توقيت القاهرة المحلي 20:55:35 آخر تحديث
  مصر اليوم -

بيان مراوغ

  مصر اليوم -

بيان مراوغ

فهمي هويدي

يتابع المجلس القومى لحقوق الإنسان بقلق بالغ الشكاوى المتعلقة بحالات الادعاء باختفاء قسرى، فى الوقت الذى يتولى فحص الحالات التى سبق ورودها له، «يهيب» المجلس المتقدمين بالشكاوى المتعلقة بالادعاء بالاختفاء القسرى استيفاء المعلومات المتوفرة عن ذويهم وفقا للبيانات المطلوبة من قبل المجلس لتسهيل مهمته فى متابعة الشكاوى. كما «يهيب» أصحاب الشكاوى أو المنظمات التى تقدمت بشكاوى سابقة الإبلاغ بأى تطورات أو معلومات تفيد بإجلاء مصير ذويهم، حيث تبين من خلال المتابعة عودة بعض الغائبين لأسرهم. ويطالب المجلس القومى لحقوق الإنسان وزارة الداخلية بضرورة الالتزام بقواعد قانون الإجراءات الجنائية فيما يتعلق بإحالة المقبوض عليهم إلى جهات التحقيق وفقا لأحكام الدستور. حيث تبين أن الإخلال بقواعد قانون الإجراءات الجنائية فى الفترة الماضية وعدم الالتزام بالمواعيد التى قدرها أدى إلى الالتباسات المتعلقة بالاختفاء القسرى فى زيادة الشكاوى المتعلقة بها.
أعلاه نص بيان أصدره المجلس المذكور يوم الأربعاء الماضى ١٦ ديسمبر. وقد حرصت على إثباته كما هو رغم ركاكته اللغوية، لسببين أساسيين. الأول أنه تضمن اعترافا بأن هناك أصلا لظاهرة الاختفاء القسرى فى مصر. الثانى أنه نموذج للبيانات المراوغة التى تحاول إمساك العصا من المنتصف، بحيث ترضى وزارة الداخلية مجاملة للحكومة من ناحية، وترضى أهالى المختطفين من ناحية ثانية من خلال التجاوب اللغوى مع حملة الحقوقيين والنشطاء الداعية إلى وقف الاختفاء القسرى. وهى الخلفية التى جعلتنى استقبل البيان بخليط من مشاعر الارتياح والاستياء. أما الارتياح فراجع إلى مسألة الاعتراف بوجود الاختفاء القسرى، الذى دأبت وزارة الداخلية على نفيه وإنكاره طوال الوقت. وأما الاستياء فله أسباب عدة أوجز أهمها فيما يلى:

< إن البيان تحدث عن الاختفاء القسرى مستخدما مفردات التشكيك. إذ كرر مرتين أنه مجرد «ادعاء» ووصفه فى موضع آخر بأنه بمثابة «التباسات» من جانب الأهالى، ثم إنه هون من شأنه حين أشار إلى أن بعض الغائبين عادوا إلى بيوتهم، الأمر الذى فتح الباب لاحتمال أن يكون ذلك «الادعاء» مجرد سوء ظن بالداخلية من جانب الأهالى.

< الاحتمال الذى أورده بيان المجلس تفوح منه رائحة التضليل والتدليس لأنه لم يشر بكلمة إلى الذين اختفوا لعدة أشهر ثم ظهروا فجأة أمام النيابة بعد طول احتجاز فى أماكن مجهولة، أو الذين شوهدوا مصادفة فى بعض السجون، أو الذين اختفوا منذ سنة أو اثنتين ولم يظهر لهم أثر حتى الآن. وهذه الفئات الأخيرة تمثل الأغلبية التى تم توثيق حالاتها فى تقارير المنظمات الحقوقية. لكن البيان تجاهلها رغم خطورتها وتحدث فقط عن الاستثناء المتمثل فى عودة البعض إلى بيوتهم على فرض صحة المعلومة.

< الجزء الأخير من البيان الذى طالب وزارة الداخلية بالالتزام بقواعد قانون الإجراءات الجنائية كى لا تحدث «التباسات» فى مسألة الاختفاء القسرى، هذا الجزء أضاف الغموض إلى المراوغة. ذلك أن الاختفاء القسرى ينطبق على حالة كل من تم احتجازه فى مكان غير معلوم دون أن يتمكن من إبلاغ أهله أو الاتصال بمحاميه، حتى إذا ظهر فى أى مكان بعد ذلك. والإخلال المشار إليه فى النص يتمثل فى أمرين أولهما اختفاء الشخص قسرا وتمديد حبسه الاحتياطى لآجال مفتوحة بقرارات من الجهاز الأمنى تنفذها النيابة وتهدر فى ظلها نصوص القانون وكرامات المواطنين. هذه المعانى طمسها البيان المذكور بعبارات تسترت على ممارسات الداخلية بأكثر مما أفصحت عن حقيقة الانتهاكات التى تمارس بحق المواطنين.

لا يفاجئنا موقف المجلس، فسوابقه فى المراوغة حاضرة فى الذاكرة، إذ ليست منسية مثلا فضيحة زيارة بعض أعضائه لسجن العقرب سيئ السمعة وشهادتهم التى جاءت تبرئة للداخلية وتسترا على أدائها، وهو ما استنكره أعضاء آخرون فى المجلس ذاته. ومشكلته الحقيقية تكمن فى أنه يتصدى لقضية شديدة الحساسية يتعذر فيها إمساك العصا من المنتصف ومحاولة التحرك فى المساحة الرمادية. ذلك أن حقوق الإنسان مثل الديمقراطية، إما أن تكون أو لا تكون. وإذا لم تكن معها فأنت ضدها حتى إذا توهمت أن هناك مسافة رمادية بين المنزلتين يمكن الوقوف فيها، لذلك فإن البيان الأخير الذى أصدره مجلس حقوق الإنسان يعد شهادة إدانة للمجلس ولا يبرئ ذمته كما تصور الذين أعدوه.

< ملحوظة: صوبنى القارئ محمود حامد فى بعض ما ذكرته عن كندا يوم الأربعاء الماضى (١٦/١٢)، فقال إن كورال الأطفال الكنديين الذين رددوا أغنية «طلع البدر علينا» لم يكن مخصصا لاستقبال المهاجرين السوريين رغم انتشاره فى تلك المناسبة، ولكنه كان ضمن فقرات احتفال أقامته مدرسة فرنسية فى كندا يوم ٣ ديسمبر لإظهار تنوع الثقافات والأديان ــ لذا لزم التنويه.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بيان مراوغ بيان مراوغ



GMT 15:22 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

الفشل الأكبر هو الاستبداد

GMT 15:21 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

حافظ وليس بشار

GMT 15:17 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

سلامة وسوريا... ليت قومي يعلمون

GMT 15:06 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

التسويف المبغوض... والفعل الطيِّب

GMT 15:05 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

نُسخة مَزيدة ومُنَقّحة في دمشق

GMT 15:03 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

الشهية الكولونيالية

GMT 15:01 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

البحث عن الهوية!

GMT 13:05 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

عودة ديليسبس!

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 04:08 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

أوستن يبحث مع نظيره الإسرائيلي الأحداث في سوريا

GMT 10:04 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

بلينكن يطالب بتأمين أي مخزونات للأسلحة الكيميائية في سوريا

GMT 05:32 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

العملة المشفرة بتكوين تسجل مئة ألف دولار للمرة الأولى

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 20:31 2018 الأحد ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

التعادل السلبى يحسم مباراة تشيلسي وايفرتون

GMT 04:44 2018 الأربعاء ,19 أيلول / سبتمبر

رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان يصل إلى السعودية

GMT 11:41 2018 الثلاثاء ,17 تموز / يوليو

شيرين رضا تكشف سعادتها بنجاح "لدينا أقوال أخرى"

GMT 09:36 2018 الأحد ,01 تموز / يوليو

دراسة تنفي وجود "مهبل طبيعي" لدى النساء
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon