توقيت القاهرة المحلي 21:21:22 آخر تحديث
  مصر اليوم -

آن لغزة أن تفرح

  مصر اليوم -

آن لغزة أن تفرح

فهمي هويدي


لأول مرة منذ خمسين يوما اختفت الجنازات من شوارع غزة وارتسمت على وجه القطاع ابتسامات الزهو والفرح، التى ترددت أصداؤها فى الضفة وبين الفلسطينيين داخل إسرائيل.

فرحوا لأنهم بصمودهم وبسالة شبابهم دحروا العدوان وكسروا كبرياءه، ونقلوا الخوف لأول مرة إلى داخل البيت الإسرائيلى حتى أربكوا قيادته وأحرجوا حكومته التى تدهورت شعبيتها بعدما طال أمد الحرب ولم تحقق شيئا من أهدافها. تجلى ذلك فى نتائج الاستطلاع الذى أجرته القناة الثانية وبيَّن أن 80٪ من الإسرائيليين مستائين من أداء رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو فى حين أن 90٪ منهم غير راضين عن اتفاق وقف إطلاق النار الذى أعلن فى القاهرة مساء الثلاثاء الماضى 26/8. ليس ذلك فحسب وإنما تتحدث التقارير الصحفية عن أن نصف أعضاء المجلس الوزارى المصغر الثمانية يعارضون الاتفاق، حيث كان السؤال الذى ردده الجميع هو: كيف أنه بعد 50 يوما من الحرب نضطر إلى القبول بواقع كنا نرفضه؟ فى هذا الصدد ذكر المعلق السياسى للقناة الثانية امنون إبراموفيتش أن الحرب فتحت أعين الكثيرين على حقائق جديدة من بينها ما تثيره الأسئلة التالية: إذا كانت إسرائيل تهدد إيران حقا، فكيف كانت ستبدو لو أنها اضطرت لخوض حرب على جبهتى القطاع ولبنان فى ذات الوقت؟ ثم كيف سيتصرف نتنياهو ويعلون (وزير الدفاع) وهما أصحاب نظرية أن المسألة الفلسطينية غير قابلة للحل، بعد أن فشلت نظرية إدارة الصراع؟ وكيف اضطرت إسرائيل التى ترفع شعار عدم التفاوض تحت النيران إلى التفاوض على وقف النار تحت النار؟ وأليس الإنجاز الوحيد الذى حققه نتنياهو هو أنه استطاع أن يوقف حرب الاستنزاف التى استدرجته إليها المقاومة الفلسطينية بكفاءتها العسكرية وثباتها وإصرارها على عدم الرضوخ أو التراجع، حتى أنها ظلت تطلق صواريخها حتى قبل دقائق من سريان وقف إطلاق النيران؟

صحيح أن كل سكان غزة عانوا من الجحيم الذى فرض عليهم، وجميعهم دون استثناء اشتركوا فى دفع الثمن من دمائهم وفلذات أكبادهم ودورهم التى تحولت إلى خرائب وقبور. لكن الضحايا احتفظوا بكبريائهم طوال الوقت ونسوا أحزانهم حين ذاع نبأ وقف القتال الذى فشل فى تركيعهم وإذلالهم. كانوا يعلمون أن المقاومة أوجعت إسرائيل وتحدت صلفها. فصواريخها طالت أهم المدن الإسرائيلية ومقاتلوها نجحوا فى عمليات الإنزال خلف خطوط العدو من خلال الأنفاق تارة وعبر الكوماندوز البحرى تارة أخرى فضلا عن الكمائن التى نصبوها ومكنتهم من الإيقاع بالمدرعات وسحب الجنود المذهولين من داخلها. وهو ما أدى إلى قتل أعداد من قوات النخبة الإسرائيلية تعادل أربعة أضعاف ما خسرته فى حرب لبنان عام 2006.

