توقيت القاهرة المحلي 21:23:22 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الحذاء الفصيح

  مصر اليوم -

الحذاء الفصيح

فهمي هويدي

أبصم بأصابعى العشرة على استهجان وازدراء كل من يمارس التطبيع مع الإسرائيليين. ولا أنسى أننى رفضت طوال سنوات ان أصافح زميلا فى «الأهرام» لأننى علمت أنه واحد من هؤلاء. معتبرا أنه بما فعله تورط فى نوع من «النجاسة» السياسية التى يصعب عليه أن يتطهر منها وستظل بمثابة وصمة عار تلاحقه إلى يوم الدين. مع ذلك استغربت رشق النائب توفيق عكاشة بالحذاء تحت قبة مجلس النواب لأنه استضاف السفير الإسرائيلى فى بيته. رغم أننى أقدر النائب كمال أحمد الذى فعلها وأتفهم أسباب غضبه، مع ذلك فلم أفهم لماذا خص زميله دون غيره بذلك التصرف. فى الوقت ذاته فإننى لا أتفق مع الذين تركوا الموضوع الأساسى وراحوا يتكلمون عن اللياقة والملاءمة وموقف اللوائح من استخدام فردة حذاء فى التعبير تحت قبة البرلمان عن موقف كان الرشق بالحذاء هو الوسيلة المناسبة، حيث لا نعرف فى الثقافة العربية سلاحا أدنى مرتبة منه. فضلا عن أن لنا خبرة سابقة فى استخدامه للإعراب عن النفور والازدراء، وأزعم فى هذا الصدد أن فى الموضوع قضية أكبر يتعين أن نواجهها بصراحة وشجاعة، وقد كسر تصرف النائب الذى فجر القضة الصمت المفروض عليها، الأمر الذى يرشحه لدخول التاريخ بحذائه الذى أفصح عن غيرته وانفعاله.

ما حيرنى فى الموضوع أن السيد عكاشة ليس أول المطبعين مع الإسرائيليين ولن يكون آخرهم. ولكنه يقف فى آخر طابور طويل لأفراد تشوهت مداركهم وخذلتنا ضمائرهم ولوثوا أيديهم بمصافحة الإسرائيليين. إذ سبقه فى الطابور آخرون من المسئولين وغير المسئولين، فضلا عن بعض المثقفين الذين تورطوا فى التطبيع ومارسوه بجرأة فاضحة. وكان الكاتب المسرحى الراحل واحدا من أشهرهم، حتى أنه حين توفاه الله قبل عدة أشهر تسابق كثيرون على رثائه وامتداحه كواحد من رسل السلام ودعاته. وكان وزير الثقافة أحدهم. ولم يشر أحد من قريب أو بعيد إلى عاره الذى ذهب به، وكأن التطبيع صار فضيلة وما عاد جريمة أو أنه صار جريمة تسقط بالتقادم.

السؤال الذى شغلنى هو لماذا تم رشق السيد عكاشة دون غيره من الواقفين فى طابور التطبيع والمروجين له؟ يكتسب السؤال أهمية أكبر إذا أدركنا أن بعض الدوائر الرسمية المصرية انخرطت فى التطبيع. ومنها من تجاوز حدوده بمراحل، ودخل فى مجالات أبعد تشير إليها التسريبات والتصريحات الإسرائيلية بين الحين والاخر. وكلها تتحدث عن تعاون وتنسيق بين القاهرة وتل أبيب يدعون أنه يتم فى محاربة الإرهاب. وهو ما أصبح غطاء للإرهاب الإسرائيلى الذى تمارسه فى الأرض المحتلة ومسوغا لزعم إسرائيل أنها أصبحت طرفا فى معسكر الاعتدال السنى الذى يسعى للقضاء على الإرهاب.

إزاء هذا الموقف الملتبس خطر لى أن يكون رشق السيد عكاشة بالحذاء قد تم لأسباب لا علاقة لها بالتطبيع أو زيارة السفير الإسرائيلى. حجتى فى ذلك أن زميله النائب الذى تقدر غيرته إذا كان قد أغضبته زيارة السفير فربما توقعنا منه أن يظل طول الوقت مستحضرا خزانة أحذيته ومستهدفا أمثاله بالرشق أينما ذهب، ولأن ذلك أمر مستبعد يفوق طاقته وقد يعرضه لما لا يحب، فإن احتمال وجود أسباب أخرى لتخصيص السيد عكاشة بالرشق يصبح قائما. يعزز ذلك الاحتمال ويقويه أن الرجل مستحق للرشق لأسباب أخرى عديدة تخللت مسيرته الإعلامية والسياسية. وهى حافلة بالمواقف التى لا سبيل لاستهجانها إلا بمثل ذلك الأسلوب الجدير به.

أيا كان الأمر فواقعة رشق الرجل بالحذاء التى احتلت عناوين الصفحات الأولى لأغلب الصحف الصادرة يوم الاثنين الماضى ٢٩/٢ تثير مسألتين مسكوتا عليهما على جانب كبير من الأهمية. الأولى تتعلق بمصير مقاطعة إسرائيل التى أصبحت عنوانا فارغ المضمون ينتسب إلى الماضى ويجرى العبث به فى الحاضر، من جانب قطاعات لا يستهان بها من المسئولين ورجال الأعمال والمثقفين. الأمر الثانى الأهم هو تحرير العلاقة بين مصر وإسرائيل فى الوقت الحاضر. وهو الملف الذى تثير حوله تصريحات المسئولين الإسرائيليين التى أشرت إليها لغطا كثيرا، وبعضه يسىء إلى الموقف المصرى ويشكك فيه. وأحسب أن حادثة الحذاء إذا أردنا أن نأخذها على محمل الجد تشكل مناسبة لكسر جدار الصمت الذى يحيط بالمسألتين، ومن ثم فتح الباب لمناقشتهما إما فى إحدى الجلسات العامة. أو فى داخل لجنة الشئون العربية أو الأمن القومى. وإذا ما حدث ذلك فسيكون الفضل فيه للحذاء وصاحبه. أما إذا انتهى الأمر بإجراء تحقيق داخلى حول مدى التزام العضو كمال أحمد بضوابط السلوك المقررة فى لائحة المجلس، فإن جدار الصمت سيظل قائما، وستتولى البيروقراطية دفن الموضوع بحيث لا يبقى أمام الغيورين من أمثال كمال أحمد أن يرفعوا شعار «الحذاء هو الحل»!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الحذاء الفصيح الحذاء الفصيح



GMT 08:48 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

بيت من زجاج

GMT 08:46 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

إدارة ترامب والبعد الصيني – الإيراني لحرب أوكرانيا...

GMT 08:45 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ترمب ومشروع تغيير المنطقة

GMT 08:44 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ماذا جرى في «المدينة على الجبل»؟

GMT 08:34 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

طبيبة في عيادة «الترند»!

GMT 08:33 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

الشعوذة الصحافية

GMT 08:32 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ولاية ترمب الثانية: التحديات القادمة

GMT 08:31 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

من الرياض... التزامات السلام المشروط

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 00:04 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يعرب عن دعمه للأفلام الفلسطينية واللبنانية
  مصر اليوم - حسين فهمي يعرب عن دعمه للأفلام الفلسطينية واللبنانية

GMT 11:43 2024 السبت ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

تامر حسني يدعو لتبني طفل عبقري

GMT 14:33 2024 السبت ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

الملكة رانيا العبدالله تستمتع بوقتها مع حفيدتها

GMT 07:55 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتقاضى 634 ألف دولار يومياً مع النصر السعودي

GMT 09:37 2024 الخميس ,10 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار السيارات الكهربائية في طريقها لتراجع كبير

GMT 01:56 2018 الأحد ,07 تشرين الأول / أكتوبر

التعليم.. والسيارة ربع النقل!

GMT 05:08 2024 الأربعاء ,21 آب / أغسطس

مرشح رئاسي معتدل ينتقد سياسة الحجاب في إيران

GMT 05:33 2021 الأحد ,26 كانون الأول / ديسمبر

جالطة سراي يخطر الزمالك بتفعيل بند شراء مصطفى محمد

GMT 03:52 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تدريس الرياضيات يحسّن من مستوى الطلبة؟
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon