توقيت القاهرة المحلي 20:55:35 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الفتنة التى أوقظت

  مصر اليوم -

الفتنة التى أوقظت

فهمي هويدي

لم آخذ على محمل الجد مسألة الجيش الإسلامى الذى أعلن عنه لمواجهة الإرهاب، لكن ما أزعجنى فيه هو اعتباره جيشا لأهل السنة يحتشد لمواجهة إيران الشيعية وامتداداتها فى المنطقة العربية. ذلك أن خبراتنا فى العمل المشترك على الصعيدين العربى والإسلامى توفر رصيدا يطمئننا إلى حد كبيرا. إذ صرنا بصدد عنوان له رنينه، يقيم فى فضاء المنطقة كيانا جديدا ينضم إلى سجل مؤسساتنا العديدة التى نقرأ عنها فى الصحف فى حين لا نرى لها أثرا على أرض الواقع.

بعدما أعلنت الرياض عن تشكيل الجيش الجديد (مساء الاثنين ١٤/١٢) استقبلت القاهرة فى اليوم التالى الأمير محمد بن سلمان ولى ولى العهد ووزير الدفاع السعودى. وتزامن ذلك مع زيارة أخرى قام بها للعاصمة المصرية السيد أحمد الجروان رئيس البرلمان العربى. وشاءت المقادير أن يكون اجتماع الاثنين رمزا للفكرة التى أدعيها. ذلك أن البرلمان العربى يعد تجسيدا لأحد العناوين الكبيرة التى لا وجود لها إلا فى وسائل الإعلام. وهو نموذج لقائمة الهياكل الأخرى التى يحفل بها الفضاء العربى والتى تؤكد أن العمل العربى المشترك هو ظاهرة لغوية ليس أكثر، من الجامعة العربية إلى مجلس الوحدة الاقتصادية ومعاهدة الدفاع العربى المشترك والقوة العربية وصولا إلى القمة العربية... الخ. استثنى من ذلك مجلس وزراء الداخلية العربى الذى يظل فاعلا على أرض الواقع لأسباب مفهومة وثيقة الصلة بالأنظمة العربية ولا علاقة لها بالشعوب العربية. خارج هذه الدائرة فما يمكن أن يكون نشاطا عربيا مشتركا لا يكاد يتجاوز مسابقات كرة القدم ومهرجانات السينما ومسابقات البرنامج التليفزيونى «محبوب العرب».

لقد سمعنا عن عمل مشترك شارك فيه العرب لتحرير الكويت من الغزو العراقى فى عام ١٩٩٠، وحققت المهمة هدفها لسبب رئيسى هو أن التحالف كان بقيادة الولايات المتحدة. أما احتلال إسرائيل للأراضى العربية فقد استمر لأنه ترك للأنظمة العربية. رغم ما يمثله الاحتلال من تهديد لأرضها ووجودها، ورغم أن ثمة معاهدة الدفاع العربى المشترك موقعة منذ عام ١٩٥٠.

هذه الخلفية تسوغ لنا أن نقول إن الجيش أو التحالف الجديد لن يكون استثناء. وإنما سيصبح إضافة إلى معجم الظاهرة اللغوية. أعنى أنه سيظل عنوانا يحدث رنينه المفترض فى وسائل الإعلام، فى حين تنفذ بعض الدول فى ظله سياساتها تبعا لما تفرضه حساباتها ومصالحها.

لاحظ أنه بعد إعلان انضمام مصر إلى التحالف الجديد الذى أعلنت عنه الرياض، وأثناء زيارة الأمير محمد بن سلمان للقاهرة فى اليوم التالى التى تضمنت اجتماعا تنسيقيا بين البلدين أعلن أن ثمة تفاوضا حول وديعة سعودية جديدة لمصر.

إذا صح أن تلك حدود فكرة الجيش الإسلامى المشترك، إلا أن الفكرة المؤرقة فيه أنه قدم بحسبانه تحالفا لأهل السنة، الأمر الذى ينقل الصراع السياسى الذى أنهك المنطقة ومزقها، إلى مستوى الصراع المذهبى الذى يوقظ الفتنة النائمة، ويفتح الأبواب واسعة لإشعال حريق لا يعلم مداه إلا الله. وهو ما يعيد إلى الأذهان مرارات ومآسى الصراع بين الصفويين والعثمانيين الذى استمر خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر. ومن المفارقات أنه بدأ صراعا سياسيا حول النفوذ. إذ تفجر بسبب توسع الدولة الصفوية وتمددها حتى احتلت بغداد وشملت بلاد فارس وأذربيجان، وامتدت من الخليج العربى إلى بحر قزوين ومن منابع الفرات إلى ما وراء نهر جيحون، ووصلت إلى أراضى الدولة العثمانية فى الأناضول. أقول رغم أنه بدا صراعا بين قوتين عظميين، إلا أنه تحول إلى قتال بين الصفويين الشيعة وبين العثمانيين الذين رفعوا لواء أهل السنة. ولم يقدر لذلك الصراع الدموى الذى بدأ فى عام ١٥٠١ واستنزف طاقات البلدين إلا بعد هزيمة الصفويين وتوقيع معاهدة «قصر شيرين» فى عام ١٦٣٩.

أدرى أن شرارات الصراع أطلت من جديد بعد الثورة الإسلامية فى إيران عام ١٩٧٩. إلا أنها ظلت فى إطار تجاذبات المتطرفين على الجانبين السنى والشيعى. وهو ما تغير بصورة نسبية خلال السنوات الأخيرة. ذلك أن أطرافا فى طهران بدأت الحديث عن «نفوذ» لإيران فى أربع دول عربية (العراق وسوريا ولبنان واليمن)، كما ورد على لسان الدكتور على ولايتى مستشار المرشد ووزير الخارجية الأسبق. وزادت الطين بلة ممارسات الحكومات العراقية التى اضطهدت أهل السنة وأهدرت حقوقهم. إضافة إلى انحياز طهران إلى جانب نظام الأسد المنسوب إلى العلويين ضد الشعب السورى. وكان ذلك له صداه فى بعض العواصم العربية التى أبدت مخاوفها من إحياء فكرة «الهلال الشيعى». إلى غير ذلك من الأجواء التى استثمرتها أطراف فى الولايات المتحدة فدعت إلى ضرورة احتشاد السنة ضد الشيعة، لمواجهة إرهاب جماعة داعش المحسوبة على أهل السنة، رغم أنها خرجت من عباءة الاستبداد البعثى وليس الفضاء السنى.

لقد وقع الجميع فى المحظور، إلا أننا لا نستطيع أن نعفى الطموحات والسياسات الإيرانية من المسئولية عن إيقاظ الفتنة وتدهور الوضع ووصوله إلى المنعطف الذى صرنا بصدده الآن ـ يا خفى الألطاف نجنا مما نخاف.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الفتنة التى أوقظت الفتنة التى أوقظت



GMT 15:22 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

الفشل الأكبر هو الاستبداد

GMT 15:21 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

حافظ وليس بشار

GMT 15:17 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

سلامة وسوريا... ليت قومي يعلمون

GMT 15:06 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

التسويف المبغوض... والفعل الطيِّب

GMT 15:05 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

نُسخة مَزيدة ومُنَقّحة في دمشق

GMT 15:03 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

الشهية الكولونيالية

GMT 15:01 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

البحث عن الهوية!

GMT 13:05 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

عودة ديليسبس!

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 04:08 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

أوستن يبحث مع نظيره الإسرائيلي الأحداث في سوريا

GMT 10:04 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

بلينكن يطالب بتأمين أي مخزونات للأسلحة الكيميائية في سوريا

GMT 05:32 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

العملة المشفرة بتكوين تسجل مئة ألف دولار للمرة الأولى

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 20:31 2018 الأحد ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

التعادل السلبى يحسم مباراة تشيلسي وايفرتون

GMT 04:44 2018 الأربعاء ,19 أيلول / سبتمبر

رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان يصل إلى السعودية

GMT 11:41 2018 الثلاثاء ,17 تموز / يوليو

شيرين رضا تكشف سعادتها بنجاح "لدينا أقوال أخرى"

GMT 09:36 2018 الأحد ,01 تموز / يوليو

دراسة تنفي وجود "مهبل طبيعي" لدى النساء
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon