توقيت القاهرة المحلي 00:13:41 آخر تحديث
  مصر اليوم -

إنما الأخبار بالنيات

  مصر اليوم -

إنما الأخبار بالنيات

فهمي هويدي

زفت إلينا جريدة الأهرام أمس (19/11) خبر «تحديد منفذى جريمة الشيخ زويد» ـ هكذا كان العنوان الرئيسى للصفحة الأولى. تحت العنوان ذكرت الجريدة ما نصه نقلا عن لسان وزير الداخلية «إن قطاع الأمن الوطنى بالاشتراك مع القوات المسلحة نجحا فى تحديد شخصية منفذى جريمة الشيخ زويد الإرهابية، التى راح ضحيتها 31 من الضباط والجنود فى الشهر الماضى، موضحا أنه سيتم إعلان التفاصيل الكاملة قريبا. فى الخبر أيضا «أن القوات المسلحة والشرطة قامتا بالقضاء على أخطر العناصر التكفيرية فى سيناء».

الكلام غاية فى الأهمية، لكن المعلومات فيه غاية فى الغموض. ذلك أن النجاح فى تحديد شخصية مرتكبى هذه الجريمة يقتضى ـ عند الحد الأدنى ـ أن يحدد عددهم وهوياتهم والأماكن التى جاءوا منها أو التى اختبأوا فيها. ولكن شيئا من ذلك لم يحدث. كأنما كانت رسالة الخبر أريد بها طمأنة الرأى العام إلى أنه تمت السيطرة على الموقف. وأن الحكومة قامت باللازم. ومن ثم فلا داعى لأن ينشغل الناس بالتفاصيل. بالمنطق ذاته ذكر الخبر أنه تم القضاء على أخطر العناصر التكفيرية فى سيناء، دون أى ذكر للتفاصيل. أو الحد الأدنى منها الذى يوفر للخبر صدقيته.

هذه اللغة فى مخاطبة الرأى العام ليست جديدة، كما أن تعميمها وإيصالها إلى الناس ليس مقصورا على جريدة الأهرام وحدها. فنحن لم نعرف حتى الآن من المسئول عن جرائم قتل الجنود المصريين فى سيناء. وقد قيل لنا إن الرئيس الأسبق أبلغ بأسماء الذين اشتركوا فى قتل 16 ضابطا وجنديا فى رفح عام 2012، لكنه احتفظ بها ولم يعلنها ـ إلا أننا لم نفهم لماذا ظلت تلك الأسماء طى الكتمان بعد عزله وتقديمه إلى المحاكمة. كما أن أخبار القضاء على أخطر العناصر التكفيرية فى سيناء أصبحت عنوانا ثابتا فى الصحف المصرية. فكل أسبوع وربما بصفة شبه يومية يتم قتل العناصر الأخطر فى سيناء. الأمر الذى يفترض أنه تم القضاء على كل الرءوس خلال شهر على الأكثر. ولكن ذلك لم يحدث. كأنما هؤلاء يتناسلون باستمرار على نحو يتعذر معه القضاء عليهم فى أى وقت.

خلال أسبوع واحد فقط من الشهر الحالى كان من بين عناوين الصحف المصرية ما يلى: ضربات ساحقة للإرهاب فى سيناء ـ الجيش يستعد لهجوم كبير ضد الإرهابيين ـ الجيش يستعد للضربة القاضية ضد «تنظيم» بيت المقدس ـ الأباتشى تقطع رءوس الإرهاب فى سيناء ـ الجيش يدك أوكار الإرهاب فى سيناء والشرقية ـ من الجيش لداعس: مقابركم فى مصر.

ما فهمته من هذه العناوين وأمثالها أن المراد بها تعبئة الرأى العام وطمأنته إلى أن القوات المسلحة تقوم بواجبها فى تطهير سيناء من الإرهابيين. وهو ما لا يستطيع أحد أن ينكره أو يشك فيه، إلا أن عناوين من ذلك القبيل إذا صلحت لنشرات أو بيانات إدارات التوجيه المعنوى والإعلام التابعة للقوات المسلحة أو الشرطة، فإنها لا تصلح عناوين للصحف اليومية، التى يفترض أنها تحترم عقل القارئ وتوفر له حقه فى أن يعرف. بكلام آخر فإن هذه العناوين تعبر عن النوايا والأمنيات والمقاصد ولا تعبر بالضرورة عن الحقائق الماثلة على الأرض. ومشكلتها ليست مهنية فحسب، بمعنى أنها تنتمى إلى الخطاب التعبوى بأكثر مما تنتمى إلى جنس الأخبار، لكن مشكلتها الأكبر أنها تفقد ثقة الناس فى صدقية ما تنشره الصحف. وتضم أمورا بتلك الأهمية والخطورة إلى قائمة «كلام الجرايد» الذى هو أقرب إلى الثرثرة الخالية من أى مضمون جاد.

بسبب دقة الأمر وحساسيته فإننى سأكتفى بما ذكرت وسأستشهد بنموذج آخر فى محيط الحياة المدنية يجسد الفكرة الأساسية التى أردت لفت الانتباه إليها. ذلك أن «المانشيت» الرئيسى لجريدة الأهرام ـ يوم الثلاثاء 18/11 زف إلينا بشرى أخرى تمثلت فى «عودة حركة السياحة المصرية إلى الخريطة العالمية» وهو خبر سار حين يقع عليه المرء فسوف يخطر على باله على الفور أن المطارات ازدحمت والفنادق شغلت والمراكب السياحية امتلأت وانطلقت والأسواق انتعشت.. إلخ. لكنه حين يهبط بعينيه لكى يقرأ ما تحت العنوان سيكتشف أن ما خطر بباله لم يكن صحيحا. وأن كل ما فى الأمر أن رئيس الجمهورية اجتمع فى إحدى قاعات القصر الجمهورى مع ممثلى شركات السياحة العالمية، وحدثهم عن حرص الدولة على تذليل العقبات التى تعترض تنشيط السياحة فى مصر. ولكن الجريدة اعتبرت أن ما تطلع إليه الرئيس وتمناه هو الخبر، وأن مصر إن لم تكن قد عادت بالفعل إلى الخريطة العالمية للسياحة فالأكيد أنها بسبيلها إلى ذلك، بشهادة رئيس الجمهورية شخصيا.

ليس ذلك جديدا ولا هو يخص مرفقا بذاته ولا جريدة بذات.ها ولكنه صار من تقاليد المتابعة الصحفية التى أصبحت تعد كل كلام الرئيس أخبارا مهمة، وتعتبر أقواله أفعالا، الأمر الذى أشاع فى أوساط السلطة أن النشر فى الصحف دليل على أن المعاملة تمت والمشروع أنجز. وهو ما أصبح يقدم لنا تعريفا جديدا للخبر. إذ لم يعد ما حدث بالفعل ولا هو المؤكد أو المرجح حدوثه، ولكنه ذلك الذى نتمنى حدوثه يوما ما. لذلك فإن كبار المسئولين كثيرا ما أصبحوا يستعرضون إنجازاتهم على صفحات الصحف بأكثر مما يقيمونها على أرض الواقع. وهم فى ذلك يراهنون على ثلاثة أشياء، أولها قوة تأثير تلك الوسائل. وثانيها ضعف ذاكرة المواطنين. أما الثالث والأهم فهو اطمئنانهم إلى أن أحدا لن يحاسبهم أو يراجعهم فيما أعلنوا عنه ــ هنا ينتهى الكلام المباح!

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إنما الأخبار بالنيات إنما الأخبار بالنيات



GMT 20:18 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

مع ابن بجاد حول الفلسفة والحضارة

GMT 00:00 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

هل نحتاج حزبا جديدا؟

GMT 09:08 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

7 فرق و11 لاعبًا نجوم البريمييرليج!

GMT 08:51 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

بشار في دور إسكوبار

GMT 08:49 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

دمامة الشقيقة

GMT 08:48 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

سوريا الجديدة والمؤشرات المتضاربة

GMT 08:47 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

هجمات رأس السنة الإرهابية... ما الرسالة؟

GMT 08:46 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

الشرق الأوسط الجديد: الفيل في الغرفة

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:13 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

زيلينسكي يتهم الغرب باستخدام الأوكرانيين كعمالة رخيصة
  مصر اليوم - زيلينسكي يتهم الغرب باستخدام الأوكرانيين كعمالة رخيصة

GMT 00:02 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

محمد رمضان يعلن مفاجأة لجمهوره في 2025
  مصر اليوم - محمد رمضان يعلن مفاجأة لجمهوره في 2025

GMT 22:20 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

دراسة حديثة تكشف علاقة الكوابيس الليلية بالخرف

GMT 22:21 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

عباس النوري يتحدث عن نقطة قوة سوريا ويوجه رسالة للحكومة

GMT 08:38 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 09:13 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 06:04 2024 الثلاثاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الثلاثاء 31 ديسمبر / كانون الأول 2024

GMT 14:18 2024 السبت ,13 كانون الثاني / يناير

من أي معدن سُكب هذا الدحدوح!

GMT 21:19 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

البورصة المصرية تربح 7.4 مليارات جنيه ومؤشرها الرئيس يقفز 1.26%
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon