توقيت القاهرة المحلي 04:24:38 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الإعلام ظالم ومظلوم

  مصر اليوم -

الإعلام ظالم ومظلوم

فهمي هويدي

أستغرب كثيرا الهجوم المكثف على الإعلام المصرى فى الآونة الأخيرة. ووجه الاستغراب لا يتمثل فى مبدأ انتقاده وتجريح أدائه، لأننى اتفق كثيرا مع ما قيل بحقه، ولكنه ينصب على تشخيص مشكلته وأزمته، الذى أزعم أنه جاء منقوصا ومبتسرا. ولأن التشخيص كان خطأ فلم يكن مستغربا ان يقع الخطأ فى العلاج، لذلك أثار دهشتى أن بعض الناقدين اعتبروا أن حل المشكلة يكمن فى إصدار ميثاق شرف إعلامى، أو انجاز القوانين المنظمة للمهنة أو إحداث آلية لمحاسبة الإعلاميين أو أية إجراءات أخرى لضبط الأداء الإعلامى.

لا أختلف مع من يقول بأن لدينا مشكلة فى الإعلام. وليس لدى أى اعتراض على المقترحات التنظيمية التى يراد بها الحفاظ على المهنة وحماية العاملين بها، لكن خلافى الوحيد يكمن فى اعتبار الإعلام هو المسئول الأول عن المشكلة أو أنه مصدرها الحقيقى. ذلك أننى أزعم أن مشكلتنا هى فى السياسة وليس فى الإعلام. الذى هو فى حقيقته صدى للسياسة وليس مستقلا عنها. ذلك ان الإعلام إما أن يكون مرآة للمجتمع أو يصبح مرآة للسلطة والسياسة. أعنى أن دوره يختلف باختلاف الحالة الديمقراطية فى كل بلد، فإذا كان مجتمع المواطنين هو الذى ينتخب السلطة ويراقبها فالإعلام حينئذ سيكون مرآة له باعتباره الطرف الأقوى فى المعادلة. أما إذا كانت السلطة هى الطرف الأقوى الذى يشكل المجتمع ويمارس وصايته عليه من خلال أجهزتها ومؤسساتها التقليدية فالإعلام سيعبر عن تلك الحقيقة تلقائيا.

بكلام آخر، فإننا لا نستطيع أن نعزل الإعلام عن البيئة الاجتماعية والسياسية التى يتحرك فيها. فهو لا ينطلق فى فراغ ولا يخاطب المطلق. لذلك فقبل أى حديث عن الإعلام فى المجتمعات التى لم تتمكن فيها الديمقراطية ــ ونحن منها ــ لابد أن نبدأ بالسؤال عن السياسة.

إن كل المهتمين بالإعلام والعاملين فى ميادينه المختلفة لا يختلفون على انه ينتعش ويرتقى فى أجواء الحرية والديمقراطية، التى تتفتح فيها آفاق التعبير وتعلو سقوفه. وتحترم فيها كرامة الإنسان وحقوقه. وكل انتقاص من تلك القيم والعناوين ينعكس بالسلب بصورة مباشرة على أداء الإعلام مهنيا وأخلاقيا. لذلك فإن تدهور مستوى الإعلام الذى يشكو منه الجميع إذا أردنا أن نعالجه بشجاعة ونجاعة، فإن السؤال الأول الذى ينبغى أن يدور حوله البحث يجب أن ينصب على حدود الحرية التى يتمتع بها المجتمع الذى يحيط به ويخاطب ناسه.

إذا حاولنا تنزيل هذه الخلفية على الواقع فى مصر، فسنجد أن وضعا سياسيا جديدا نشأ فى البلد فى الثالث من يوليو عام ٢٠١٣. ولحسم الصراع السياسى وطى صفحة النظام السابق، فإن الإرهاب صار عنوانا لتلك المواجهة التى وصفت بأنها حرب لا هوادة فيها، أججتها وساعدت على استمرارها التظاهرات التى خرجت فى أعقاب التغيير الذى تم. ولانها «حرب» فإن المواجهة تمت على صعيدين، فى الشوارع والجامعات وغيرها وهذه مواجهة تكفلت بها أجهزة الشرطة والقوات المسلحة، كما للإعلام نصيبه فى تلك المواجهة، باعتباره الأكثر انتشارا والأقوى تأثيرا، ثم رسالته تصل إلى الكافة بمختلف أطيافهم. وفى غيبة منابر أو مؤسسات تعبر عن المجتمع. فإن الإعلام ظل المنبر الوحيد الذى يخاطب الرأى العام ليل نهار. ولأنه كذلك فقد أريد له أن يظل تعبويا طول الوقت. يستوى فى ذلك الإعلام الحكومى أو التابع للقطاع الخاص. ولإنجاز مهمته تلك فإن الإعلام انحاز إلى الرأى الواحد. وأصبح ضائق الصدر بالرأى الآخر، فى الوقت ذاته فإنه أصبح فى خطابه الأساسى معبرا عن إدارات التوجيه المعنوى الناطقة باسم مؤسسات السلطة بأكثر من تعبيره عن ضمير المجتمع وأشواقه.

هذا المسار رتب ثلاث نتائج لها أهميتها البالغة. الأولى ان الرأى الآخر صار منبوذا سياسيا ومقصيا إعلاميا كحد أدنى ومتهما ومطعونا فى ولائه ووطنيته كحد أقصى. الثانية ان المهمة التى ألقيت على كاهل الإعلام أفرزت شريحة معينة من الإعلاميين كما استبعدت شريحة أخرى. والأولون الذين تقدموا الصفوف وأصبحوا من أصحاب الحظوة كانوا الأقدر على الانصياع والقيام بدور «البوق» والأكثر جرأة على التشهير بالمخالفين والنيل من كراماتهم. النتيجة الثالثة التى لا تقل خطورة وهى أن الخطاب التعبوى أحدث تشوهات فى المجتمع أدت إلى انقسامه وأشاعت فى شرائحه المختلفة مشاعر الكراهية والانتقام التى وصلت إلى حد التكفير السياسى لكل صاحب رأى مغاير. وهو ما لم ينج منه الوطنيون المستقلون الذين سعوا إلى رأب التصدعات وتحقيق المصالحة الوطنية. كما لم ينج منه الحقوقيون الذين كرسوا أنفسهم للدفاع عن كرامات المظلومين وإنسانيتهم.

الرسالة التعبوية التى أريد للإعلام أن ينهض بها لحسم الصراع السياسى وشيطنة الآخر تحولت إلى عامل طارد لنماذج من الإعلاميين المستقلين الغيورين على بلدهم ومهنتهم. فخرج حمدى قنديل من الحلبة مبكرا، وخرج باسم يوسف ويسرى فودة وحافظ الميرازى، وريم ماجد التى منع برنامجها أخيرا وثار لغط حول التى قررت ذلك، ثم سكت اللغط وقيد المنع ضد مجهول! ومع اختفاء هؤلاء الإعلاميين المحترمين اختفى معهم تلقائيا صنف من الضيوف المحترمين أيضا. وحين حدث ذلك تقدمت الصفوف شريحة أخرى من الإعلاميين والضيوف أصبحت شهادة دامغة على تدهور الإعلام وانحطاط مستواه وسببا وجيها لطرد المشاهدين وليس جذبهم.

للقضية جوانب أخرى لا ريب، يتصل بعضها بالدور الذى قام به القطاع الخاص فى إحداث التدهور. ويتصل البعض الآخر بالحاصل فى الإعلام المقروء، وهو ما أرجو أن أناقشه فى مرة لاحقة، لكن أكثر ما همَّنى فى الوقت الراهن ان أدلل على أن الإعلام إذا كان ظالما فهو مظلوم أيضا، وإذا كان قد افترى فهو ضحية ومفترى عليه أيضا.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الإعلام ظالم ومظلوم الإعلام ظالم ومظلوم



GMT 08:48 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

بيت من زجاج

GMT 08:46 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

إدارة ترامب والبعد الصيني – الإيراني لحرب أوكرانيا...

GMT 08:45 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ترمب ومشروع تغيير المنطقة

GMT 08:44 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ماذا جرى في «المدينة على الجبل»؟

GMT 08:34 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

طبيبة في عيادة «الترند»!

GMT 08:33 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

الشعوذة الصحافية

GMT 08:32 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ولاية ترمب الثانية: التحديات القادمة

GMT 08:31 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

من الرياض... التزامات السلام المشروط

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 22:43 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته
  مصر اليوم - عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته

GMT 09:44 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

جورج وأمل كلوني يحتفلان بذكرى زواجهما في أجواء رومانسية

GMT 12:02 2024 السبت ,07 أيلول / سبتمبر

نصائح وأفكار لإطلالات أنيقة ومتناسقة

GMT 20:58 2016 الجمعة ,28 تشرين الأول / أكتوبر

لجان البرلمان المصري تستعد لمناقشة أزمة سورية

GMT 23:21 2018 الأربعاء ,21 آذار/ مارس

تعرفي على خطوات للحفاظ على "لون الصبغة"

GMT 23:40 2018 الأحد ,04 آذار/ مارس

تعرف على سعر ومواصفات سكودا كودياك 2018

GMT 19:31 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الشرطة تكشف تفاصيل تجريد أستاذ جامعي من ملابسه

GMT 18:47 2018 الثلاثاء ,30 كانون الثاني / يناير

شركة فيات كرايسلر تكشف عن تراجع ديونها بمقدار النصف
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon