توقيت القاهرة المحلي 20:29:06 آخر تحديث
  مصر اليوم -

جرس من بروكسل

  مصر اليوم -

جرس من بروكسل

فهمي هويدي

الجرس جاءنا هذه المرة من بروكسل. فقد وجه برلمان الاتحاد الأوروبى رسالة قوية إلى الحكومة المصرية انتقد فيها قائمة الانتهاكات التى تمارسها وزارة الداخلية، ودعا فى ختامها الحكومات الأوروبية إلى حظر المساعدات الأمنية والعسكرية التى تقدم إلى مصر طالما استمرت تلك الانتهاكات. حدث ذلك مساء الأربعاد الماضى ٩/٣ حين جرى تعميم الرسالة على وسائل الإعلام الأوروبية عقب جلسة البرلمان. إذ تضمنت ٢٣ نقطة لا جديد فيها بالنسبة للمواطن المصرى. ذلك أنها سجلت العناوين التى بحت أصوات الحقوقيين والوطنيين المصريين طوال العشرين شهرا الأخيرة وهى تدعو إلى معالجتها، ليس فقط دفاعا عن كرامة وإنسانية المواطن المصرى ولكن أيضا لتحقيق الاستقرار وإشاعة السلام الأهلى فضلا عن تحسين سمعة النظام القائم التى شوهتها تلك الممارسات.

تحدث بيان البرلمان الأوروبى عن كل ما نعرف. قانون منع التظاهر غير الدستورى والاعتقالات العشوائية والاختفاء القسرى وتصاعد مؤشرات القمع والتعذيب وصولا إلى الحملة ضد منظمات المجتمع المدنى ومنع النشطاء من السفر. إلى غير ذلك من الانتهاكات التى يقابل بعضها بالصمت والتجاهل فى حين تصر وزارة الداخلية على إنكار أغلبها من الأساس. ناهيك عن أن أبواقها دأبت على اتهام المتحدثين عنها بأنهم يستهدفون تشويه النظام القائم. وهى تهمة مدهشة لأن تلك الممارسات هى أكثر ما أساء إلى الدولة، يشهد بذلك البيان الذى نحن بصدده، إذ هو صادر عن برلمان الاتحاد الأوروبى الذى أدرك أعضاؤه أن ما حدث فى مصر بمثابة انتهاكات من الجسامة بحيث لا يمكن تبريرها ويتعذر السكوت عليها. وحين نلاحظ أن الذين أصدروا ذلك البيان يمثلون شعوب ٢٨ دولة أوروبية فلنا أن نتصور حجم التشويه والإساءة الذى تسببه تلك الانتهاكات لصورة مصر وسمعتها فى الخارج. وحين يحدث ذلك فإن الحديث عن المؤامرة ومساعى إسقاط الدولة يصبح لغوا لا معنى له. ذلك أن التشويه فى هذه الحالة ينطلق من داخل مؤسسات الدولة المصرية وليس من خارجها، الأمر الذى يعفى المتآمرين من بذل أى جهد لتحقيق مرادهم، لأن ممارسات أجهزة الداخلية تقوم لهم بما يلزم.

ما يثير الانتباه أننا لا نكاد نلمس جهدا حقيقيا لوقف الانتهاكات، والأغرب أن ما يبذل من جهد يستهدف الذين ينتقدونها أو يفضحون ممارساتها. تؤيد ذلك الإدعاء قرائن عدة منها محاولة إغلاق مركز النديم لعلاج ضحايا التعذيب. منها كذلك التحقيق مع الحقوقى البارز الأستاذ نجاد البرعى وتوجيه ست اتهامات إليه لمجرد أنه سعى مع آخرين لإعداد مشروع لوقف التعذيب. منها أيضا حملات استهداف المنظمات الحقوقية المستقلة، التى دأبت على رصد الانتهاكات والتنديد بها.

فى الوقت ذاته فإن الداخلية تسعى إلى تحسين صورتها من خلال الأشرطة الدعائية وتصوير الوزير وهو يقبل رأس أب كان ابنه من ضحايا الداخلية. وإلى جانب إنكار التجاوزات فإنها ما برحت تتحدث عن وقوع بعض الانتهاكات التى اعتبرتها ممارسات فردية وغير ممنهجة (رئيس المجلس القومى الحكومى لحقوق الإنسان وبعض أعضائه رددوا ذلك المعنى أكثر من مرة). وكان ذلك نوعا من الهروب من الحقيقة أو الاحتيال عليها. إذ يراد إقناعنا بأن التعذيب لا يتم بقرار صريح أو ترتيب مسبق، ولكنه «مبادرات» شخصية لا تتحمل الداخلية المسئولية عن وقوعها. وهذا صحيح لا ريب، لكن الأصح منه أن الداخلية إذا لم تصدر أوامرها بممارسة التعذيب، إلا أنها قبلت به وشجعته لأنها لم تطلب إيقافه ولم تحاسب الذين أدينوا فى ممارسته. كما انها سعت إلى قمع المركز الحقوقى الذى حاول إعداد مشروع قانون لوقفه. الأمر الذى لا يدع مجالا للشك فى أن تلك الانتهاكات جزء من سياسة الدولة وليست مجرد تجاوزات متورط فيها أجهزة وزارة الداخلية.

بيان البرلمان الأوروبى جرس جديد ينتقد ما يحدث فى مصر ويدعو إلى معاقبتها. وهو ينضاف إلى مجموعة الوثائق التى أصدرتها المنظمات الحقوقية الدولية وطالما سجلت الانتهاكات الحاصلة ونددت بممارساتها. وحين يحدث ذلك فإنه ينسف مختلف الجهود التى تمارس فى أوروبا لتشجيع السياحة وجذب المستثمرين.

يبدو أنه لم يعد كافيا لوقف الانزلاق فى ذلك المسار البائس أن نقول بأن الانتهاكات تهدر كرامة المصريين وترفع من وتيرة الاحتقان والغضب. ولا أعرف إن كان من المجدى أن نحذر أيضا من أن يؤدى ذلك إلى الإضرار بسمعة البلد السياسية وبمصالحه الاقتصادية، لكن ما أعرفه أن تجاهل الملف والاستخفاف بتداعياته له عواقبه الوخيمة التى نسأل الله أن يجنبنا شرورها.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

جرس من بروكسل جرس من بروكسل



GMT 15:22 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

الفشل الأكبر هو الاستبداد

GMT 15:21 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

حافظ وليس بشار

GMT 15:17 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

سلامة وسوريا... ليت قومي يعلمون

GMT 15:06 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

التسويف المبغوض... والفعل الطيِّب

GMT 15:05 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

نُسخة مَزيدة ومُنَقّحة في دمشق

GMT 15:03 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

الشهية الكولونيالية

GMT 15:01 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

البحث عن الهوية!

GMT 13:05 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

عودة ديليسبس!

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 07:41 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه
  مصر اليوم - ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه

GMT 13:01 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

شام الذهبي تعبر عن فخرها بوالدتها ومواقفها الوطنية

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مي عز الدين بطلة أمام آسر ياسين في رمضان 2025

GMT 15:39 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

"المركزي المصري" يتيح التحويل اللحظي للمصريين بالخارج

GMT 09:32 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

ليفربول يتواصل مع نجم برشلونة رافينيا لاستبداله بصلاح

GMT 20:53 2018 الأربعاء ,03 تشرين الأول / أكتوبر

أجاج يؤكد أن السيارات الكهربائية ستتفوق على فورمولا 1

GMT 06:59 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

مواعيد مباريات اليوم الاثنين 23 - 12 - 2024 والقنوات الناقلة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon