توقيت القاهرة المحلي 02:40:59 آخر تحديث
  مصر اليوم -

أمل من موريتانيا

  مصر اليوم -

أمل من موريتانيا

فهمي هويدي

تمنيناه فى المشرق فجاء الخبر من المغرب. إذ فى حين تلوك الألسنة أخبار وروايات التعذيب فى أغلب بلدان المشرق، فإن وكالات الأنباء نقلت إلينا أخبار موافقة البرلمان الموريتانى على إصدار قانون لمناهضة التعذيب. صحيح أن السيناريو واحد تقريبا عندنا وعندهم، إلا أن المآلات اختلفت. أتحدث عن رياح الربيع التى هبت على موريتانيا فى ٢٥ فبراير عام ٢٠١١، بعد شهر بالتمام والكمال من انطلاق الثورة فى مصر. لكن المؤسسة العسكرية المهيمنة حاصرت حراك الشباب وأفشلته، وكانت قيادة تلك المؤسسة قد انقلبت على أول رئيس مدنى فى تاريخ البلاد تم انتخابه ديمقراطيا فى لحظة استثنائية هو سيدى محمد ولد الشيخ عبدالله الذى فاز فى الانتخابات التى جرت عام ٢٠٠٧، إلا أن قائد الحرس الجمهورى انقلب عليه بعد ١٥ شهرا من توليه السلطة، وحل محله فى السادس من أغسطس عام ٢٠٠٨، وتحول الجنرال محمد ولد عبدالعزيز إلى رئيس للبلاد، حيث أقام نظاما استبداديا له واجهته الديمقراطية. واستخدم ذلك النظام ما نعرفه من وسائل القمع التى من بينها التعذيب والنفى والاختفاء القسرى. وما بقى شىء من ذلك سرا، لأن تقارير النشطاء الحقوقيين وبيانات القوى السياسية المعارضة لم تستسلم للترهيب. وسجلت مختلف الانتهاكات التى أقدم عليها النظام. واشتهر تقرير أعدته منظمة العفو الدولية تحدث عن التعذيب فى مراكز الشرطة والسجون، وأشار إلى حالات تم توثيقها فى عامى ٢٠١٢ و٢٠١٣. كما تحدثت تقارير أخرى عن ترحيل عدد من السلفيين واحتجازهم فى قاعدة عسكرية فى شمال البلاد.
هذه التقارير كان لها صداها فى البرلمان الموريتانى، وهو ما تمثل فى إعداد قانون جديد تبنته المعارضة وصادقت عليه غرفة النواب بالبرلمان، استهدف وضع حد للانتهاكات وإنشاء آلية وطنية للوقاية منها.

صنف القانون التعذيب بحسبانه جريمة ضد الإنسانية لا تسقط بالتقادم. ونص على عقوبات تصل أحيانا إلى الحرمان من الحقوق المدنية، والسجن المؤبد للذين يقومون بالتعذيب سواء كانوا من المنتسبين لقوات الأمن أو الجيش أو ممن يحملون صفة عمومية أو يتقلدون وظائف حكومية. وفيما خص الاختفاء القسرى الذى يتعرض له النشطاء نص القانون الجديد على عقوبة تصل إلى السجن عشرين عاما لكل من يعتقل شخصا موقوفا أو مدانا فى مكان غير محدد بالقانون أنه مكان اعتقال.
أنشأ القانون أيضا آلية وطنية للوقاية من التعذيب، تعنى بمراقبة أوضاع السجون وأماكن الاعتقال المختلفة، تتشكل من نقابات المحامين والأطباء ومنظمات المجتمع المدنى وأساتذة الجامعات، وتتمتع بصلاحيات واسعة فى مجال مكافحة التعذيب والوقوف فى وجه ممارسيه سواء من خلال تهديدهم بالعقاب أو من خلال حماية المرءوسين الذين يرفضون تنفيد أوامر التعذيب.
ذكر نقيب المحامين الموريتانيين الشيخ ولد حندى أن القانون أضاف ضمانات جديدة من بينها أنه «يحق لمن حرم من الحرية أن تطلع أسرته أو أى أحد يختاره عل واقعة توقيفه، وله أن يتصل بمحاميه. ويجرى الكشف عليه بواسطة طبيب، على أن تدون جميع المعلومات المتعلقة به فى سجله بمكان التوقيف. من تلك الضمانات أيضا تخويل القاضى سلطة التحقيق على الفور فى أى واقعة يستلزمها سير العدالة ورأت المحكمة أن هناك أسبابا لذلك، حتى لو لم يطلب المتضرر التحقيق. ثمة ضمانة ثالثة أشرت إليها توا، تمثلت فى حظر توقيع أى عقوبات تأديبية على المرءوسين إذا ما رفضوا تنفيذ أوامر التعذيب التى يصدرها رؤساؤهم، ولا يمكن الاحتجاج فى ذلك بالتعليمات. فضلا عن أنه لا يمكن الاعتداد بأى معلومات يتم الحصول عليها بواسطة التعذيب.
ثمة بلدان تحترم حقوق الإنسان وتكتفى بتجريم التعذيب دون أن تفصل فى ذلك، باعتبار أنه مجرد تحصيل حاصل لأن احترام كرامة الإنسان أصبح قيمة مستقرة ولأن المجتمع بات من القوة بحيث صار بمقدوره أن يقطع الطريق على أى ممارسات من ذلك القبيل من خلال مؤسساته المنتخبة. أما أغلب دول عالمنا العربى فهى تنص فى دساتيرها وقوانينها على تجريم التعذيب ورفضه، فى حين أن الممارسات التى تتم على أرض الواقع تمضى فى اتجاه معاكس تماما. حتى أزعم أن الجميع فى ذلك الهم سواء. والاختلاف الحاصل فى سياسات الدول هو المدى الذى تذهب إليه الانتهاكات. أعنى أنه خلاف فى الدرجة فقط وليس فى النوع. وذلك راجع إلى عاملين أساسيين هما غياب الديمقراطية الأمر الذى اعفى السلطات من أى حساب، ثم ضعف المجتمعات العربية وافتقادها إلى مؤسسات فاعلة تعبر عنها.

هذه الخلفية تدعونى إلى الترحيب الحذر بالقانون الأخير الذى صدر فى موريتانيا، ذلك أننى أتمنى أن تترجم بنوده إلى ممارسة على أرض الواقع. لنا أن نتفاءل بهذه الخطوة وأن نحتفى بها ونشجعها، لكننا ينبغى أن ننتظر اختبار تطبيقه من خلال الممارسات العملية. ذلك أن التعذيب على قبحه ليس جريمة الأجهزة القمعية والأمنية وحدها، وانما هو فى جوهره تطبيق لسياسة النظام القابض على السلطة. لذلك أصاب بعض أهل القانون حين اعتبروا أن التعذيب جريمة نظام وليس جريرة الجلادين وحدهم. وهو ما يعنى أنه مشكلة سياسية بأكثر منها حقوقية. وإذا صح ذلك التحليل فهو يعنى أنه ما لم يتغير النظام أو يغير من سياساته فلن يحول القانون دون استمرار التعذيب أو الاحتيال على تنفيذه.

إذا سألتنى بعد ذلك لماذا الترحيب بالتصديق على القانون فى موريتانيا رغم استمرار نظامها، فردى أن لدى فى ذلك ثلاثة أسباب. الأول: أن وجود القانون خير من عدمه فضلا عن انه يمثل مرجعية تمكن النشطاء والحقوقيون الموريتانيون من الاحتجاج بها. الثانى: أننى فعلت ذلك من باب التمنى إعمالا للقول المأثور تفاءلوا بالخير تجدوه. الثالث: أننى أردت التذكير بأننا فى العالم العربى نظل بحاجة إلى مثل ذلك القانون، باعتبار أن الذكرى تنفع المؤمنين، حتى إذا كانوا ظلمة ومفترين.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أمل من موريتانيا أمل من موريتانيا



GMT 08:48 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

بيت من زجاج

GMT 08:46 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

إدارة ترامب والبعد الصيني – الإيراني لحرب أوكرانيا...

GMT 08:45 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ترمب ومشروع تغيير المنطقة

GMT 08:44 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ماذا جرى في «المدينة على الجبل»؟

GMT 08:34 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

طبيبة في عيادة «الترند»!

GMT 08:33 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

الشعوذة الصحافية

GMT 08:32 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ولاية ترمب الثانية: التحديات القادمة

GMT 08:31 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

من الرياض... التزامات السلام المشروط

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 22:43 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته
  مصر اليوم - عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته

GMT 09:44 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

جورج وأمل كلوني يحتفلان بذكرى زواجهما في أجواء رومانسية

GMT 12:02 2024 السبت ,07 أيلول / سبتمبر

نصائح وأفكار لإطلالات أنيقة ومتناسقة

GMT 20:58 2016 الجمعة ,28 تشرين الأول / أكتوبر

لجان البرلمان المصري تستعد لمناقشة أزمة سورية

GMT 23:21 2018 الأربعاء ,21 آذار/ مارس

تعرفي على خطوات للحفاظ على "لون الصبغة"

GMT 23:40 2018 الأحد ,04 آذار/ مارس

تعرف على سعر ومواصفات سكودا كودياك 2018

GMT 19:31 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الشرطة تكشف تفاصيل تجريد أستاذ جامعي من ملابسه

GMT 18:47 2018 الثلاثاء ,30 كانون الثاني / يناير

شركة فيات كرايسلر تكشف عن تراجع ديونها بمقدار النصف
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon