فهمي هويدي
فى سياق حملة تشجيع الناس على التصويت فى الانتخابات قيل لنا إن النائب المحترم يصنعه الناخب المحترم. وقرأت أن حملة شعبية تشكلت فى محافظة الدقهلية رفعت ذلك الشعار، وأن مجموعات من الشباب نظموا زيارات ولقاءات فى مدن وقرى المحافظة هدفها توعية الجماهير بأهمية المشاركة وخصائص النائب المحترم الذى ينبغى أن يصوِّتوا له. المعلومة وردت فى مقالة كان الشعار عنوانا لها نشرتها جريدة «الأهرام» فى ١٧/١٠ الحالى، أشاد فيها كاتبها الأستاذ عبدالغفار شكر المناضل اليسارى المعروف بالتجربة وحبذها وتمنى تعميمها. وقال فى هذا الصدد إن أخطر ما يهدد البلد أن يقف شبابه موقف المتفرج أمام ما يجرى، احتجاجا على التطورات السلبية التى انحرفت بثورة ٢٥ يناير.
وجدت الدعوة مهمة، لكننى اعتبرتها مبتسرة وناقصة، حتى كدت أقول إنها حق يكاد يصرف الانتباه عن الباطل الذى يتخلل العملية، ولأنها صادرة من مناضل محترم مثل الأستاذ عبدالغفار شكر فقد استغربت ابتساره للفكرة، حتى خطر لى أنه كتب المقالة بصفته نائبا لرئيس المجلس القومى لحقوق الإنسان المعَين من الحكومة وليس بوصفه المناضل المخضرم الذى يرأس حزب التحالف الشعبى الاشتراكى. لذلك وجدت أن المقولة بحاجة إلى مراجعة وتصويب.
فى هذا الصدد أزعم بأن الادعاء بأن النائب المحترم يصنعه الناخب المحترم يعد تبسيطا شديدا ومخلا للمسألة. يتجاهل البيئة السياسية والمناخ المحترم الذى يعد توافره شرطا لكى يفرز الاثنين. فالناخب لكى يكون محترما حقا فلابد أن يكون أولا مواطنا محترما والنائب المحترم لا يولد كذلك، لكنه يتشكل من خلال الممارسة التى تصقل شخصيته وتسلحه بالشجاعة والخبرة. والاثنان بحاجة إلى مناخ مناسب تتوافر فيه الحرية وتصان فيه كرامة الإنسان ويحترم فيه القانون، ويعترف للمجتمع فى ظله بحق المشاركة والمساءلة وتداول السلطة.
إن المواطن المحترم إذا أحسن الاختيار وصوت للمرشح الذى اقتنع بأنه محترم، فإن جهده سيذهب هباء وسيندم على ما فعله إذا ما أدرك أن صوته لا قيمة له، وأن الانتخابات تخضع للتزوير وأن النتائج معدة سلفا وجاهزة فى مكاتب الأجهزة الأمنية.
لا نريد أن نذهب بعيدا، لأن الكل يشهد بأن الشباب كانوا فى طليعة «المحترمين» الذين قادوا ثورة ٢٥ يناير، فهم الذين انتفضوا واعتصموا بالميادين بغير دعوة، فى حين أن وسائل الإعلام حرصت على تثبيطهم وإثنائهم عن عزمهم.. وكلفهم ذلك الخروج الطوعى ثمنا باهضا، أدى إلى مقتل بعضهم وإصابة آخرين بعاهات مستديمة. هؤلاء الشباب أنفسهم هم الذين أحجموا عن التصويت فى الانتخابات ولم تفلح معهم دعايات الاستنفار ولا التهديد بالغرامة. وفى تفسير ذلك لا يستطيع أحد ينكر أنهم كانوا محترمين حين تسابقوا إلى المشاركة أثناء الثورة، ثم فقدوا تلك الصفة بعد بضع سنوات قليلة لاحقة. لكن الذى تغير لم يكن الشباب ولكن البيئة السياسية التى أفقدتهم حماسهم ودفعتهم إلى العزوف عن المشاركة فى التصويت. أقصد بالبيئة السياسية الاعتقالات العشوائية التى تعرض لها بعضهم، والقمع الذى لاحقهم حين قاموا بمظاهراتهم السلمية خارج الجامعات وداخلها، والقوانين المتعسفة التى أنذرتهم بالعقاب إذا ما شاركوا فى عمليات التظاهر السلمى أو انخرطوا فى الأنشطة الرافضة للمحاكمات العسكرية أو المنظمات المعنية بحقوق الإنسان. ناهيك عما يتعرضون له فى الجامعات من وشاية ومراقبة وترويع وتهديد بالفصل أو الطرد من المدن الجامعية، إلى غير ذلك من صور القهر والتنكيل.
هؤلاء الشبان لا ينبغى أن نتوجه إليهم باللوم ولا يصح أن ندعى أنهم يقفون موقف المتفرج مما يجرى فى البلد. لكننا ينبغى أن نتفهم موقفهم قبل إدانتهم. ومن الإنصاف ان نشير بأصابع الاتهام إلى العوامل الحقيقية التى دفعتهم إلى الانسحاب والانكفاء.
لقد سكت الأستاذ عبدالغفار شكر عن دور البيئة السياسية ومسئولية الإدارة والأجهزة الأمنية عن احجام المواطنين عن التصويت وفقدانهم الحماس للمشاركة فى الانتخابات. كما فاته أن ينبه إلى ضرورة أن يكون المواطن محترما أولا قبل أن يصبح ناخبا محترما. إذ من الخطير حقا أن يقف الشباب متفرجا على ما يجرى فى البلد، لكن الأشد خطورة أن يقمع الشباب بحيث يضطر إلى الانسحاب والاكتفاء بموقف المتفرج ــ لذا لزم التنويه.