تزال الجماعة تصر على المضى قدماً فى مخططاتها الإرهابية يغريها على الاستمرار أمران مهمان.
أولهما: أن الجماعة لم تتبخر دخاناً فى الهواء ولا يزال لها وجودها العددى المؤثر الذى وضح فى الانتخابات الأخيرة، فضلاً عن أذنابها المنتشرين فى كل مكان، يتآمرون وينشرون الشائعات ويحاولون تقليل حجم النصر الساحق الذى حصل عليه المشير السيسى، باختلاق روايات كاذبة تتحدث وهماً عن عمليات تزييف واسعة جرت فى اليوم الثالث للانتخابات الذى تم تقريره فجأة لضعف إقدام الناخبين على الصناديق فى اليومين الأول والثانى! رغم أن اليوم الثالث لم يضف فى الحقيقة كثيراً إلى أعداد الناخبين الذين لم ينقطع وجودهم عن اللجان فى اليومين الأول والثانى رغم القيظ الشديد، لكن أعدادهم كانت تبلغ الذروة بعد مغيب الشمس أو فى الساعات الأولى من الصباح قبل وقت القيلولة.
وثانيهما: سيطرة طلاب الجماعة على الموقف فى جامعات القاهرة وعين شمس والأزهر، رغم أنهم أقلية محدودة فى الجامعات الثلاث، بسبب خلافات المسئولين عن الجامعات، وعجزهم عن الاتفاق على خطة موحدة تحفظ الأمن، وتمنع هذه الفوضى التى تضرب أطنابها فى الجامعات المصرية، ويمكن أن تتجدد مع بدء عام دراسى جديد، فضلاً عن إخفاق الدولة فى معالجة قضية الحرس الجامعى رغم وجود حكم قضائى بعودته.
والواضح من كثرة عدد القنابل اليدوية الصنع التى تم توزيعها على عدد من أحياء القاهرة بعد إعلان فوز المشير السيسى، ومحاولات إطلاق المظاهرات فى عدد من المحافظات أن فوز السيسى لن يردع الجماعة، ولن يلزمها الخروج من عالمها الافتراضى لتعرف أنها تواجه حائطاً مسدوداً، وأن شرعية الرئيس الجديد المنتخب تغلق الطريق على أى ادعاء بشرعية سابقة، خاصة مع كثرة المظاهر الاحتفالية فى جميع أنحاء مصر ابتهاجاً بالنصر الكبير الذى حققه المشير السيسى.
والمؤسف فى موقف جماعة الإخوان أنها تصر على مواصلة أعمال العنف والإرهاب، وتدفع أنصارها إلى الصدام مع الجيش والأمن، وترتكب الكثير من الجرائم التى يسقط بسببها المزيد من الضحايا، رغم يقينها الداخلى بأن الساعة تجاوزت منتصف الليل، وأن عودتها إلى الحكم تبلغ حد الاستحالة، لأن الشعب بات يبغضها ويرفض أن تكون شريكاً فى حياة مصر السياسية لعقود مقبلة، ولأنها لن تستطيع مهما فعلت أن تهزم مؤسسات الدولة بعد أن ازداد ضعفها، ولا تزال تواجه الجيش والأمن وباقى مؤسسات الدولة وفى مقدمتها القضاء والإعلام يداً واحدة ضد الإرهاب كما تواجه معظم مؤسسات المجتمع المدنى فضلاً عن جموع الشعب المصرى التى تتوق إلى عودة الأمن والاستقرار، ولأن المواقف الإقليمية والدولية تتغير على نحو متصاعد، تآكل ما تبقى من مساندة دولية للجماعة يأساً من إمكان نجاحها، بينما الجماعة سادرة فى غيها لا تريد أن ترى أو تسمع أو تشم!
والأمر الذى لا شك فيه أن الدولة المصرية التى نجحت فى تأمين الانتخابات الرئاسية وضمان أمن جميع المواطنين وهم فى الطريق إلى الصناديق، وحققت هذا الإنجاز الضخم دون وقوع حدث واحد يؤثر على سلامة الانتخابات أو أمن المواطنين سوف تزداد قوة بوجود رئيس منتخب تسانده أغلبية شعبية كاسحة، وسوف تتمكن من حصار الإرهاب وتجفيف منابع تمويله ومصادر قوته، وسوف تنجح مؤسساتها فى الاتفاق على خطة عمل موحدة تنهى سيطرة طلاب جماعة الإخوان على أوضاع الجامعات المصرية قبل بدء العام الدراسى الجديد. وأظن أن هذه المهمة لا تزال تشكل أهم الأولويات على جدول أعمال الرئيس المنتخب التى تتطلب المزيد من الحرص على تحصين الجبهة الداخلية، والسعى دون كلل إلى لم شمل شباب مصر، والانغماس الجاد فى حوار صريح يصحح مفاهيمهم، ويساعد على إدماجهم فى عملية بناء الدولة الجديدة، بحيث يكونون شركاء أصليين على كافة المستويات فى عملية البناء، يستحيل على جماعة الإخوان اختراق صفوفهم.
وفى جميع الأحوال لا ينبغى لمصير جماعة الإخوان المسلمين كجماعة أن يشكل جزءاً من شاغل الحكم الجديد لأن الجماعة تزوى وتذبل، يكفيه أن يصر على تطبيق حكم القانون على الجميع، ولا يورط نفسه فى أى من صور العقاب الجماعى، بما فى ذلك الاعتقال والعزل السياسى كى لا يسبغ على الجماعة مرة أخرى صورة الضحية، وحسبه أن يفتح الأبواب على مصاريعها لعودة من لم يرتكب جريمة ضد وطنه ولم يلوث يديه بدماء مصرية، وتحميل المسئولية كاملة لقادة الجماعة أعضاء، مكتب الإرشاد الذين خططوا لعمليات العنف، وتصوروا أنهم أكبر من الدولة وأراقوا الكثير من دماء المصريين، وكانوا دائماً جزءاً من تاريخ الجماعة الأسود لأنهم تربوا فى أحضان التنظيم السرى للجماعة!
ولست أشك فى أن الجماعة التى تزوى وتذبل ويضعف تنظيمها وتعانى من شروخ وشقوق عميقة، سوف تضطر فى يوم قريب إلى مراجعة أفكارها وسياساتها، وربما يتعرض قادتها لمحاكمات تنظيمية داخلية من قواعد الجماعة وقياداتها الوسطى، لأنهم أضاعوا حكم مصر فى أقل من عام، الذى ظل حلماً يسيطر على الجماعة لأكثر من ثمانين عاماً، بسبب سوء تخطيطهم وسعارهم على المناصب والمكاسب وعدم فهمهم طبيعة الشعب المصرى، والأمر المؤكد أن الجماعة سوف تنفجر على نفسها من الداخل كما حدث مع الجماعة الإسلامية إن آجلاً أم عاجلاً، وسوف يتبدد تنظيمها شراذم ومزقاً عديدة، وأغلب الظن أنها سوف تضمحل لعقود طويلة مقبلة، لأنها آثرت الانتحار الجماعى بدلاً من إعمال الحكمة والعقل، ودمرت نفسها بنفسها قبل أن تتمكن من تدمير وطنها، وارتضت هذا المصير البائس الذى ينتظر قادتها!