الصمود الذى عبر عنه المقاتلون على الجبهة كان له صداه فى المفاوضات التى جرت فى القاهرة، التى تمت برعاية مصرية حقا، لكنها تجاوزت أفق المبادرة المصرية التى أعلنت فى 14 يوليو الماضى. ذلك أن المبادرة كانت تحركت فى حدود تفاهمات 2012 ولم تقدم شيئا يذكر إلى المقاومة. وإنما كبلتها فى بعض المواضع، إلى جانب لغة الحياد التى اتسمت بها، حيث تعاملت مع الطرفين على قدم المساواة، واعتبرت ما يصدر من كليهما «أعمالا عدائية» ضد الطرف الآخر، دون تفرقة بين المحتل القاتل، وبين صاحب الحق القتيل. فقد نصت مثلا على وقف «الأعمال العدائية» من جانب الفلسطينيين جوا وبحر وبرا وتحت الأرض مع التأكيد على وقف إطلاق الصواريخ بمختلف أنواعها. وهو نص يكاد يشل حركة المقاومة ويمنعها من حفر الأنفاق التى كانت إحدى إبداعات المقاومة التى ظهرت فى الحرب الأخيرة. كما دعت المبادرة إلى فتح المعابر وتسهيل حركة عبور الأشخاص والبضائع «فى ضوء استقرار الأوضاع الأمنية على الأرض». ومقتضى هذا الشرط الأخير ألاتفتح المعابر على الإطلاق، لأن تقدير استقرار الأوضاع الأمنية متروك لإسرائيل، وبمقدورها أن تتعلل بعدم استقرار تلك الأوضاع طوال الوقت. ولم يكن الأمر مقصورا على ثغرات تخللت المبادرة، ولكن المراوغات الإسرائيلية لم تتوقف خلال المفاوضات، حيث ظل الإسرائيليون حريصين على ألا تحقق المقاومة أى إنجاز على أى صعيد. إلا أن إصرار الوفد الفلسطينى على مطالبه وتمسكه بالاقتراب قدر الإمكان من هدف فك الحصار وتحقيق الإعمار والتخفيف من معاناة وعذابات سكان القطاع، وفى الوقت ذاته استعداد فصائل المقاومة للاستمرار فى الحرب إلى أجل أطول لم تألفه إسرائيل، هذه العوامل كان لها دورها فى إخراج الاتفاق بالصورة التى أعلنت فى بيان وزير الخارجية المصرية مساء الثلاثاء. صحيح أن إسرائيل لم تستجب لكل ما طلبه الوفد الفلسطينى، لكن القدر الذى وافقت عليه أحدث نوعا من «الحلحلة» التى طورت المبادرة المصرية وعالجت عيوبها. ذلك أن الاتفاق تجاوز سقف تفاهمات 2012 ونص على الإعمار وفتح المعابر بغير شروط، وتمكين أهل غزة من الصيد فى حدود ستة أميال بحرية بدلا من ثلاثة. ولم تلتزم المقاومة إلا بوقف إطلاق النار. وكان الإنجاز الوحيد الذى حققه الإسرائيليون أنهم أوقفوا بدورهم القتال وتجنبوا استمرار الاستنزاف.

من حق القطاع وأهله أن يستشعروا ثقة واعتزازا بما تم، لكن أتمنى ألا نبالغ فى الانتشاء بالنصر الذى أزعم أن ثمة شوطا طويلا ينبغى أن ينجز لتحقيقه على النحو المنشود، فضلا عن أن الإنجاز الذى تحقق من خلال الاتفاق لن يكتمل إلا بتنفيذ بنوده وتنزيلها على الأرض. وهو ما سيخضع للاختبار خلال الأيام والأسابيع المقبلة.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

آن لغزة أن تفرح آن لغزة أن تفرح



GMT 03:46 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

بائع الفستق

GMT 03:44 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

على هامش سؤال «النظام» و «المجتمع» في سوريّا

GMT 03:42 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

دمشق... مصافحات ومصارحات

GMT 03:39 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

السعودية وسوريا... التاريخ والواقع

GMT 03:37 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

ورقة «الأقليات» في سوريا... ما لها وما عليها

GMT 03:35 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

امتحانات ترمب الصعبة

GMT 03:33 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

تجربة بريطانية مثيرة للجدل في أوساط التعليم

GMT 03:29 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

موسم الكرز

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:42 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

أفكار هدايا لتقديمها لعشاق الموضة
  مصر اليوم - أفكار هدايا لتقديمها لعشاق الموضة

GMT 10:08 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد
  مصر اليوم - وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد

GMT 09:50 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

نصائح بسيطة لإختيار إضاءة غرف المنزل
  مصر اليوم - نصائح بسيطة لإختيار إضاءة غرف المنزل

GMT 10:53 2024 الثلاثاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

مدبولي يترأس اجتماع المجموعة الوزارية الاقتصادية

GMT 00:06 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

الأمير ويليام يكشف عن أسوأ هدية اشتراها لكيت ميدلتون

GMT 13:01 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

شام الذهبي تعبر عن فخرها بوالدتها ومواقفها الوطنية

GMT 01:05 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

النيابة العامة تُغلق ملف وفاة أحمد رفعت وتوضح أسباب الحادث

GMT 15:39 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

"المركزي المصري" يتيح التحويل اللحظي للمصريين بالخارج
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon