توقيت القاهرة المحلي 02:23:18 آخر تحديث
  مصر اليوم -

إرهاب مسكوت عنه

  مصر اليوم -

إرهاب مسكوت عنه

فهمي هويدي

تغطية صحف القاهرة أمس لكارثة المركب الذى غرق بركابه بسبب اصطدام «صندل» بها مساء يوم الأربعاء ٢٣/٧ تضمنت إشارات ينبغى أن تؤخذ على محمل الجد. إذ إلى جانب القصص الإنسانية التى تزلزل المرء وتقطع نياط القلب. فثمة تفاصيل أخرى للحادث تسلط الضوء على الثمن الذى درجنا على دفعه كل حين من أرواح البشر ودمائهم، بسبب الإهمال والتسيب والفساد. الذى أزعم أنه إرهاب آخر مسكوت عنه.

مما ذكرته الصحف الذى صدرت أمس ما يلى:

* إن المركب البائس حمل بأكثر من طاقته، لأن ركابه تراوح عددهم بين ٦٠ و١٠٠ شخص، لكن الأهم من ذلك أنه لم يكن مرخصا من هيئة النقل النهرى، كما أن قائده ومساعديه ليست لهم أوراق تثبت أنهم حصلوا على أية تراخيص لمزاولة المهنة.

* إن الصندل الذى اصطدم بالمركب كان يتحرك بدون إنارة أثناء الليل، فضلا عن أنه لم يكن مسموح له بالسير ليلا.

* إن شرطة الإنقاذ تأخرت فى الوصول إلى مكان الحادث، إذ جاءت بعد نصف ساعة من غرق المركب، واستخدمت كشافات ضعيفة فى الإنقاذ الذى تم تحت جنح الظلام. فى حين كان ينبغى أن تتم الاستعانة بطائرات الهليكوبتر التى تغمر المكان بالضوء لتسهيل عملية الإنقاذ.

* إن وزارة الداخلية كانت قد طالبت بتعديل قوانين حماية النيل وتغليظ العقوبة على الذين يرتكبون المخالفات الجسيمة فى استخدامه. علما بأن عقوبة تلك المخالفات ضعيفة وتافهة فى ظل الوضع الراهن. إذ إنها تتراوح بين ٥٠ و٢٠٠ جنيه فقط.

* إن وزارة الرى أخلت مسئوليتها عن الحادث، وذكر متحدث باسمها بأن مسئوليتها تنحصر فى إنشاء المراسى النيلية فقط، فى حين أن تصاريح تسيير الصنادل والمراكب تمنحها لجنة تضم ممثلين عن ٩ وزارات. كما أن رئيس حى منطقة «الوراق» التى ترسو المراكب على شاطئها وتنطلق منه أخلى بدوره مسئوليته وذكر أن تصاريح المراكب من مسئولية شرطة المسطحات والرى.

هذه المعلومات إذا صحت فهى تعنى أنه بوسع أى أحد مهما كانت مهنته أو حرفته أن يسير مركبا فى نهر النيل، وأن يستثمرها تجاريا فيحولها إلى وسيلة انتقال منتظمة، ويحملها بأكبر عدد من الركاب وبما تستطيع حمله من البضائع. وحين يفعل ذلك فإنه سيظل مطمئنا إلى أن الدولة غير موجودة، أو مكترثة بما يفعل، حيث لا شروط ولا نظام ولا رقابة. وإذا تصادف واعترضت طريقه السلطة من أى باب وخطر لها أن تحاسبه على مخالفة ارتكبها، فالأمر سهل ومقدور عليه، لأن الغرامة محتملة ولن تعجزه أو توقفه، كما أنها لن تردعه.

من المفارقات أن ذلك بالضبط ما حدث مع كارثة عبارة السلام الشهيرة التى قتل فيها غرقا أكثر من ألف و٣٠٠ مواطن مصرى. مع الاختلاف فى الحجم والحمولة وخط السير. لأنها أبحرت من ميناء ضبا السعودى إلى سفاجا على البحر الأحمر فى مصر. فالسفينة كانت متهالكة ولم تخضع لأى تدقيق فى أوراقها أو مستوى كفاءتها، كما أثبت تقرير تقصى الحقائق الذى تحرى الأمر فى حينه. ثم إنها حملت بأكثر من طاقتها، وحين غرقت فى الثانى من شهر فبراير عام ٢٠٠٦، فإن عملية الإنقاذ شابها قدر من التراخى سجله التقرير السابق. أما ما حدث بعد ذلك، وكيف تم لفلفة القضية فتحولت إلى جنحة لا جناية، ثم هرب مالكها إلى خارج مصر ولايزال موجودا فى بريطانيا حتى الآن، فذلك فصل آخر فى الكارثة يفضح المدى الذى وصل إليه الفساد بحيث لم يتلق الجناة ما يستحقونه من عقاب على قتل ذلك العدد الكبير من المصريين. ولم يكن مستغربا والأمر كذلك أن تستمر الاستهانة بأرواح البشر وأن يظل الترهل والفساد والإهمال كما هو. ثم أن يتكرر ما حدث مع العبارة بعد ذلك فى حوادث الغرق الأخرى التى شهدها نهر النيل.

ما جرى يستدعى أربع ملاحظات هى:

* إن المسئولين عن التسيب الذى غيب دور الدولة وسمح بتسيير المراكب بلا تصاريح وتمكين كل من هب ودب أن يعبث بأرواح الناس، هؤلاء يجب أن يحاسبوا لأنهم شركاء فى الجريمة التى وقعت.

* إن فكرة تشديد العقوبة على المخالفات التى تحدث فى مجال النقل النهرى، وسبق أن طالبت بها وزارة الداخلية، ينبغى عدم التراخى فيها ويتعين إدراجها على أجندة الإصلاح التشريعى بغير تردد.

* إننى لا أستطيع أن أفصل بين الإهمال فى ضبط المسألة سواء من خلال عدم الاكتراث باشتراط التصاريح أو من خلال التساهل فى معاقبة المخالفين وبين القيمة الحقيقية للإنسان المصرى فى نظر السلطة. إذ حين تسير المراكب بلا تراخيص ويقودها أناس بغير ترخيص، فإن ذلك إذا أضيف إلى تدهور الخدمات والمرافق فإنه يصبح كاشفا لمدى تدهور قيمة الإنسان الذى لا علاج له إلا بأن يرد للمواطن اعتباره وتحترم حقوقه مع إنسانيته.

*إننا نتمنى أن تحظى غيرة السلطة على الخدمات التى تقدم للمواطنين بنصف أو ربع احتشادها لمواجهة الإرهاب الذى يستهدف نظامها. ذلك أن الذين قتلوا غرقا فى نهر النيل بسبب إرهاب الإهمال والفساد مواطنون لا يختلفون فى شىء عن أقرانهم الذين يقتلون فى أى عملية إرهابية فى سيناء أو غيرها. إذ الأول خطأ جسيم يرقى إلى مستوى تعمد القتل، والثانى قتل مع سبق الإصرار والترصد. وجميعهم إرهابيون فى نهاية المطاف.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إرهاب مسكوت عنه إرهاب مسكوت عنه



GMT 08:48 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

بيت من زجاج

GMT 08:46 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

إدارة ترامب والبعد الصيني – الإيراني لحرب أوكرانيا...

GMT 08:45 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ترمب ومشروع تغيير المنطقة

GMT 08:44 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ماذا جرى في «المدينة على الجبل»؟

GMT 08:34 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

طبيبة في عيادة «الترند»!

GMT 08:33 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

الشعوذة الصحافية

GMT 08:32 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ولاية ترمب الثانية: التحديات القادمة

GMT 08:31 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

من الرياض... التزامات السلام المشروط

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 22:43 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته
  مصر اليوم - عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته

GMT 09:44 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

جورج وأمل كلوني يحتفلان بذكرى زواجهما في أجواء رومانسية

GMT 12:02 2024 السبت ,07 أيلول / سبتمبر

نصائح وأفكار لإطلالات أنيقة ومتناسقة

GMT 20:58 2016 الجمعة ,28 تشرين الأول / أكتوبر

لجان البرلمان المصري تستعد لمناقشة أزمة سورية

GMT 23:21 2018 الأربعاء ,21 آذار/ مارس

تعرفي على خطوات للحفاظ على "لون الصبغة"

GMT 23:40 2018 الأحد ,04 آذار/ مارس

تعرف على سعر ومواصفات سكودا كودياك 2018

GMT 19:31 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الشرطة تكشف تفاصيل تجريد أستاذ جامعي من ملابسه

GMT 18:47 2018 الثلاثاء ,30 كانون الثاني / يناير

شركة فيات كرايسلر تكشف عن تراجع ديونها بمقدار النصف
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon