مكرم محمد أحمد
فى فرح غامر لم يعكر صفوه خدش واحد ، ومن فوق الباخرة المحروسة اقدم قطعة بحرية فى العالم ، عبرت قناة السويس عند افتتاحها اول مرة قبل 146 عاما، اعطى الرئيس عبد الفتاح السيسى وبصحبته الطفل عمرو صلاح مريض مستشفى 57357 الذى يأمل ان يكون ضابطا ، اشارة بدء تشغيل القناة وسط جمع من الملوك والرؤساء العرب والاجانب ، ليضيف الى ايام مصر التاريخية يوما مجيدا ، حقق فيه المصريون اضافة ضخمة لدورهم الحضارى على مدى التاريخ فى هذا الموقع العبقرى على مفترق طرق الشمال والجنوب والشرق والغرب بعد ان انجزوا مشروعا عملاقا ، وسع قناة السويس ، وزاد من عمق غاطسها، وحقق ازدواج مسارها فى مسافة 35 كيلو مترا، وجعلها خارج المنافسة العالمية لا يستطيع اى مشروع آخر يربط بين البحرين الاحمر و الابيض منافستها، ومكنها من ان تستوعب المزيد من السفن العملاقة خدمة للتجارة الدولية اختصرت الوقت والكلفة .
واضافة الى ذلك ، يشكل مشروع القناة الجديدة نقطة البداية والمشهد الافتتاحى لمشروع تنموى ضخم ، يغير وجه الحياة فى هذه المساحة الشاسعة من اللامعمور المصرى ، التى تبدأ من سيناء شرق القناة مرورا بمحافظات القناة الثلاث لتصل الى حواف مدينة القاهرة ، تصنع محور تنمية قناة السويس وتعطى الفرصة لقيام صناعات هندسية ومعدنية فى هذه المناطق ، ومحطات لوجيستية فى موانى بورسعيد والسويس والعريش والسخنة ، تنقل تجارة الحاويات عبر شبكة الطرق المصرية الى شمال القارة الافريقية وعمقها وإلى شرق المتوسط وجنوب أوروبا إضافة إلى زراعات متطورة تذهب منتجاتها للتصدير ، كما توفر مليون فرصة عمل جديدة وتقيم مراكز عمران متعددة فى هذه المساحات الشاسعة من اللامعمور، تعزز امن مصر الاستراتيجى فى هذه المنطقة الحيوية .
انجز المصريون مشروعهم العملاق فى عام واحد بدلا من ثلاثة أعوام وسط حفاوة شعبية بالغة بالمشروع ، جسدتها افواج المصريين التى كانت تحج الى مواقع العمل كل يوم تحية للعاملين فى مشروع توسيع القناة ، كما جسدها نجاحهم فى تمويل المشروع من خلال مدخراتهم الشعبية التى شارك فيها اكثر من مليون مصرى ، دفعوا فى 7 ايام اكثر من 60 مليار جنيه اسهاما فى تمويل المشروع .
ويزيد المشهد روعة سيمفونية العمل المتكاملة لعشرات الآلاف من الشبان المصريين يمتلأون حماسا ووطنية ، ويستخدمون ارقى صور الحفر والتكريك ليقدموا صورة مغايرة لجهود اجدادهم الذين حفروا القناة القديمة بالفأس والغلق ، غصبا وتحت سياط السخرة ودون ان تكون مصر طرفا مستفيدا من ثمارها .
ولهذه الاسباب تجسد القناة الجديدة العزة والكرامة كما تجسد إرادة مصر الوطنية الحرة التى انهت فى 30 يونيو اربعة اعوام عجاف ، كابد المصريون خلالها متاعب ضخمة ابتداء من غياب الحكم الرشيد وتسلط جماعة دينية فاشية على مقدرات البلاد ، وانتشار الفوضى وغياب الامن والقانون ، الى ان نجحوا بمعونة اساسية من قواتهم المسلحة فى وضع مصر على الطريق الصحيح لبناء دولة مدنية قانونية عصرية ، تقدم فى اولى بواكير عملها هذا المشروع الضخم هدية الى العالم اجمع ، وهمزة وصل بين شعوبه وحضاراته تشجع على تبادل المصالح والمنافع بين الامم والشعوب، تفيد وتستفيد ، وتقدم نموذجا لدولة حضارية تدعم امن العالم وسلامه ، وتسهم فى تقدم الحضارة الانسانية اتصالا مع ماض عريق، اخترعت فيه مصر الزراعة والتجارة والصناعة والابداع والفن خدمة للبشرية ، وتوصلت الى حقيقة التوحيد هداية للعالمين بما جعلها بحق أم الدنيا تستحق مكانة افضل فى عالمها المعاصر.
القضية أضخم كثيرا من مجرد توسيع المجرى الملاحى لقناة السويس رغم اهمية ذلك وخطورته ، حلم ضخم وكبير تتحقق اولى خطواته على ارض الواقع ، شهدنا امس الاول بداياته من فوق منصة على ضفاف شاطئ القناة ، يجعل من مصر لؤلؤة على ضفاف النيل تشع ضياءا واستنارة على عالمها العربى والشرق الاوسط باكمله ، ويفتح لها ابواب التنمية المستدامة على مصاريعها كى تكون جزءا من عالمها المتقدم ، وامل عظيم صنعه المصريون وهم يحاربون ارهابا اسود، يريد افشال هذا الوطن وتدميره ، وتسعى لتحويل هذا الموقع الجغرافى العبقرى على ملتقى قارات العالم الى سجن كبير يحجر على حريات الوطن والمواطنين ، ويدمر ثقافته وهويته ، ويحيله إلى مجتمع مغلق ، بدلا من استثمار هذا الموقع العبقرى لصالح شعبه وكل شعوب العالم..، وكما تريد جماعات الارهاب تدمير هوية الوطن وثقافته تريد اغتيال فرحة الشعب المصرى ليعيش فى حالة احباط دائم ، لكن ارادة الشعب المصرى بمساندة قواته المسلحة خيبت بفضل الله وتوفيقه كل خططهم ، ليشهد المصريون هذا الفرح الغامر الذى عم طول البلاد وعرضها دون ان يخدش صفوه حادث واحد ، خلال احتفالات افتتاح القناة التى شارك فيها اكثر من 10 آلاف من الضيوف المصريين والاجانب ، استشعروا بفضل يقظة الامن والقوات المسلحة الطمأنينة والأمن الكامل وهم يتابعون احتفالات افتتاح المجرى التى تشكل نقطة البداية لمشروع تنموى ضخم ، بدأ تنفيذه بالفعل تأكيدا على انعتاق مصر من فكر ضيق مضلل يقتل الابداع والثقافة والهوية والمستقبل بل يقتل الحياة ذاتها ، لمصلحة حكم فاشى وافكار ظلامية سوداء ، تتبدد وتنقشع الآن بأيدى المصريين وهم يدافعون عن امن وطنهم واستقراره ضد جماعات الارهاب ويبنون مستقبلا افضل لاجيالهم الجديدة .