مكرم محمد أحمد
هل آن الأوان كى يعرف الجميع على وجه اليقين أن الولايات المتحدة سوف تدخل فى مواجهة عسكرية شاملة مع تنظيم داعش تؤدى إلى هزيمته وتحطيمه، كما يتوقع وزير الخارجية الأمريكية جون كيرى، وكما أعلن الرئيس الأمريكى أوباما أخيراً فى مقال كتبه مع رئيس الوزراء البريطانى ديفيد كاميرون ظهر فى جريدة التايمز اللندنية، تعهد فيه الاثنان، أوباما وكاميرون، بعدم التخاذل فى مواجهة القتلة الهمجيين من عصابة داعش، أم أن أوباما لا يملك بعد استراتيجية واضحة المعالم، تمكن واشنطن من القضاء على «داعش» كما اعترف أخيراً، ولا يزال غارقاً فى حساباته يسأل نفسه ويسأل مستشاريه، إن كان يمكن مواجهة «داعش» فى حرب شاملة على الجبهة العراقية، مع قصف جوى متقطع لقياداتها المهمة التى تجد فى شرق سوريا ملاذاً آمناً، دون أن يضطر للقيام بعملية عسكرية واسعة داخل الأرض السورية حيث يتركز الجزء الأكبر من قوات «داعش»؟!
الواضح الآن أن الرئيس أوباما يواجه ضغوطاً قوية من الإعلام والكونجرس والرأى العام الأمريكى، تطالبه بإعلان الحرب على «داعش»، رداً على رسائلها التحذيرية الأخيرة للرئيس الأمريكى، عندما ذبحت اثنين من الصحفيين الأمريكيين، جيمس فولى وستيفن استليوف، ألقت «داعش» القبض عليهما فى سوريا وذبحتهما على الملأ فى مشهد بربرى صوره شريطا فيديو لم يستغرق أى منهما أكثر من دقيقتين ونصف الدقيقة، ظهر خلالها القاتل يرتدى قناعاً لا تظهر منه سوى العينين، هائل الجثة يتحدث الإنجليزية بلكنة لندنية وهو يجز عنق كل من الصحفيين بالسكين، فى مشهد غير إنسانى يؤكد وحشية «داعش».
لكن الواضح أيضاً أن أوباما لا يملك بعد استراتيجية عمل واضحة لحرب شاملة مع «داعش»، رغم نصائح جنرالاته ومعاونيه العسكريين وبينهم رئيس أركان القوات الأمريكية، الذى يصر على أن هزيمة «داعش» لن تتحقق بصورة مؤكدة، دون أن يمد أوباما عملياته العسكرية إلى الجبهة السورية حيث يوجد الجزء الأكبر من قوات «داعش»، ويعصر على نفسه الليمون ويفكر بجدية فى التعاون مع بشار الأسد، تأسيساً على أن عدو عدوى هو بالضرورة صديق يجب التعاون معه!
وإذا كان واضحاً الآن أن أوباما يفكر فى تشكيل حلف سنى واسع يضم العراق والأكراد والسعودية ودول الخليج وربما المصريين والسوريين، إلا أن أوباما لا يزال يرفض أن يكون بشار الأسد ضمن قوى هذا التحالف، ولا يزال يتردد فى مد عملياته العسكرية إلى الجبهة السورية، باستثناء إمكانية أن يستخدم الطائرات بدون طيار لقتل بعض من قادة «داعش» الموجودين داخل الحدود السورية، فضلاً عن مشاكل إنشاء هذا الحلف السنى الجديد التى ربما يكون أخطرها اعتقاد واشنطن بأن الحرب على «داعش» هى الأولى بالاهتمام والتركيز من مواجهة جماعة الإخوان المسلمين التى يعتبرها البعض خطراً ثانوياً لا يرقى إلى مخاطر «داعش»! رغم أن الجذر واحد لكل من «داعش» وجماعة الإخوان المسلمين، كل منها يمثل فرعاً فى شجرة خبيثة تضم ألواناً متعددة من جماعات الإرهاب، تختلف أسماؤها ابتداء من تنظيم القاعدة إلى «بوكوحرام» النيجيرية، لكن جميعها يستهدف ضرب استقرار دول الشرق الأوسط، وتقويض فرص إقامة دول قانونية مدنية تحترم قواعد الديمقراطية لصالح شمولية دينية متخلفة، تجسد «داعش» مثالها البربرى المنحط الذى يقوم على القهر وانعدام الإنسانية ورفض الاعتراف بالآخر والادعاء باحتكار الحقيقة ومعاداة أصحاب الديانات والحضارات الأخرى.
وثمة ما يؤكد أن دعوة أوباما لتشكيل تحالف سنى واسع يعيد للذاكرة تحالف حفر الباطن الذى ضرب عدوان العراق على الكويت، تلقى موافقة غالبية الدول العربية بما فى ذلك دول الخليج التى تنتظر وصول جون كيرى وزير الخارجية الأمريكى إلى المنطقة لدراسة تفاصيل تشكيل هذا الحلف، التى غالباً ما تنطوى على شياطين خفية، أخطرها هذه المفاضلة البائسة بين «داعش» وجماعة الإخوان المسلمين!
صحيح أن «داعش» تمثل خطراً استراتيجياً يستهدف تغيير خريطة سوريا والعراق، وتمتد أطماعه إلى السعودية ومصر ودول الخليج، لكن الصحيح أيضاً أن جماعة الإخوان المسلمين تمثل خطراً حالاً لا يقل ضراوة عن «داعش»، بل لعله يفوقه خداعاً ومكراً، لأن إرهاب جماعة الإخوان المسلمين يتخفى تحت قناع كاذب يظهر غير ما يبطن، ويقدم للعامة وجهاً بشوشاً يتولى مهمة الدعوة، لكنه يخفى فى تنظيماته السرية وجهاً قبيحاً لا يقل بشاعة عن وجه «داعش»، يرفع حد السيف على كل من يخالف سطوة الجماعة، نراه سافراً واضحاً فى أعمال العنف التى ترتكبها جماعة الإخوان المسلمين داخل مصر، لأن جماعة الإخوان المسلمين فى الأصل والجوهر جماعة تكفيرية تمزق شمل الأمة، يعتقد قادتها أنهم وحدهم يملكون الحقيقة، هدفها الوصول إلى الحكم بحد السيف لإقامة حكم شمولى يجسد الاستبداد فى أبشع صوره!
وبرغم سوء المفاضلة بين «داعش» وجماعة الإخوان المسلمين، فالأمر المؤكد أن «داعش» تستحق الهزيمة والتدمير لشذوذ أفكارها وغلظتها ووحشيتها ومعاداتها لأصحاب رسالات سماوية يؤكد الإسلام على ضرورة احترام عقائدهم، فضلاً عن أنها تعيدنا إلى عصور القهر والاستبداد والخرافة وتنفث سمومها فى كل مكان، وتحاول نشر تنظيماتها المخربة فى معظم دول العالم بما فى ذلك أوروبا والولايات المتحدة، كما أنها تشكل نقطة جذب لكثير من شباب الجماعات المتطرفة باعتبارها جماعة صاعدة تعيش عنفوان قوتها تملك قوة تمويل هائلة وتعيد إلى الأذهان قضية الأفغان العرب بعد أفول تنظيم القاعدة بسبب إخفاق أيمن الظواهرى فى لم شمل ما تبقى من قياداتها الذين تعرض معظمهم لعمليات اغتيال واسعة قامت بها الولايات المتحدة عبر هجمات الطائرات بدون طيارين.
وبرغم أن الأمريكيين أحاطوا «داعش» بدعايات واسعة صنعت منها أسطورة جديدة فى الشرق الأوسط باعتبارها قوة عسكرية منضبطة تملك كفاءة عسكرية عالية، وتحسن التنسيق بين قواتها فى عملياتها العسكرية، وتستخدم بكفاءة أسلحة ذات تقنية عالية، فإن «داعش» تعانى من نقاط ضعف عديدة، أبرزها طول خطوط إمداداتها من حلب إلى الموصل إلى بغداد، وضعف قدراتها على تركيز قواتها فى هذه المساحات الواسعة من الأراضى التى تحتلها بما يضمن الصمود الطويل دفاعاً عن مناطقها مقاتلة، وعدم امتلاكها لغطاء جوى يشكل مظلة لقواتها البرية الموجودة فى مساحات شاسعة مكشوفة، فضلاً عن غلظتها وكراهية الناس لها ونفور المسلمين من جرائمها وأفعالها، وكلها عوامل مهمة تساعد على هزيمة «داعش»، خاصة أن «داعش» اضطرت خلال الأسابيع الأخيرة إلى إخلاء مواقعها فى مدينتين كرديتين تحت وطأة هجوم البشمرجة الكردية، كما اضطرت إلى الانسحاب من منطقة سد الموصل شمالاً ومدينة أيمارال العراقية على مسافة 50 ميلاً شمال العاصمة بغداد، تحت وطأة هجوم مشترك بين الجيش العراقى والبشمرجة الكردية.
وإذا كانت إدارة أوباما قد تلكأت كثيراً فى اتخاذ موقف حاسم لأن «داعش» تؤدى بعض الوظائف المهمة لواشنطن التى استخدمتها فزاعة لإضعاف بشار الأسد، وتخويف دول الخليج، وإقصاء رئيس الوزراء العراقى السابق نورى المالكى، فإن الضغوط المتزايدة على أوباما من الرأى العام الأمريكى بعد ذبح الصحفيين الأمريكيين والتهديد بذبح مواطن بريطانى ثالث، قطع خط الرجعة على إدارة أوباما التى لم يعد أمامها سوى إعلان الحرب على «داعش»، دفاعاً عن كرامة الولايات المتحدة وإنقاذ سمعة الرئيس الأمريكى أوباما التى هبطت إلى الحضيض!