توقيت القاهرة المحلي 00:13:41 آخر تحديث
  مصر اليوم -

السيناريو الكابوس

  مصر اليوم -

السيناريو الكابوس

فهمي هويدي

عقد رؤساء تحرير الصحف المصرية القومية والخاصة والحزبية اجتماعا استمر ساعتين فى الأسبوع الماضى. وفى أعقابه أصدروا بيانا أعلن ما يلى: التوحد خلف ثوابت الدولة الوطنية ــ التأييد الكامل لإعادة بناء الدولة الحديثة بقيادة السيسى ــ الاصطفاف حول المشروع الوطنى المصرى ــ دعم الدولة ضد الإرهاب ومنع تسلل داعمى الإرهاب إلى الإعلام ــ دعم جميع الإجراءات التى اتخذتها الدولة فى مواجهة العناصر الإرهابية ولحماية الأمن القومى للبلاد ــ رفض جميع محاولات التشكيك فى مؤسسات الدولة وفى خياراتها الأساسية أو التطاول على الجيش والشرطة والقضاء.

ما سبق كان من نماذج العناوين التى نشرتها الصحف التى عرضت البيان خلال اليومين التاليين للاجتماع المذكور (فى 27 و28/10). وفهمنا من الكلام المنشور أن الاجتماع عقد بمقر جريدة الوفد، وأنه تعرض لمناقشة أوضاع الصحافة المصرية ودورها فى مواجهة الإرهاب. وطبقا لما ذكرته جريدة الأهرام فى 27/10 فإن المجتمعين قرروا وضع آلية للتنسيق المشترك بين جميع الصحف لتنفيذ النقاط التى تم الاتفاق عليها، كما قرروا عقد اجتماع مشترك «عاجل» فى أقرب وقت مع رؤساء القنوات الفضائية لتوسيع دائرة التنسيق المفترض. كذلك قرروا الالتزام بدورية الاجتماعات بين رؤساء التحرير مرة كل أسبوع على الأقل لمتابعة التطورات ودفع التنسيق المشترك.

البيان يبدو معتدلا ومحتشما إذا قورن بحملة الترهيب والتنديد التى انطلقت فى بعض المنابر الإعلامية، ونادى بعضها بالكف عن الحديث عن الديمقراطية والحريات العامة وحقوق الإنسان، كما لم يتوقفوا عن الغمز والتنديد وتوجيه أصابع الاتهام إلى المنظمات الحقوقية ودعاة المجتمع المدنى. وهو ما استسلم له بعض عناصر النخبة حتى نقل عن عميد حقوق القاهرة السابق وأستاذ القانون الحالى قوله إن حرية الرأى والتعبير يجب أن تتنحى جانبا لحين وقوف الدولة على قدمين ثابتتين. أما البعض الآخر فذهب إلى أبعد بكثير. فمنهم من نادى باستخدام البطش والعنف بحق المخالفين. ومنهم من وجه خطابه إلى الرئيس السيسى قائلا: أعلن مصر (كلها) ثكنة عسكرية إذا لزم الأمر. وتقطع اليد التى تكتب حرفا ضدك.. ويقطع اللسان الذى يسألك ماذا تفعل؟.. ضع الأخلاق جانبا وكن فاشيا يا سيادة الرئيس. أقتل كل أعداء دولتك التى تحكم بها.. إنهم كفار.. إنهم صهاينة، بل أشد خطرا وحقارة. ولا تنسى أن تعيد «كلاب الداخل» إلى مواسير الصرف التى خرجوا منها. (للعلم: الجزء الأخير من الفقرة السابقة نشرته جريدة «الوطن» فى مقالة لأحد مدراء التحرير يوم 26/10).

صحيح أنه لا توجد علاقة مباشرة بين بيان رؤساء التحرير وبين الأصوات التى أشرت إلى بعضها توا، لكننى أزعم أن ما يجمع بين الخطابين هو أجواء التعبئة والاستنفار الراهنة، التى هى من أصداء الجريمة البشعة التى وقعت فى سيناء وأدت إلى قتل وإصابة 60 من رجال القوات المسلحة المصرية. وهى الجريمة التى فرضت على الفضاء المصرى نوعا من «الطوارئ السياسية» تجلت فى مجالات عدة، كان الإعلام من بينها إذا لم يكن فى مقدمتها.

حين نظرت إلى بيان رؤساء التحرير من هذه الناحية وجدت أن زملاءنا هؤلاء تصرفوا وكأن على رءوسهم «بطحة»، كما يقول المثل العامى. ذلك أن الغريب حين يطّلع على نص البيان فإنه سيظن أن الصحف المذكورة ناصبت السلطة العداء. فلم تقف إلى جانب الرئيس السيسى فى فكرة بناء الدولة الحديثة أو المشروع الوطنى، ولم تدعمه فى مواجهة الإرهاب، كما أنها عمدت إلى التشكيك فى مؤسسات الدولة وفى المقدمة منها الجيش والشرطة والقضاء.. إلخ.. ولأن ذلك انطباع مغلوط تماما وغير صحيح، لأن الصحف فى كل ذلك لم تقصر فى المساندة والدعم، بل إنها قامت بما هو أكثر من ذلك، حين ساندت كل الإجراءات السياسية وذهبت فى المساندة إلى تحمل مسئولية الأخبار المغلوطة التى جرى تسريبها منسوبة إلى مصادر غامضة، لتحقيق أهداف سياسية مؤقتة.

هذه الخلفية تسوغ لى أن أقول بأن ظاهر البيان يتحدث عن دور تقوم به وسائل الإعلام فعلا، التى قامت بالواجب المطلوب منها حتى فى عهد الدكتور محمد مرسى. ذلك أنها هى التى لعبت الدور الأكبر فى تعبئة الرأى العام للتغيير الذى حدث فى 30 يونيو. وهو ما يعنى أنه لم يكن هناك مبرر لعقد الاجتماع وإصدار البيان والحديث عن عقد اجتماعات دورية منتظمة تذكرنا بأنشطة التنظيم الطليعى فى مصر الستينيات. وهناك احتمال آخر هو أن يكون المستهدف شيئا آخر غير المعلن عنه، انطلاقا من فكرة أن الشيطان كثيرا ما يكمن فى التفاصيل. وهو ما يدعونى إلى التساؤل عما إذا كان المقصود هو تكميم الأفواه والتضييق من هامش حرية الرأى المتواضع المتاح فى بعض وليس كل وسائل الإعلام. وفى هذه الحالة فإن الهدف غير المعلن يتفق مع ما دعت إليه الأصوات النشاز التى أشرت إلى بعضها توا. فضلا عن أننى لا أستبعد أن يكون ذلك رأى بعض أجنحة السلطة التى تنسب إلى من يسمون بـ«الصقور» الذين يطلقون نداءات الحرب ويلحون على خطورة الظروف الاستثنائية التى تمر بها مصر. وهؤلاء لا يملون من تخويفنا من سيناريو سقوط الدولة، لإقناع الرأى العام فى نهاية المطاف ليس فقط بأنه لا بديل عن إعلان الطوارئ وإنما أيضا بأن مصلحة الأمن القومى تقتضى تأجيل الانتخابات البرلمانية مع توسيع سلطات رئيس الجمهورية لصد الخطر ومنع السقوط. أرجو أن يكون ذلك السيناريو الكابوسى مجرد سوء ظن تكذبه الأيام المقبلة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

السيناريو الكابوس السيناريو الكابوس



GMT 20:18 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

مع ابن بجاد حول الفلسفة والحضارة

GMT 00:00 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

هل نحتاج حزبا جديدا؟

GMT 09:08 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

7 فرق و11 لاعبًا نجوم البريمييرليج!

GMT 08:51 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

بشار في دور إسكوبار

GMT 08:49 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

دمامة الشقيقة

GMT 08:48 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

سوريا الجديدة والمؤشرات المتضاربة

GMT 08:47 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

هجمات رأس السنة الإرهابية... ما الرسالة؟

GMT 08:46 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

الشرق الأوسط الجديد: الفيل في الغرفة

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:13 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

زيلينسكي يتهم الغرب باستخدام الأوكرانيين كعمالة رخيصة
  مصر اليوم - زيلينسكي يتهم الغرب باستخدام الأوكرانيين كعمالة رخيصة

GMT 00:02 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

محمد رمضان يعلن مفاجأة لجمهوره في 2025
  مصر اليوم - محمد رمضان يعلن مفاجأة لجمهوره في 2025

GMT 00:01 2019 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

سمية الألفي تكشف السبب من وراء بكاء فاروق الفيشاوي قبل وفاته

GMT 10:56 2019 الأحد ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

مسلسلات إذاعية تبثها "صوت العرب" فى نوفمبر تعرف عليها

GMT 23:21 2024 السبت ,14 أيلول / سبتمبر

أهم النصائح للعناية بالشعر في المناطق الحارة

GMT 08:55 2020 الثلاثاء ,07 إبريل / نيسان

حارس ريال مدريد السابق يعلن شفاءه من فيروس كورونا
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon