فهمي هويدي
يوم الأربعاء الماضى (13/8) انتشر فى مصر شريط «فيديو» ظهر فيه 12 نفرا ملثما ارتدوا ثيابا سوداء، وحمل كل واحد منهم سلاحه فوق كتفه. وألقى أحدهم خطبة قال فيها إن الكيل قد فاض بهم، وانهم سئموا سلمية الإخوان، من ثم قرروا أن يشكلوا «كتائب حلوان المسلحة» للانتقام من السلطة والجيش. وأثار الانتباه ان الإعلان تم فى ليلة ذكرى فض اعتصام رابعة والنهضة. الأمر الذى دعا كثيرين إلى الربط بين بث التسجيل والمناسبة. ومن ثم حظيت العملية باهتمام شديد من جانب المؤسسة الأمنية ووسائل الإعلام، التى تنافست فى نشر الخبر وتحليله والتعليق عليه من جانب احتياطى الخبراء الاستراتجيين والأمنيين الجاهزين فى الاستديوهات وعلى الهواتف النقالة. لم يستوقف العدد أحدا، ولا كون ان الاثنى عشر نفرا لا يحتملون وصف «الكتائب»، ولا أنه جرى تصويرهم تليفزيونيا وهم على تلك الهيئة فى شارع عمومى، ولا انهم أرشدوا الأجهزة الأمنية إلى مكانهم ودائرة نشاطهم (مدينة حلوان تبعد عن القاهرة بنحو 35 كيلومترا). مما قاله المحللون الاستراتيجيون إن ظهور «الكتائب» اعتراف من جانب الإخوان الذين انتقد المتحدث «سلميتهم» بأنهم يحملون السلاح فى وجه الدولة، وانه من الضرورى محاكمتهم بتهمة «الخيانة» وأفاض آخرون فى تحليل البيئة الاجتماعية التى ظهر فيها الاثنا عشر نفرا. وكيف ان الأفكار الإرهابية سهلة الانتشار فى مناطق العشوائيات وأوساط الفقراء والعاطلين...إلخ. ومع انتشار التسجيل وتداوله ظهرت بعض التعليقات الأخرى عليه، ووجدها نفر من المقيمين بالخارج فرصة للمزايدة والدعوة إلى إعلان الجهاد المسلح ضد النظام المصرى، فى حين استنكرها آخرون واعتبروها إحدى حلقات التآمر لإسقاط الدولة المصرية، وثمة فريق ثالث تشكك فى العملية وذكر أن اطلاق التسجيل مقصود به التشويش على بيان منظمة هيومان رايتس ووتش حول فض اعتصام رابعة، كما قصد به صرف الانتباه عن المناسبة.
يوم الجمعة 15/8 ذكر موقع «اليوم السابع» انه تم تشكيل تنظيم جديد باسم «الثأر لمصر» يرد على الكتائب الوليدة ويجهض عملياتها، وكان مستغربا ان تتحرك الأمور بهذه السرعة، بحيث يعلن عن ميلاد الكتائب يوم الأربعاء، وخلال 48 ساعة يظهر تنظيم مضاد. وكأننا بصدد تنظيمات معلبة جاهزة فى مكان ما لكى تؤدى مختلف الأغراض سواء كانت مناهضة النظام أو مدافعة عنه، الأمر الذى يختصر الترتيب والاحتشاد والتنظير.
يوم السبت 16/8 قرأنا فى الصحف انه تم إلقاء القبض على اثنين من عناصر كتائب حلوان، وان هناك كيانا باسم «إخوان بلا عنف» أعلن أنه نجح فى منع انطلاق 96 مسيرة فى أكثر من 8 محافظات بمصر، بمعدل 12 مسيرة فى كل محافظة، وكان ذلك ضمن الأخبار التى تم تداولها فى المواقع، الأمر الذى لم يتح لأحد ان يتأكد من صحة معلوماته، فضلا عن التحقق من قدرة المجموعة المذكورة على تحدى الجماعة ومنع انطلاق 96 مسيرة فى وقت واحد. يوم السبت أيضا نشرت الصحف ان اجتماعا عقدته (مصادفة) بعض القيادات الإخوانية فى اسطنبول لتشكيل كيان باسم «حركة المقاومة الشعبية» للإعلان عن نهاية مرحلة التظاهر ضد النظام فى مصر، والانتقال إلى طور المقاومة المسلحة.
يوم الأحد نشرت «المصرى اليوم» ان تحالف دعم الشرعية الذى يشارك فيه الإخوان أعلن براءته من أية مجموعة مسلحة ترتكب أحداث عنف فى البلاد. وشدد على رفضه الشديد إلى دعوات لتنظيم مظاهرات مسلحة أو تبرير العنف تحت أى مسمى.
إزاء ذلك السيل من المعلومات المتعلقة بالأنشطة الإرهابية بدا متعذرا إدراك الحقيقة فيما ينشر من أخبار. فلم نفهم حدود الشائعة أو المعلومة، ولم نعرف ما هو الجد أو الهزل فيها، كما لم نعرف ما إذا كانت تلك الأخبار تعبر عن الحقيقة فعلا أم أنها رسائل توجهها الأجهزة القابعة فى الظل وتسوقها من خلال وسائل الإعلام لتحقيق غايات سياسية معينة. فالتسارع فى ظهور التنظيمات المناهضة والمؤيدة يلفت النظر لا ريب، ثم ان الحديث عن التمرد على سلمية الإخوان تارة، والسعى للانتقال من مرحلة التظاهر إلى المقاومة المسلحة وتسليط الأضواء الإعلامية القوى على الاثنى عشر نفرا الذين ظهروا بسلاحهم على شريط الفيديو، ذلك كله يتناقض مع الدور «الإرهابى» الذى نسب إلى الجماعة منذ تسعة أشهر (القرار أصدره مجلس الوزراء فى شهر ديسمبر 2013).
ما سبق يوفر قرائن دالة على أن موضوع الإرهاب يتم التعامل معه بدرجات متفاوتة من الافتعال فضلا عن التسرع والخفة. ولأن الأمر يتعلق بمصير البلد وأمنه واستقراره فإنه يتعين التعامل معه بقدر أكثر من الشفافية إلى جانب الحذر والمسئولية، ليس فقط بالنظر لما يقتضيه العدل والانصاف والسلم الأهلى، ولكن أيضا لأن اللعب بالإرهاب يشوه صورة وسمعة البلد. كما انه يمثل عنصرا طاردا للسياح والمستثمرين، ومن ثم يؤثر على مسار التنمية فى مصر.
لقد أصبح الإرهاب أحد أبرز العناوين التى جرى إشهارها فى الفضاء المصرى، ولم يعد سرا انه كان الباب الذى من خلاله حسمت أبرز جولات الصراع السياسى. صحيح أن مصر عرفت عمليات إرهابية. كان مصدرها المنظمات التى تشكلت فى سيناء فى ظروف يطول شرحها انتهت بتعدد حالات الاعتداء على رجال القوات المسلحة والشرطة. لكن وقوع عمليات من ذلك القبيل شىء. واعتبار الإرهاب عنوانا لمصر وخطرا يحتل صدارة التحديات التى تهدد الأمة شىء آخر. يؤيد ذلك ان حوادث العنف التى يمارسها بعض الأفراد فى أنحاء مصر تتسم بالسذاجة والعبط وأغلب المتفجرات التى تستخدم يصفها الخبراء بأنها «بدائية»، الأمر الذى يستدعى اطلاق وصف آخر عليها، فضلا عن ضرورة تحرى دوافعها الحقيقية وخلفياتها، إلى جانب محاسبة المسئولين عنها بطبيعة الحال.
لست أدعو إلى إنكار وجود الإرهاب، لكننى فقط أرجو أن يعطى حجمه الحقيقى وألا يوظف فى الشيطنة وتحقيق المآرب أو تصفية الحسابات السياسية. لكن يبدو أن البعض يفضلون استمرار التلويح بشبح الإرهاب لكى يظل الأمن ممسكا بدفة السفينة مستبعدا أى دور للسياسة.