فهمي هويدي
حاولت أن أعرف شيئا عن اللواء سامح سيف اليزل الذى يتصدى هذه الأيام لترتيب أمر البرلمان المصرى الجديد، بعدما قاد تحالف «فى حب مصر» وأصبح منسقا لتحالف «دعم الدولة». ومن أخباره الأخيرة انه مرشح لأن يصبح زعيم الأغلبية فى البرلمان. استبعدت أخبار وتقارير الصحف وتعليقات المنافسين ومقدمى البرامج التليفزيونية، ورجعت إلى موسوعة ويكيبيديا فقرأت عنه ما يلى: إنه يبلغ السبعين من العمر فى العام الجديد، وكان ضابطا بالحرس الجمهورى، ثم بالمخابرات الحربية المصرية حتى رتبة مقدم ــ ثم خدم بعد ذلك فى المخابرات العامة المصرية حتى رتبة لواء. بعد ذلك عمل كوزير مفوض فى السفارة المصرية بإنجلترا وكمستشار بسفارة مصر فى كوريا الشمالية، ورأس مجلس إدارة الجمعية البريطانية المصرية للأعمال. كما رأس مجلس إدارة شركة جى فور إس البريطانية المتخصصة فى المجالات الأمنية. ورأس جمعية الصداقة المصرية مع كوريا الجنوبية، ويشغل منصب الرئيس التنفيذى لمركز الجمهورية للدراسات والأبحاث السياسية والأمنية.
فى موضع آخر ذكرت الموسوعة أن الرجل يظهر فى عدة برامج لشرح وتوضيح أحداث مصر. خصوصا ما يتعلق منها بالمجال العسكرى. فقد أيد ترشح اللواء عمر سليمان رئيس المخابرات العامة الأسبق للرئاسة. كما تكلم دفاعا عن نوايا المجلس الأعلى للقوات المسلحة. صرح فى قناة سى بى سى الفضائية بعد سنة من حكم محمد مرسى ثم قيام مظاهرات ٣٠ يونيو بأن المجلس الأعلى للقوات المسلحة تعمد تمويل قوى سياسية وإطالة الفترة الانتقالية لتدمير شعبية الإخوان المسلمين. كما قال إن القوات المسلحة مولت أحزابا كثيرة لمواجهة الإخوان فى أول انتخابات تشريعية أجريت فى عام ٢٠١٢.
مما لاحظته أنه ضابط أعد إعدادا جيدا، وقد أصبحت رتبة اللواء لصيقة باسمه طول الوقت. وبعد يوليو ٢٠١٣ ظل يتحدث باعتباره وثيق الصلة بالمؤسسة الأمنية ومعبرا عن وجهة نظرها. وحين أصبحت تلك المؤسسة فى قلب السياسة فإن الرجل تحول إلى قيادة سياسية تمثل الذراع الأمنية فى البرلمان الجديد تقود الأغلبية فيه، وهو ترتيب معلن ولا سر فيه، تشهد بذلك الصحف اليومية التى أصبحت أخبار الرجل والتحالف أو الائتلاف الذى يقوده موضوعا إخباريا ومادة للتحليل والتجاذب المستمر طول الوقت.
ذلك كله أفهمه وليس عندى ما أقوله عن شخصية الرجل الذى يتسم أداؤه بالرصانة والاعتدال فيما هو ظاهر على الأقل. لكن الذى لم أفهمه واستغربه هو، لماذا تتدخل الأجهزة الأمنية فى اختيار المرشحين وتشكل الائتلافات والتحالفات. ثم يدفع بشخصية أمنية مثل اللواء سيف اليزل ليشكل تحالفا يهيمن على البرلمان ويقود الأغلبية فيه؟، ولماذا يتم ذلك على الدوام بصورة معلنة وهو ما عبرت عنه تصريحات قادة الأحزاب، حتى أن المهندس نجيب ساويرس مؤسس حزب المصريين الأحرار ذكر فى حوار تليفزيونى أخير أن الأجهزة الأمنية تدخلت فى إنجاح بعض المرشحين. وذائعة قصة النائب الوفدى الذى قال إنه تلقى توجيها من الأجهزة الأمنية بالانضمام إلى تحالف دعم الدولة ففعل ما طلب منه.
أدرى أننا بلد لا يستطيع الأمن فيه أن يبقى بعيدا عن السياسة، ولكنى استغرب العلانية فى إدارة المشهد السياسى والمدى الذى ذهبت إليه تلك الأجهزة فى إثبات حضورها فى مختلف مراحله. كذلك أفهم أن يكون للأمن من يمثلونه داخل المجلس، لكن هناك أساليب ذكية للاحتفاظ بذلك التمثيل. كما ان ذلك الذكاء مطلوب أيضا فى التعامل مع جميع مراحل العملية الانتخابية. حيث لم تكن الأجهزة الأمنية مضطرة للتدخل فى الترشيح وفى إنجاح بعض المرشحين وفى تشكيل التحالفات أو الائتلافات، ثم فى الدفع بقيادة أمنية على رأس الأغلبية. وهو ما دفع أحد كبار الأدباء إلى القول بأنه كان من الأحكم والأوفر أن يصدر قرار بتعيين أعضاء مجلس النواب، بدلا من الالتفات على عملية التعيين وإنفاق ما يزيد على مليار جنيه لإجراء مراحل العملية الانتخابية. المدهش فى الأمر أن الأجهزة الأمنية لم تكن مضطرة إلى كل ذلك، لأن الأغلبية الساحقة من المرشحين إما أنهم من مؤيدى الرئيس السيسى أو أن مصالحهم مرتبطة بذلك التأييد. وليس هناك تفسير لذلك الإلحاح على التدخل الأمنى فى كل مراحله سوى أن الأجهزة المذكورة لم تكن واثقة من إحكام هيمنتها. لذلك حرصت على أن تكون حاضرة فى جميع مراحل العملية.
لم يعد الحديث عن وجود معارضة داخل المجلس واردا لأسباب لا تخفى على اللبيب، لذلك فإننا أصبحنا نتكلم عن مجلس نيابى تمارس فيه الموافقة بذكاء وحنكة، وليس بفجاجة محرجة وفاضحة. ذلك أن طموحاتنا تراجعت كثيرا وانخفض سقفها بحيث ما عدنا نعترض على إنتاج المشهد. إذ بعدما بلغ منا الانكسار مبلغه فإننا صرنا نتطلع إلى إخراج أفضل لتحسين الصورة وحفظا لماء الوجه، حتى يقضى الله أمرا كان مفعولا.