توقيت القاهرة المحلي 18:32:28 آخر تحديث
  مصر اليوم -

انشغال وليس اشتغالا

  مصر اليوم -

انشغال وليس اشتغالا

بقلم فهمي هويدي

فى حيثيات حكم فصل ٣٢ قاضيا مصريا من وظائفهم أنهم أعلنوا موقفا من الأحداث السياسية الحاصلة فى البلاد (عام ٢٠١٣)، وهو ما اعتبر «من صميم السياسة المحظور على القضاة الاشتغال بها أو الاقتراب منها أو حتى الإدلاء برأى فيها». لذلك أدانت الحيثيات هذا الموقف الذى وصفته بأنه «خروج فادح وفاضح عن نطاق العمل القضائى وشذوذ جسيم عن التقاليد القضائية الراسخة التى تلزم القاضى بحدود لا يتجاوزها». وفى تبيان تلك الحدود أوضحت الحيثيات أن القاضى «ليس شخصية عامة. ومن ثم فعليه أن يلتزم محرابه عاكفا على عمله القضائى، ينأى بنفسه عن السياسة بما لها وما عليها، ولا يجهر برأى فى الشئون العامة للبلاد، أو يشارك فى مجلس يناقشها علنا أو فى إلقاء بيان بشأنها».

الحيثيات التى دعت القاضى ليس فقط لأن ينأى بنفسه عن السياسة، وإنما حرمت عليه أن يجهر برأى فى الشئون العامة للبلاد صدرت عن المجلس الأعلى لتأديب القضاة، الذى يرأسه المستشار أحمد جمال الدين عبداللطيف رئيس محكمة النقض. وحين نشرتها بعض الصحف التى صدرت يوم الاثنين الماضى ٤/٤، فإن جريدة «الشروق» كشفت عن مفارقة محرجة. ذلك أنها نشرت على الصفحة السابعة تقريرا عن جلسة افتتاح البرنامج المصرى الأفريقى لمكافحة الإرهاب والجريمة الدولية. وفوجئنا بأن كلمة الافتتاح ألقاها المستشار أحمد جمال الدين عبداللطيف رئيس محكمة النقض رئيس مجلس تأديب القضاة. وفى كلمته شبه الإرهاب الذى تشهده مصر بالسرطان الذى انتشر ودعا إلى ضرورة التعاون لمكافحته. كما تحدث عن علاقات مصر الأفريقية وعبر عن أسفه لأن المغرب العربى لم يمثل فى اللقاء.. الخ. الشاهد ان كلمة المستشار أحمد جمال الدين نقضت ما ورد فى حيثيات حكم المجلس الأعلى لتأديب القضاة الذى يرأسه. ذلك ان الرجل تكلم فى فى الشأن العام .


ذكرت الحيثيات أيضا أن سلوك القضاة حين أعلنوا موقفا من الأحداث الجارية يعد خروجا فادحا وفاضحا عن نطاق العمل القضائى وشذوذا جسيما عن التقاليد القضائية الراسخة. وهو ما أثار انتباهى وشككنى فى معلوماتى، حيث ظننت أن شيئا تغير فى التقاليد القضائية التى أعرفها فى هذا الصدد، بعد انقطاعى عن دراسة القانون طوال نصف القرن الأخير. وحين تحريت الأمر وجدت أن الشك ليس فى محله، وان التقاليد القضائية الراسخة لا تؤيد الحجة التى أوردتها الحيثيات، إذ صحيح أن قانون السلطة القضائية حظر على القضاة الاشتغال بالسياسة كما حظر على المحاكم إبداء الآراء السياسية. إلا أن التقاليد القضائية فرقت بين الاشتغال الفعلى بالعمل السياسى كالانضمام إلى الأحزاب السياسية وبين الانشغال بها وإبداء الرأى فيها ضمن انشغال القاضى بالشأن العام. والحظر يشمل الأولى دون الثانية. ولمجلس الدولة فتوى مستقرة فى هذا الصدد أحدثت تلك التفرقة أصدرها فى بداية الخمسينيات (الفتوى رقم ٣٥١ للسنة الرابعة قضائية). وهو الرأى الذى جرى اعتماده فى المناقشات التى جرت حول تفسير المقصود بحظر الاشتغال بالسياسة. سواء تلك التى جرت فى مجلس الشيوخ المصرى أو بين فقهاء القانون المعتبرين أو فيما قررته الاتفاقات الدولية.

هذه الخلفية تسوغ لنا أن نقول بأن إبداء الرأى فى الشأن السياسى أو فى غيره من الشئون العامة للبلاد لا يشمله الحظر كما ذكرت الحيثيات. ليس فقط لأن الأصل فى الأشياء الإباحة ولكن أيضا لأن القاضى مواطن يفترض أنه يحمل بطاقة انتخابية تعطيه الحق فى أن يشارك برأيه فى الانتخابات والاستفتاءات التى هى من الشأن العام. ولأن الأمر كذلك فأخشى أن يكون فصل القضاة، وأغلبهم من دعاة استقلال القضاء وممن قاوموا وفضحوا تزوير الانتخابات، قد انبنى على تفسير خاطئ لم يفرق بين الاهتمام بالشأن الوطنى العام وبين الانخراط فى العمل الحزبى. وحين تدرك أن ذلك التأويل لحدود الحظر أدى إلى فصل نحو ٦٧ قاضيا ومستشارا، على دفعات، الأمر الذى أدى إلى التنكيل بهم سواء بحرمانهم من حقوقهم المادية أو منعهم حتى من الاشتغال بالمحاماة فضلا عن منعهم من السفر، فإن الحكم فى هذه الحالة يدعو فقط إلى تشريدهم وتجويعهم. وهذا ليس من العدل في شئ.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

انشغال وليس اشتغالا انشغال وليس اشتغالا



GMT 12:48 2016 الأحد ,11 كانون الأول / ديسمبر

بشرى للاعبين المحليين

GMT 14:24 2016 الجمعة ,09 كانون الأول / ديسمبر

هل الكتابة خدعة؟

GMT 14:23 2016 الأربعاء ,07 كانون الأول / ديسمبر

أحرجتنا ماليزيا

GMT 11:38 2016 الثلاثاء ,06 كانون الأول / ديسمبر

الإصلاح السياسى مقدم على الإصلاح الدينى

GMT 12:04 2016 الخميس ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

التغريبة الثالثة

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 00:04 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يعرب عن دعمه للأفلام الفلسطينية واللبنانية
  مصر اليوم - حسين فهمي يعرب عن دعمه للأفلام الفلسطينية واللبنانية

GMT 11:43 2024 السبت ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

تامر حسني يدعو لتبني طفل عبقري

GMT 14:33 2024 السبت ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

الملكة رانيا العبدالله تستمتع بوقتها مع حفيدتها

GMT 07:55 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتقاضى 634 ألف دولار يومياً مع النصر السعودي

GMT 09:37 2024 الخميس ,10 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار السيارات الكهربائية في طريقها لتراجع كبير

GMT 01:56 2018 الأحد ,07 تشرين الأول / أكتوبر

التعليم.. والسيارة ربع النقل!

GMT 05:08 2024 الأربعاء ,21 آب / أغسطس

مرشح رئاسي معتدل ينتقد سياسة الحجاب في إيران

GMT 05:33 2021 الأحد ,26 كانون الأول / ديسمبر

جالطة سراي يخطر الزمالك بتفعيل بند شراء مصطفى محمد

GMT 03:52 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تدريس الرياضيات يحسّن من مستوى الطلبة؟
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon