فهمي هويدي
يصدمنا القرار الذى صدر فى الأسبوع الماضى 4 يناير بالتحفظ على أموال 112 مصريا، إذ يدهشنا مضمونه فضلا عن أن توقيت صدوره يثير خليطا من مشاعر القلق والخوف، باعتبار أن إعلانه فى مستهل العام الجديد، يمثل سحبا من رصيد التفاؤل الذى تمنيناه لذلك العام، أدرى ان أكثر من 700 شخص سبق أن تم التحفظ على أموالهم، بعد الحكم بحظر أنشطة جماعة الإخوان، إلا أن القرار الأخير أعلن فى أعقاب صدور حكم آخر يحظر تحالف دعم الشرعية. وإذ تمت الخطوتان تنفيذا لقرار محكمة القضاء المستعجل التى لا ولاية لها فى الموضوع، ناهيك عن ان شرط الاستعجال ذاته لم يكن قائما. إلا أن القائمة الأخيرة «تفوقت» على الأولى من عدة زوايا منها ما يلى:
• المستهدفون منها لم يكونوا من الإخوان فقط ولكنهم وصفوا بأنهم قيادات فى تحالف دعم الشرعية الذى ضم تسعة أحزاب مختلفة تضامنت مع الإخوان. وكان لافتا أن ضمت قائمة القيادات العلامة الدكتور يوسف القرضاوى (89 سنة) واثنين من الشبان عمر كل منهما 19 سنة. أحدهما طالب فى المنوفية اسمه سيد نبيل خيرى عبدالعزيز ومبرمج كمبيوتر فى القليوبية اسمه عاطف عبدالحى طه. ولا اعرف كيف اعتبر الاخيران قياديين فى التحالف المذكور.
• ضمت القائمة أشخاصا لا علاقة لهم بالإخوان ولا بالتحالف، إذ منهم من كان عضوا فى حركة 6 أبريل، ومنهم من هم أعضاء فى مجموعة الاشتراكيين الثوريين. ومنهم أشخاص لم يعرف لأى منهم أى انتماء سياسى (مثل الناقد الرياضى علاء صادق والدكتور محمد الجوادى طبيب القلب).
• لم يكن هناك تفسير لضم هؤلاء إلى قائمة المتحفظ على أموالهم سوى أنهم من المعارضين السياسيين، علما بأن بعضهم ينتسبون عمليا إلى حزب الواقفين على باب الله، الذين لا يملكون مالا يذكر، لكن غاية ما امتلكوه ألسنة ربما طالت بعض الشىء فى نقد النظام وحناجر ربما هتفت ضده، وهو ما دفع البعض إلى التندر على القرار فى تعليقات حفلت بها مواقع التواصل الاجتماعى، فمن قائل ان أحدهم قدم «ممتلكاته» التى تنحصر فى علبة سجائر و«ولاعة» إلى اللجنة المختصة للتحفظ عليها. وقائل ان الدولة ستقدم قروضا إلى المعذورين منهم لتنفيذ القرار. وتساءل ثالث عن امكانية التقسيط فى اخضاع الأموال للتحفظ..إلخ.
• الذى لا يقل خطورة عما سبق ان قرار التحفظ على أموال المجموعة الأولى يفترض انه صدر تنفيذا لحكم محكمة الأمور المستعجلة التى قضت بحظر جماعة الإخوان والتحفظ على أموالها. شكلت لجنة خاصة لتلك المهمة أصدرت قرارها بالتحفظ على أموال السبعمائة شخص إلى جانب نحو 1200 جمعية ومدرسة. أما فى الحالة الأخيرة فإن حكمها، الخاص بحظر تحالف دعم الشرعية لم ينص على مصادرة أموال الأحزاب المنخرطة فيه. مع ذلك فقد أصدرت اللجنة ذاتها قرار التحفظ على أموال الـ112 شخصا دون أن تكون مخولة فى ذلك.
حين يدقق المرء فى تفاصيل المشهد فسوف يكتشف أن حلقاتها كلها تمت خارج القانون. فلا محكمة الأمور المستعجلة مختصة بالنظر فى الموضوع. ولا شرط الاستعجال متوافر. ولا الحكم الصادر صحيحا لأنه فصل فى أصل الموضوع فى حين ان ذلك محظور فى ذلك النوع من القضاء. كما ان اللجنة التى شكلتها وزارة العدل لإدارة أموال الإخوان غير قانونية (انظر جريدة «الشروق» عدد الخميس 8 يناير). وحتى إذا كانت قانونية فهى ليست مخولة فى التحفظ على أموال أعضاء التحالف، ناهيك عن بعض الذين أدرجوا ضمن القائمة لا علاقة لهم بالتحالف المذكور.
هذا السياق يكشف عن الوجه المقلق والمخيف فيما جرى، ذلك انه لا يدع مجالا للشك فى اننا أمام إجراء أمنى أريد به تهديد المعارضين والتنكيل بهم، وكان القضاء هو الأداة التى استخدمت لتحقيق ذلك الهدف، ذلك ان قانون الإجراءات الجنائية ينص فى مادته 208 مكرر (أ) على ان النيابة إذا قدرت ان الأمر يقتضى اتخاذ تدابير تحافظ على أموال المتهم، بما فى ذلك منعه من التصرف فيها أو إدارتها، وجب عليها ان تعرض الأمر على المحكمة الجنائية المختصة طالبة الحكم بذلك.. وللنائب العام عند الضرورة أو فى حالة الاستعجال ان يأمر مؤقتا بمنع المتهم أو زوجته من التصرف فى أموالهم أو إدارتها.. وفى جميع الأحوال يتعين على النائب العام ان يعرض أمر المنع على المحكمة الجنائية المختصة خلال سبعة أيام على الأكثر لإصدار حكمها فى ذلك وإلا اعتبر الأمر كأن لم يكن.
هذه الخطوات التى قررها القانون أهدرت جميعها فى الحالة التى بين أيدينا. بل أزعم ان ما تم استلهم قانون الأحكام العرفية الذى ألغى بأكثر مما التزم بقانون الإجراءات الجنائية. ذلك ان المادة الثالثة من قانون الأحكام العرفية وحدها التى أطلقت يد سلطة الحاكم العسكرى فى «الاستيلاء المؤقت على وسائل النقل أو على أى منشأة أو مؤسسة عامة أو خاصة أو على أى محل أو أى عقار أو منقول». ورغم أن الاستيلاء المشار إليه يعنى نقل الملكية وهو ما يختلف عن التحفظ الذى يكتفى بإدارة الأموال وليس مصادرتها لصالح الدولة، إلا أن التطابق حاصل فى مبدأ إطلاق يد السلطة فى اتخاذ الإجراءات دون التزام بضوابط القانون وإجراءاته، وللأسف فإن ذلك الاستلهام له سابقة ترجح كفته فى الحالة التى نحن بصددها، تمثلت السابقة فى تعديل القانون لكى يسمح بالإبقاء على فترة الحبس الاحتياطى مفتوحة لأجل غير مسمى، وليس لفترة محدودة كما كان فى الأصل القانونى، وكان ذلك غطاء للاعتقالات المفتوحة التى سمح بها قانون الطوارئ الذى ألغى اسمه وبقيت قيوده واستثناءاته.
ان المرء لا يستطيع أن يخفى شعوره بالتشاؤم والأسى حين يجد ان الذين نهبوا البلد وأذلوها فى عهد مبارك لم يتم التحفظ على أموالهم وممتلكاتهم التى بقيت فى الحفظ والصون طول الوقت. لكن التحفظ بما استصحبه من تنكيل وخراب للبيوت صار سلاحا استخدم فى مناوشات الصراع السياسى وجولاته، هل هذا هو «المجتمع المدنى» الذى وعدنا به؟.