توقيت القاهرة المحلي 20:18:05 آخر تحديث
  مصر اليوم -

حاول أن تفهم

  مصر اليوم -

حاول أن تفهم

فهمي هويدي

حين تستثنى بعض الهيئات فى مصر من الخضوع للقانون دون أى تفسير أو تبرير، فإن ذلك يفتح الباب للتأويل والبلبلة التى تهز الثقة وتسوغ إساءة الظن. أتحدث عن قرار رئيس الوزراء الذى نشرته الجريدة الرسمية يوم الخميس الماضى (الأول من أكتوبر) باستثناء سبع هيئات تابعة للقوات المسلحة والشرطة من الالتزام بالقانون الذى يفرض عليها إعادة فوائضها للموازنة العامة. والهيئات كلها خدمية واقتصادية تتراوح بين جهاز الخدمات العامة وصندوق تمويل المتاحف العسكرية، مرورا بمشروعات أراضى الداخلية والقوات المسلحة وصندوق إسكان أفراد القوات المسلحة. أعنى أنها أنشطة مدنية بالكامل، لا علاقة لها بالتسليح ولا بأسرار الأمن القومى. وهى الاعتبارات التى ذكرت فى تسويغ الوضع الخاص لموازنة القوات المسلحة، وتم تقديرها والقبول بها رغم أن ذلك الوضع ليس معمولا به فى الدول الديمقراطية التى تناقش فيها تفاصيل تلك الموازنة فى اللجان المختصة بالأمن القومى فى البرلمانات المنتخبة.

لو أن قرار رئيس الوزراء تضمن أى إشارة للأسباب التى دعت إلى استثناء تلك الجهات السبع لكان ذلك مفهوما وربما كان مقنعا ومقبولا. لكن الخبر ألقى علينا وترك لكل واحد منا حرية فك غموضه على طريقة «حاول أن تفهم». وللمساعدة أبلغنا بأن الاستثناء تم بطلب من وزير المالية. وهو ما بدا أمرا مستغربا، لأن وزير المالية يفترض أن يسعى إلى زيادة حصيلة موارد الموازنة العامة وليس إنقاصها بحرمانها من الفوائض المالية لبعض الجهات.

وإذ جاء القرار خلوا من أى تفسير باستثناء الإشارة غير المقنعة إلى طلب وزير المالية فإننا إعمالا لمبدأ الشفافية واحتراما لحق الناس فى المعرفة لا نستطيع أن نحجب عدة أسئلة يثيرها تمييز الجهات المذكورة وإعفاءها من الخضوع للقانون. ذلك أن إعفاءها من توريد فوائضها المالية إلى الخزانة العامة يستدعى سؤالا عن أوجه إنفاقها فى هذه الحالة. وما إذا كان ذلك يستهدف تحقيق مصلحة عامة أو خاصة. كأن تضاف مثلا إلى صناديق العاملين فى تلك الجهات. أعنى هل ستطلق أيدى تلك الجهات فى إنفاق تلك الفوائض أم أنها ستخضع لرقابة ومراجعة الجهاز المركزى للمحاسبات المعنى بالتدقيق فى سلامة التصرفات المالية لمختلف مؤسسات الدولة وأجهزتها. إذ حين تظل مثل هذه الأسئلة معلقة بغير إجابة واضحة فمن شأن ذلك أن يفتح الباب واسعا لمختلف الممارسات التى تغرى بمخالفة القانون باعتبار أن إنفاقها لا يخضع للرقابة والحساب. ثم ان ذلك الوضع قد يشجع هيئات أخرى فى الدولة على المطالبة بالمعاملة بالمثل، طالما أنه ليست هناك أسباب خاصة استدعت قصر الاستثناء على الهيئات السبع، التى لا يميزها سوى انها تابعة لوزارتين مهمتين وحساسيتين فى الدولة.

لا يقولن أحد إن ما ندعو إليه ينال من هيبة واحترام القوات المسلحة والشرطة. وليس بوسع أحد أن يدعى أن المجتمع ضنًّ على الرجال الشجعان العاملين فى هذين المجالين بحقهم فى التقدير والتكريم والتعويض. لكن ذلك كله فى جانب واستثناء الهيئات الاقتصادية والخدمية التابعة للوزارتين من الالتزام بالقانون فى جانب آخر. وإذا وضعنا فى الاعتبار أن الأنشطة الاقتصادية التى تمارسها تلك الهيئات واسعة النطاق ومتعددة المجالات، فإن إعمال تلك الخطوة يعنى أن جزءا مهما من النشاط الاقتصادى يظل بعيدا عن رقابة أجهزة الدولة دون أن يفهم أحد مبررا لذلك.

لا نريد أن نستعيد الحجج التى تساق لإبراز أهمية إخضاع الانفاق العام لرقابة الدولة والمجتمع، أو تلك التى تشرح أهمية اطلاع دافعى الضرائب على مصير ما يتم جبايته منهم. كما اننا لسنا بحاجة للتنبيه إلى الأهمية الكبرى التى يمثلها خضوع الجميع للقانون على قدم المساواة. مع ذلك فيبدو أننا صرنا بحاجة للتذكير بتلك البديهيات التى تعد من مسلمات المجتمعات العصرية، المدنية والديمقرطاية. فى الوقت ذاته فإننا بحاجة أيضا إلى وضع حد لذلك النزوع إلى الاستثناء الذى صارت بعض الجهات تتطلع إليه باعتباره تعبيرا عن التميّز والأهمية. كأن الأهمية تستمد من الاستثناء من القانون وليس من الخضوع له. وكأن القانون وضع ليسرى على الضعفاء وقليلى الحيلة دون غيرهم.

لقد سبقنى زميلنا الأستاذ سليمان جودة فيما نشرته له صحيفة «المصرى اليوم» (عدد ٢/١٠) إلى التنبيه إلى الشذوذ فى القرار، الذى وصفه بأنه «شديد الخطورة» ودعا فيما كتبه وزير المالية إلى إطلاع الرأى العام على مبررات الاستثناء لكى يقتنع المجتمع بأن ثمة مصلحة عامة وراءه. وأنا أضم صوتى إليه.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حاول أن تفهم حاول أن تفهم



GMT 18:32 2024 الجمعة ,27 كانون الأول / ديسمبر

فنّانو سوريا

GMT 18:31 2024 الجمعة ,27 كانون الأول / ديسمبر

المشهد اللبناني والاستحقاقات المتكاثرة

GMT 18:31 2024 الجمعة ,27 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... الوجه الآخر للقمر

GMT 18:30 2024 الجمعة ,27 كانون الأول / ديسمبر

2024: البندول يتأرجح باتجاه جديد

GMT 18:29 2024 الجمعة ,27 كانون الأول / ديسمبر

جنوب لبنان... اتفاق غير آمن

GMT 18:27 2024 الجمعة ,27 كانون الأول / ديسمبر

رائحة في دمشق

GMT 18:26 2024 الجمعة ,27 كانون الأول / ديسمبر

«هشام وعز والعريان وليلى ونور وكزبرة ومنى ومنة وأسماء»

GMT 16:40 2024 الجمعة ,27 كانون الأول / ديسمبر

الوطن هو المواطن

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 19:21 2021 الأحد ,10 كانون الثاني / يناير

برشلونة يحتفل بذكرى تتويج ميسي بالكرة الذهبية عام 2010

GMT 11:32 2020 الجمعة ,25 كانون الأول / ديسمبر

دبي تهدي كريستيانو رونالدو رقم سيارة مميز

GMT 04:41 2020 الخميس ,24 كانون الأول / ديسمبر

وزارة الصحة الروسية تسمح بتغيير نظام اختبار لقاح "Sputnik V"

GMT 21:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

أول تعليق من نيمار بعد قرعة دوري أبطال أوروبا

GMT 06:29 2020 السبت ,17 تشرين الأول / أكتوبر

حمادة هلال يهنئ مصطفي قمر علي افتتاح مطعمه الجديد

GMT 07:23 2020 الجمعة ,16 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الجبس في مصر اليوم الجمعة 16 تشرين أول /أكتوبر 2020
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon