فهمي هويدي
تدين مصر بشدة الهجوم الإرهابى الذى نفذته جماعة بوكو حرام فى نيجيريا يوم الجمعة 8 أغسطس 2014، وأسفر عن مقتل وإصابة العشرات. كما تعرب عن تعاطفها مع المصابين وأهالى الضحايا الذين استهدفتهم تلك الأعمال الإرهابية.
وإذ تؤكد مصر على تضامنها مع الشعب والحكومة النيجيرية فى التصدى للإرهاب والتطرف ومواجهته بكل حزم، فإنها تؤكد على ضرورة تضافر الجهود الاقليمية والدولية لمواجهة هذه الظاهرة البغيضة التى تهدد الاستقرار وتعوق التنمية فى العالم.
النص أعلاه ورد فى بيان أصدرته وزارة الخارجية المصرية يوم الجمعة الماضى 8 أغسطس، لكنه لم يكن الوحيد الذى أصدرته الخارجية يومذاك. إذ إنه تزامن مع بيان آخر أصدرته حين شنت الطائرات الإسرائيلية فى نفس اليوم غاراتها على سكان غزة، وتولت الزوارق البحرية الإسرائيلية قصف شواطئ شمال القطاع. فى البيان الأخير عبرت الخارجية عن أسفها لاستئناف الأعمال العسكرية مرة أخرى فى قطاع غزة، ما يعرض الشعب الفلسطينى لمخاطر جمة. وأكدت على أنه منذ التوصل إلى وقف إطلاق النار قامت مصر بجهود دؤوبة لتقريب وجهات النظر ولرعاية المفاوضات غير المباشرة وصولا إلى تلبية احتياجات الشعب الفلسطينى وتوفير الحماية له من مخاطر استئناف الأعمال العسكرية. وقد أمكن التوصل فى هذا الإطار إلى اتفاق حول الغالبية العظمى من الموضوعات ذات الاهتمام للشعب الفلسطينى. وظلت نقاطا محدودة للغاية دون حسم، الأمر الذى كان يفرض قبول وقف إطلاق النار كى تتسنى مواصلة المفاوضات.. «وعلى ضوء استئناف العمليات العسكرية تجدد وزارة الخارجية مطالبتها بضرورة ضبط النفس والامتناع عن التصعيد العسكرى وبعدم استهداف المدنيين. وتؤكد حرصها البالغ على توفير الحماية للشعب الفلسطينى الأعزل ووقف إراقة الدماء. كما تطالب جميع الأطراف بالارتقاء إلى مستوى مسئوليتهم والالتزام بقواعد القانون الدولى الإنسانى وبمراعاة مصالح الشعب الفلسطينى».
تصيبنا المقارنة بين البيانين بالفجيعة والخزى. فبيان إدانة ما جرى فى نيجيريا كان واضحا وحاسما فى إدانة الإرهاب الذى وقع هناك. كما كان صريحا فى مواساة الضحايا والتضامن معهم. أما البيان الذى تعرض للقصف الإسرائيلى بغزة فقد تمت صياغته بحذر وغموض، ولم يتضمن أية إشارة إلى ما تمثله الوحشية الإسرائيلية من إرهاب، كما لم يعبر بأى كلمة تعاطف أو مواساة للضحايا الفلسطينيين ولم يرد فيه أى ذكر لا للعدوان ولا للاحتلال الذى هو أصل المشكلة ومصدر البلاء.
يصدمنا بيان الخارجية المصرية من عدة أوجه. منها مثلا:
* أنه حصر الدور المصرى فى حدود تقريب وجهات النظر بين الجانبين، وليس الانتصار للحق الفلسطينى، حتى فى حدود الحق فى الحياة. الأمر الذى وضع مصر فى مربع «اللاموقف» الذى يتساوى مع بعض الدول الأوروبية. ويبدو متخلفا كثيرا عن موقف دول أمريكا اللاتينية. وذلك أمر مستغرب لا يعبر عن مسئولية ووزن «الشقيقة» الكبرى، وأشك كثيرا فى أنه يعبر عن رأى أغلبية الشعب المصرى.
* أنه ذهب فى حياده إلى التحذير من استئناف العمليات العسكرية والدعوة إلى ضبط النفس وإلى عدم استهداف المدنيين. فى مساواة مذهلة بين القاتل والقتيل والمغتصب والمجنى عليه. وإذا لاحظنا مثلا أن ثلاثة فقط من المدنيين الإسرائيليين قتلوا فى تلك الحرب (الباقون كلهم عسكريون) فى حين أن القتلى الفلسطينيين صاروا قريبا من الألفين، والجرحى وصل عددهم إلى عشرة آلاف. فإنه يصبح مستغربا جدا تجهيل الطرف المطالب بوقف استهداف المدنيين، ويشكك فى أن تلك الصياغة تتستر على الجريمة الإسرائيلية.
* إن بيان الخارجية بدا متبنيا للموقف الإسرائيلى فى الدعوة إلى تمديد فترة وقف إطلاق النار. كما تضمن نقدا مبطنا للموقف الفلسطينى حين طالب بالامتناع عن التصعيد العسكرى. إذ بسبب الحياد فإن الخارجية لم تبد أى تفهم لأسباب رفض الوفد الفلسطينى تمديد وقف إطلاق النار ولا إقدام الفصائل على الاستمرار فى المقاومة، وهى الأسباب التى تتلخص فى رفض الإسرائيليين الاستجابة لطلبات المقاومة بعد الثمن الباهظ الذى دفعه القطاع خلال الشهر الذى استمرت فيه حملة الترويع والإبادة الإسرائيلية.
* إن البيان تحدث عن أنه تم الاتفاق على الغالبية العظمى من المسائل التى تهم الفلسطينيين وأن هناك نقاطا محددة للغاية لم تحسم، وهذه معلومة مغلوطة وغير صحيحة، لأن الوفد الفلسطينى يعتبر أن المباحثات لم تسفر عن أى اتفاق على أى نقطة مهمة فى الأوراق المعروضة. وقد فوجئ بعضهم بما ذكره بيان الخارجية بهذا الخصوص واستغربوه.
* لم تكن مفهومة إشارة البيان إلى مطالبة جميع الأطراف بالارتقاء إلى مستوى مسئولياتهم والالتزام بقواعد القانون الدولى الإنسانى ومراعاة مصالح الشعب الفلسطينى، لأن هذه الأمور مما يرد فى نقد موقف القاهرة، بسبب الإصرار على إغلاق معبر رفح ومنع وصول المواد الإغاثية العربية إلى القطاع ومنع المرضى من العبور للعلاج، والتضييق فى استقبال الجرحى الذين سمح لـ129 جريحا فقط بالدخول من بين عشرة آلاف جريح فلسطينى.
إن لغة البيان تعبر عن مصر أخرى غير التى نعرفها، ليس بوسعى أن أحددها الآن، لكننى فقط أعرف أن تلك اللغة لا تعبر عن وزن مصر الحقيقية أو ضميرها ولا حتى أمنها القومى.