توقيت القاهرة المحلي 12:02:07 آخر تحديث
  مصر اليوم -

حسن النية لا يكفى

  مصر اليوم -

حسن النية لا يكفى

فهمي هويدي

من الإشارات الجيدة التى ظهرت فى الإعلام المصرى خلال الأسبوع الماضى واحدة انتقدت فكرة عقد مؤتمر للمانحين للنهوض بالاقتصاد المصرى، ودعت إلى استبداله بمؤتمر آخر للمستثمرين. قرأت أيضا تعليقا تحفظ على مسألة الاعتماد على التبرعات فى محاولة الإنقاذ المنشودة، حذر فيه صاحبه من أن التبرعات لا تبنى دولة. كانت هناك إشارة ثالثة عكستها استطلاعات أجرتها إحدى الصحف للتحقق من أصداء اقتراح بدء العمل فى دواوين الحكومة فى الساعة السابعة صباحا. وبينت تلك الاستطلاعات أن الاقتراح لم يؤخذ على محمل الجد، وأنه لم يطرأ تغير يذكر على أداء العديد من مؤسسات ومرافق الدولة.
لى ملاحظتان على تلك الإشارات، الأولى أنها بمثابة تطور إيجابى بدا وكأنه تغريد خارج على سرب التهليل والتصفيق، الذى أصبح سمة للخطاب الإعلامى المصرى فى مختلف منابره. أعنى أنها كانت بمثابة تحفظات على تلك المبادرات وتشكيك فىِ جدواها، ومنها ما اقترح مراجعة بعضها وتصويبه. وذلك أمر جيد لا ريب.
الملاحظة الثانية والأهم أن المبادرات التى جرى انتقادها جاءت تعبيرا عن حسن النية بأكثر مما قدمت حلولا عملية للمشكلات التى تواجه الاقتصاد المصرى. إذ يكاد المرء يلمح فيها ليس فقط تبسيطا للمشكلات، وإنما أيضا أنها لم تدرس جيدا من جانب أهل الاختصاص. ولعلى لا أبالغ إذا قلت إنها بدت وكأنها خواطر طرأت على البال فى لحظات معينة، ثم طرحت على الرأى العام مباشرة قبل أن تأخذ حقها من التدقيق والتمحيص.
إن فكرة مؤتمر المانحين ليست جديدة ولكنها طرحت فى حالات أخرى سابقة، فى الصومال واليمن وسوريا. ورغم أن لها ثمنها السياسى الباهظ فإنها لم تحقق تقدما يذكر فى تلك الأقطار. ناهيك عن أن ما قد يصلح لحل أزمة بلد يضم عشرين أو ثلاثين مليونا من البشر، قد لا يكون حلا لمشكلة بلد كمصر يضم 90 مليونا.
أما تغيير مواعيد العمل فبدوره ليس فكرة جديدة. فقد طبقت فى ماليزيا ولكنها كانت ضمن رؤية استهدفت تغيير عوائد العاملين فى الجهاز الإدارى، واعتبرت أحد بنود مشروع تحقيق التنمية البشرية التى أنشئت وزارة خاصة لأجلها.
مسألة التبرع بنصف الراتب الشهرى لا إبداع فيها. فالرئيس التونسى المنصف المرزوقى خفض راتبه إلى الثلث وتبرع بالثلثين فى شهر ابريل الماضى والرئيس الفرنسى فرانسوا هولاند ما أن تسلم منصبه حتى تنازل هو و34 وزيرا فى حكومته عن 30٪ من رواتبهم. بل إن رئيس أوروجواى خوسيه موخيكا تبرع بـ90٪ من راتبه (12 ألف دولار فى السنة) واختار أن يعيش هو وأسرته بعشرة فى المائة فقط.. الخ.
أحد الأسئلة التى تخطر على البال هو: هل يستشير الرئيس عبدالفتاح السيسى أحدا فى المبادرات التى يعلنها؟ لست وحدى من عنَّ له السؤال، ولكن زميلنا الأستاذ إبراهيم عيسى ألقاه فى أعقاب إعلان الرئيس عن تبرعه بنصف راتبه. ولأنه يبدو أقرب إلى دوائر صنع القرار فقد كتب يوم 25/6 فى صحيفة التحرير التى يترأسها قائلا: حتى الآن لا يعتمد الرئيس السيسى على مستشارين. وبعد أن امتدح صراحته فى حديثه عن الموازنة العامة والأزمة الاقتصادية، أضاف قائلا: إن التبرع بنصف ممتلكاته وراتبه تعبير عن إخلاص ونية صادقة، لكنه ليس حلا. لا راتبه ولا تبرعاته أو تبرعات أى أحد. واستطرد قائلا: إن مصر جربت كثيرا طريقة النوايا الحسنة وجمع التبرعات وفشلت كلها. ولا أظن أن حظها مع السيسى. إذ بدا متشككا فى جدوى فكرة التبرع فإنه تساءل عن وجود المستشارين ودورهم المهم فى تمحيص أى فكرة قبل إطلاقها. وهو ما اتفق معه فيه تماما. لكننى أتحدث عن شىء أبعد من ضرورة دراسة الفكرة، حيث أتمنى أن تكون جزءا من رؤية استراتيجية واضحة. وهو ما يبدو أننا نفتقده فى الوقت الراهن. وهو نفسه ما أخذته على فترة حكم الدكتور محمد مرسى وانتقدته فى حينه.
ليس ذلك وحده ما يبعث على القلق، لكن ما يقلقنى أيضا أن يكون الرئيس السيسى لا يزال معتمدا على معلومات وتقديرات الأجهزة الأمنية التى ظل يعمل فيها وعلى رأسها لفترة ليست قصيرة. وفى حدود علمى فإنه نقل إلى مكتبه بعضا من مساعديه حين كان رئيسا للمخابرات الحربية. ولا أستطيع أن أقلل من شأن تقارير وتقديرات تلك الأجهزة، لكننى أزعم أنها إذا أدت دورها فى محيطها فإنه لا يطمئن إلى كفايتها حين يتعلق الأمر بمستقبل البلد والمجتمع بأسره.
إن السؤال الكبير الذى ينبغى أن يطرح فى مواجهة هذا الموقف هو لماذا لا تدعى العقول المصرية الخبيرة إلى مؤتمر تناقش فيه الأزمة الاقتصادية وحلولها، ولماذا لا تتولى تلك العقول صياغة الرؤية المتكاملة ووضع الاستراتيجية التى تتيح للوطن أن يتحرك صوب المستقبل بثقة واطمئنان. إن الإخلاص على العين والراس والنوايا الطيبة تقدر وتحترم، لكننا ينبغى ألا نعول عليها وحدها، لأننا نحفظ منذ وعينا أن الطريق إلى جهنم مفروش بالنوايا الحسنة.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حسن النية لا يكفى حسن النية لا يكفى



GMT 09:30 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

ويْكَأن مجلس النواب لم يتغير قط!

GMT 08:32 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

الثلج بمعنى الدفء

GMT 08:29 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

فرنسا وسوريا... السذاجة والحذاقة

GMT 08:27 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

التكنوقراطي أحمد الشرع

GMT 08:25 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

جدل الأولويات السورية ودروس الانتقال السياسي

GMT 08:23 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

ليبيا: لا نهاية للنفق

GMT 08:21 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

الصناعة النفطية السورية

GMT 08:19 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

دمشق وعبء «المبعوثين الأمميين»

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 11:54 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

نانسي عجرم تكشف عن مفاجأة خاصة
  مصر اليوم - نانسي عجرم تكشف عن مفاجأة خاصة

GMT 10:25 2021 الأربعاء ,05 أيار / مايو

فساتين أنيقة بتصاميم مختلفة لربيع وصيف 2021

GMT 17:19 2021 الأربعاء ,14 إبريل / نيسان

طقس الأربعاء حار نهارًا ولطيف ليلًا في أسوان

GMT 04:30 2021 الثلاثاء ,30 آذار/ مارس

أفضل وجهات سفر لعشاق المغامرات

GMT 11:54 2021 الأحد ,07 آذار/ مارس

طريقة عمل مكرونة بصدور الدجاج

GMT 10:40 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

محمد شريف يحتفل ببرونزية كأس العالم للأندية

GMT 01:06 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

تلميذات يتخلصن من زميلتهن بالسم بسبب تفوقها الدراسي في مصر

GMT 21:22 2021 السبت ,16 كانون الثاني / يناير

مرور 17 عام على انضمام أبو تريكة للقلعة الحمراء
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon