توقيت القاهرة المحلي 12:59:54 آخر تحديث
  مصر اليوم -

أزمة طوابق السلطة العلي

  مصر اليوم -

أزمة طوابق السلطة العلي

فهمي هويدي

الم أتخيل يوما ما أن يصل الراتب الشهرى لوزير الداخلية فى مصر إلى 2 مليون جنيه. وإذ فهمت أن ذلك من مواريث عصر مبارك، فإن ما أثار فضولى كان التساؤل عن حِصَّة رئيس الجمهورية فى هذه الحالة. كنت مدركا لحقيقة أن وزير الداخلية كان كبير الحُجّاب وحارس النظام فى عهده، إلا أننى لم أجد ذلك سببا مقنعا لتقديم تلك الهبة الشهرية المهولة له فى بلد متوسط دخل الفرد فى الشهر فى حدود 2000 جنيه.
حين يحدث ذلك للوزير فلابد ان يكون لأعوانه نصيب من الكعكة التى لا صاحب لها. ولذلك لم أستغرب ما قرأته عن حصول الأعوان والمحظوظين على عشرات بل مئات الألوف من الجنيهات كل شهر، تحت مسميات مختلفة. وبدا ذلك منطقيا، إذ طالما أطلقت أيديهم فى البلد واعتبروا فوق الحساب وفوق القانون، فلا غرابة فى أن تطلق أيديهم أيضا فى أموال الدولة وحصيلة الضرائب. وما لا تقدمه الموازنة العامة تستوفيه الصناديق الخاصة، التى هى نوع من الجباية التى توضع تحت تصرف المسئولين الكبار، دون رقيب أو حسيب.
جريدة «التحرير» فتحت الملف المسكوت عنه فى عددها الصادر فى 7/7، بمناسبة صدور المرسوم بقانون تحديد الحد الأقصى لأجور العاملين بالدولة بحيث لا يزيد على 42 ألف جنيه فى الشهر. واعتبرت الجريدة أن القانون الجديد «يهدد ضباط الداخلية»، وفى عرض الموضوع ذكرت حكاية المليونى جنيه التى يتقاضاها الوزير. وقالت إن رواتب ضباط الصف الأول من العاملين بالوزارة تتراوح بين 50 ألف و400 ألف جنيه شهريا. وهذه الشريحة تضم مساعدى الوزير ومديرى الأمن ورؤساء مباحث المديريات ومفتشى المباحث، إضافة إلى العاملين فى ضباط الإدارات المتخصصة، وعلى رأسهم ضباط شرطة الكهرباء، ومعهم ضباط التهرب الضريبى والحراسات الخاصة والنقل والمواصلات والسياحة ...إلخ. وهى الإدارات المتميزة التى يطلق عليها إدارات «الكعب العالى». أما من عداهم من ضباط الأمن العام وهم الأغلبية الساحقة، فرواتبهم عادية ولا يحصلون على شىء من الكعكة التى يستأثر بها الكبار والمحظوظون.
التقرير نفته وزارة الداخلية فى اليوم نفسه. ونشر بيانها فى عدد 8/7، الذى ذكر «أن الوزارة تنفى بشكل قاطع صحة ما ورد بالتحقيق الصحفى من معلومات مغلوطة لا أساس لها من الصحة، خاصة ما تعلق منها براتب الوزير ورواتب مساعديه»، وأكد بيان الوزارة أنها ملتزمة تماما بتطبيق الحد الأقصى للأجور.
نفى الوزارة لا يحسم الأمر، ليس فقط لأن الحديث متواتر منذ زمن فى دوائر السلطة أن الرواتب الباذخة التى تغدق على كبار المسئولين فى الداخلية وليس فقط لأنه تحدث عن نية الوزارة فى المستقبل، ولكن لأسباب أخرى منها ما يلى:
• إن وزارة الداخلية رفضت طلب الجهاز المركزى للمحاسبات الاطلاع على كشوف الرواتب والبدلات والمكافآت. وليس هناك تفسير لذلك سوى أن لها مصلحة فى عدم كشف حقائق تلك المصروفات. وهذا الكلام سمعته من المستشار هشام جنينة، رئيس الجهاز.
• إن نصيب الداخلية من الموازنة 23.5 مليار جنيه يخصص منها 19.5 مليار للأجور والمكافآت. وهو مبلغ ضخم يعنى أن الأمن العام فى مصر كله لا يخصص له سوى أربعة مليارات جنيه فقط، فى حين أن الأجور والمكافآت تستهلك الباقى.
• إن الصناديق الخاصة التابعة للداخلية بعيدة عن أى رقابة. ومن المعلومات المتوفرة لدى جهاز المحاسبات أن مدير أمن الإسكندرية يحصل شهريا على 50 ألف جنيه من واحد فقط من تلك الصناديق، ذلك غير راتبه الأساسى وحصته من الصناديق الأخرى.
الأزمة أكبر من وزارة الداخلية، حتى أزعم أنها تشمل أطرافا أخرى فى طوابق السلطة العليا، ذلك أن الحاصل فى الداخلية له نظيره فى المؤسسات المماثلة. حيث الدخول الكبيرة للقيادات لا علاقة لها بدخول بقية الموظفين. وقد فهمت من رئيس جهاز المحاسبات أنه تلقى إخطارا من القوات المسلحة يفيد التزامها بأحكام القانون. لكن أعضاء الجهاز لم يمكنوا من الاطلاع على كشوف الأجور والمكافآت، للتعرف على حقيقة الوضع المالى وإسهام الصناديق الخاصة فيه.
المفاجأة ان مختلف الجهات القضائية رفضت اطلاع جهاز المحاسبات على بيانات الأجور والمكافآت فيها، ولم يجد موظفو الجهاز سببا مقنعا يفسر ذلك الموقف سوى أن فى الكشوف ما يراد حجبه عن الجهاز. كانت النيابة الإدارية استثناء لأنها الجهة الوحيدة التى أرسلت كشوفا تفصيلية ببيانات الرواتب والأجور. أما مجلس الدولة والنيابة العامة ومحكمتا النقض والاستئناف، فإنها سوّفت ورفضت تمكين موظفى الجهاز من أداء واجبهم.
الموضوع لم يستقر بعد، رغم أنه حسم من الناحية القانونية. إذ ليس معروفا كيف ستتصرف الجهات المتميزة فى تنفيذه أو الالتفاف عليه؟ وكيف سيراقب جهاز المحاسبات عملية التنفيذ، وهل سيكون له حق مراقبة الإنفاق من الصناديق الخاصة أم لا؟ ثم ماذا سيكون الموقف فى حالة امتناع أى جهة عن اطلاع جهاز المحاسبات على الكشوف الخاصة بالرواتب والمكافآت والبدلات؟
صدور القرار مهم لا ريب، لكن تنفيذه هو الأهم. وبغير شفافية فى الأداء وشجاعة وحزم فى مواجهة المتحايلين والمتلاعبين فإن إجهاض الفكرة لن يكون مستبعدا. وستعود «ريمة» إلى عوائدها القديمة.
"الشروق"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أزمة طوابق السلطة العلي أزمة طوابق السلطة العلي



GMT 07:12 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

سيد... والملّا... والخاتون

GMT 07:10 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

زيارة محمّد بن زايد للكويت.. حيث الزمن تغيّر

GMT 07:09 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

غلق مدرسة المستقبل

GMT 07:09 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

إنَّ الكِرَامَ قليلُ

GMT 07:08 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

ترمب الثاني... وقبائل الصحافة والفنّ

GMT 07:07 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

مع ترمب... هل العالم أكثر استقراراً؟

GMT 07:06 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

ترمب... ومآلات الشرق الأوسط

GMT 07:05 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

اللغة التى يفهمها ترامب

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 22:43 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته
  مصر اليوم - عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته

GMT 09:44 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

جورج وأمل كلوني يحتفلان بذكرى زواجهما في أجواء رومانسية

GMT 12:02 2024 السبت ,07 أيلول / سبتمبر

نصائح وأفكار لإطلالات أنيقة ومتناسقة

GMT 20:58 2016 الجمعة ,28 تشرين الأول / أكتوبر

لجان البرلمان المصري تستعد لمناقشة أزمة سورية

GMT 23:21 2018 الأربعاء ,21 آذار/ مارس

تعرفي على خطوات للحفاظ على "لون الصبغة"

GMT 23:40 2018 الأحد ,04 آذار/ مارس

تعرف على سعر ومواصفات سكودا كودياك 2018

GMT 19:31 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الشرطة تكشف تفاصيل تجريد أستاذ جامعي من ملابسه

GMT 18:47 2018 الثلاثاء ,30 كانون الثاني / يناير

شركة فيات كرايسلر تكشف عن تراجع ديونها بمقدار النصف
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon