توقيت القاهرة المحلي 03:34:59 آخر تحديث
  مصر اليوم -

حظوظ الغلابة

  مصر اليوم -

حظوظ الغلابة

فهمي هويدي

أهم خبرين نشرتهما الصحف المصرية أمس (١٩/٨) هما: انتحار عامل فى محافظة الغربية بسبب عجزه عن توفير علاج ابنه. بعدما اكتشف إصابته بالسرطان ولم يستطع أن يوفر له ثمن علاجه الكيماوى. الخبر الثانى من الأقصر، وقد تحدث عن ان أحد عمال النظافة أصيب بضربة شمس جراء ارتفاع درجة الحرارة، بعدما أجبر هو وزملاؤه على الخدمة فى الطريق العام طوال ١١ ساعة متواصلة، بسبب مرور موكب رئيس الوزراء.

خلاصة القصة الأولى التى أبرزتها صحيفتا «المصرى اليوم» و«الوطن» ان أشرف فاروق البالغ من العمر ٤٥ عاما الذى يعمل حدادا بإحدى شركات المقاولات فى النهار كما يعمل حارسا بنادى بلدية المحلة الكبرى فى الليل، صدم حين علم أن ابنه كريم (١٣ سنة) بالسنة الثانية الإعدادية مصاب بالسرطان. ورغم ان الرجل يعمل بالنهار والليل وان زوجته تعمل بأحد مصانع النسيج، إلا أنه لم يستطع توفير نفقات العلاج الكيماوى لابنه. الصدمة أوصلته إلى حالة اليأس، لأنه لم يجد حلا للمشكلة، وعبر عن يأسه لشقيقه حتى قال له إنه أصبح يتمنى الموت وهو يرى ابنه عاجزا عن التنفس والبلع، وتنتابه حالات من الإغماء والتشنج بين الحين والآخر، ومن ثم بدا وكأنه يموت ببطء كل يوم. لم يكن كلام أشرف تعبيرا عن الشعور بالإحباط بقدر ما كان تعبيرا عن قرار اتخذه حين لم يجد أمامه خيارا آخر.، لم تمض ٢٤ ساعة على هذا الكلام حتى عثرت الزوجة ذات صباح على زوجها أشرف معلقا بحبل غسيل من رقبته فى شرفة المنزل. وبانتحاره فإنه حل مشكلة يأسه وترك مشكلة ابنه كريم لزوجته.

القصة الثانية نشرتها صحيفة «الوطن» وخلاصتها ان عامل النظافة عبدالمنعم خير عبدالمطلب (٥٦ سنة) كان قد قضى ١١ ساعة فى العمل بالشارع، تنفيذا لتعليمات رؤسائه. للحفاظ على نظافة الشوارع أثناء مرور موكب رئيس الوزراء الذى جاء لزيارة الأقصر. وتنفيذا للتعليمات فإن الرجل تسلم عمله فى السادسة صباحا وكان مقررا ان يبقى فى الشارع ــ وسط لهيب الحر ــ حتى الخامسة بعد الظهر. وطبقا للخبر المنشور فإن أحد مشرفى النظافة استوقف رئيس المدينة الذى كان يتحرك فى سيارة مكيفة. وأخبره بأن العمال أصابهم الإعياء، وسوف يسقطون بسبب حرارة الشمس المرتفعة، إلا أنه أمره بضرورة استمرارهم فى العمل تحسبا لمرور موكب رئيس الوزراء. إلا أنه لم تمض ساعة على ذلك حتى سقط عبدالمنعم خير على الأرض من فرط الإعياء. ونقل إلى مستشفى الأقصر الدولى جثة هامدة. محافظ الأقصر قرر إحالة رئيس مجلس المدينة البياضية للتحقيق فى الواقعة، وزار عائلة العامل المتوفى، وأمر بصرف إعانة عاجلة لهم قيمتها ٣٠ ألف جنيه. كما أمر بسداد مبلغ ١٩ ألف جنيه قيمة قرض كان الرجل قد حصل عليها من أحد البنوك قبل وفاته.

للصدفة فإن محافظة الغربية فى قلب الدلتا كانت مسرح القصة الأولى ومحافظة الأقصر فى جنوب الصعيد مسرح القصة الثانية، كأنما بدت القصتان رمزا لحظوظ الغلابة فى بر مصر، من شمالها إلى جنوبها. وإذا صحت المعلومات المنشورة فإنها تدق الأجراس بقوة منبهة إلى ان معاناة الغلابة والفقراء فى مصر تحتاج إلى نظرة جادة من جانب السلطة والمجتمع فى ذات الوقت، لا أعرف كم عدد المرضى الذين يعجزون عن دفع نفقات علاجهم، فمنهم من ينقذه الموت من الذل ومهانة السؤال، ومنهم من يقدم على الانتحار لكى ينقذ نفسه من العذاب اليومى الذى يعانى منه بسبب عجزه عن توفير الدواء. لكن الذى أعرفه أن انتحار الرجل مسئولية المجتمع بأسره، وان شعوره بالذل والقهر لابد أن يشفع له عند الله يوم الحساب. لا أريد أن أقلل من الجهد الذى يبذل لإغاثة المرضى من الضعفاء والفقراء، لكننى رغم ذلك أزعم ان انتحار عامل فقير بسبب العجز ليس له أن يمر وكأنه خبر عادى. ولكن ينبغى أن يشعرنا جميعا بالإثم لأننا لم نمد له يد العون فدفعناه إلى اليأس بحيث لم يكد يرى مخرجا إلا بالانتحار، الذى هو بمثابة حكم عمم علينا الاتهام والإدانة. لنا أن نتحدث رغم كل شىء عن تدهور خدمات المستشفيات وعجز الوحدات الصحية، لكننا لا ينبغى ان نعفى الجمعيات الأهلية ومنظمات المجتمع المدنى من المسئولية. بذات القدر فإننا بحاجة لأن نتحرى التآكل الذى أصاب قيمة التكافل فى المجتمع، ضمن التراجع والانحسار فى منظومة القيم الايجابية، وإسهام تقلبات السياسة فى ذلك.

القصة الثانية لها رمزيتها من حيث انها تعبر عن حظوظ الغلابة بين عمال الحكومة وموظفيها. ذلك ان عامل النظافة طلب منه ان يظل مصلوبا تحت الشمس الحارقة طوال ١١ ساعة، فى حين أن رئيس المدينة مر عليه فى عربته المكيفة وأصر على ان يبقى هو وأمثاله فى أماكنهم ليطمئن على أن رئيس الوزراء سوف يمر ولن يرى ما يؤذى عينيه وهو فى موكبه وسيارته المكيفة.

إن ملايين الفقراء فى مصر بحاجة إلى جهد خاص يخفف من عذاباتهم. والحادثان اللذان أشرت إليهما ليسا جديدين لكنهما من نماذج الأجراس التى تدق بين الحين والآخر للتنبيه والتحذير أيضا. ذلك ان حبال الفقراء طويلة حقا وأجسامهم هزيلة حقا وشعورهم بالعجز والقهر قصم ظهورهم وكسر قلوبهم حقا، لكننا نعرف ان للصبر حدودا وان ثمة علاقة بين عمق الشعور بالعجز وبين دوى انفجارات المقهورين.

فى كتب التراث ان الخليفة عمر بن الخطاب قال ذات مرة انه لو عثرت بغلة فى بغداد لخشيت أن اسأل عنها أمام الله يوم القيامة. وما نحن بصدده ليس بعيدا عن العين فى بغداد، لكنه للأسف بعيد عن القلب فى دلتا مصر وصعيدها. مع ذلك فنحن مشغولون عنه، فى حين أن رعاية الفقراء والحفاظ على كرامتهم وإنسانيتهم بدورها أهم مشروع عملاق فى مصر، ليته يحتل مكانته ضمن أولوياتنا.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حظوظ الغلابة حظوظ الغلابة



GMT 08:48 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

بيت من زجاج

GMT 08:46 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

إدارة ترامب والبعد الصيني – الإيراني لحرب أوكرانيا...

GMT 08:45 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ترمب ومشروع تغيير المنطقة

GMT 08:44 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ماذا جرى في «المدينة على الجبل»؟

GMT 08:34 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

طبيبة في عيادة «الترند»!

GMT 08:33 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

الشعوذة الصحافية

GMT 08:32 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ولاية ترمب الثانية: التحديات القادمة

GMT 08:31 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

من الرياض... التزامات السلام المشروط

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 22:43 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته
  مصر اليوم - عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته

GMT 09:44 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

جورج وأمل كلوني يحتفلان بذكرى زواجهما في أجواء رومانسية

GMT 12:02 2024 السبت ,07 أيلول / سبتمبر

نصائح وأفكار لإطلالات أنيقة ومتناسقة

GMT 20:58 2016 الجمعة ,28 تشرين الأول / أكتوبر

لجان البرلمان المصري تستعد لمناقشة أزمة سورية

GMT 23:21 2018 الأربعاء ,21 آذار/ مارس

تعرفي على خطوات للحفاظ على "لون الصبغة"

GMT 23:40 2018 الأحد ,04 آذار/ مارس

تعرف على سعر ومواصفات سكودا كودياك 2018

GMT 19:31 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الشرطة تكشف تفاصيل تجريد أستاذ جامعي من ملابسه

GMT 18:47 2018 الثلاثاء ,30 كانون الثاني / يناير

شركة فيات كرايسلر تكشف عن تراجع ديونها بمقدار النصف
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon