فهمي هويدي
أخبار الفصل النهائى لطلاب الجامعات أصبحت تنشر يوميا فى الصحف المصرية. فى الأسبوع الماضى قرأنا أن الجامعة البريطانية فصلت 11 طالبا. فى النصف الثانى من الأسبوع (يوم 11/11) نشرت جريدة الشروق تصريحا منسوبا لنائب رئيس جامعة الأزهر ذكر فيه أنه تم التصديق على فصل 50 طالبا. «الأهرام» ذكرت أن من المفصولين 26 من جامعة الأزهر وعشرة من جامعة القاهرة. فى ١٢ / ١١ نقلت الأهرام عن رئيس جامعة الأزهر قوله إنه تم فصل ٢٣ طالبا وإن التحقيق جارٍ مع ٦٢ آخرين. التقدير المتداول أن عشرة طلاب على الأقل أصبحوا يفصلون من جامعاتهم بسبب اتهامهم بإثارة الشغب. وحسب مرصد «طلاب الحرية» فإن الذين تم فصلهم فى ظل الوضع المستجد وحتى اليوم العاشر من شهر نوفمبر الحالى (2014) عددهم 830 طالبا وطالبة. وأن الذين تم اعتقالهم من الحرم الجامعى 658 طالبا، أما الذين قتلوا فى المظاهرات فعددهم 208 والمعتقلون 1512. وهذه الأرقام غطت المرحلة من 3 يوليو 2013 حتى بداية شهر أكتوبر 2014.
صحيح أن وضع الذين فصلوا أقل سوءا من مصير أقرانهم الذين قتلوا أو اعتقلوا. صحيح أيضا أن المشكلة متعددة الأوجه. أن ليس معروفا ما إذا كان هؤلاء كلهم من طلاب الإخوان أم لهم انتماءات أخرى. ثم إننا لا نعرف طبيعة الأفعال التى نسبت إليهم. فضلا عن أنه لا تتوافر لدينا فرصة للتدقيق فى تلك الأرقام لتأكيدها أو تصويبها. لكن ذلك لا يصادر الفكرة التى تلح علىّ كلما قرأت أخبارا عن الفصل النهائى للطلاب، الذى لا يحرمهم فقط من مواصلة دراستهم فى كلياتهم، ولكنه يحرمهم من مواصلة التعليم الجامعى كله. بمعنى أنهم لا يجوز لهم الالتحاق بأى جامعة أخرى فى داخل مصر. وهو يعنى أيضا أن الجامعات حين تلفظهم فإنها تلقى بهم إلى الشارع. وتغلق طريق المستقبل أمامهم. وفى هذه الحالة فإنها لا تعاقبهم فى حقيقة الأمر وإنما تقتلهم أدبيا ومعنويا وتشردهم وتنكل بهم فى الوقت ذاته.
السؤال الذى يبرز فى هذه الحالة كالتالى: ما الذى نتوقعه من أولئك الشبان المفصولين؟ وما هى الخيارات المتاحة أمامهم؟ ـ بعضهم قد يصاب بالاكتئاب وبعضهم قد يحاول البحث عن أمل خارج البلاد فيسعى إليه بالهجرة المشروعة أو غير المشروعة إذا ما مكنته ظروفه من ذلك. لكن الذى لا شك فيه أن نسبة غير قليلة منهم ستصبح مسكونة بالسخط والغضب، وجاهزة للانتقام وممارسة العنف. وهو تقدير إذا صح فهو يعنى أن هذا النوع من الفصل المفرط فى القسوة يرشح عناصر جديدة للجماعات الإرهابية، من حيث إنه يحول المفصولين إلى قنابل موقوتة لديها أسباب كافية للانفجار فى وجه السلطة والمجتمع. ولئن ظن الذين يصدرون قرارات الفصل هذه أنهم بذلك يهدئون من التوتر فى الجامعات فربما كان ذلك صحيحا، لكن المؤكد أنهم بما فعلوه ينقلون التوتر من الجامعات ويقومون بتصديره مضاعفا إلى المجتمع.
ليس عندى دفاع عن ممارسات أولئك الطلاب، وأستطيع أن أتصور الأسباب التى تبرر عقابهم خصوصا فى الأجواء الراهنة بمصر، لكن ملاحظتى الأساسية تنصب على أسلوب العقاب ومداه. وأفهم من حيث المبدأ أن الجامعة حين تعاقب طلابها أيا كانت انتماءاتهم السياسية، فإنها تتعامل معهم باعتبارهم «مشاغبين» وليسوا مجرمين. وأن مدير الجامعة ومجلسها الذى يضم أكاديميين من ذوى الدرجات الرفيعة، هؤلاء ينظرون إلى الطلاب باعتبارهم أبناء وليسوا أعداء. وفى كل الأحوال فإن العقاب الذى يوقعونه على الطلاب المشاغبين يستهدف تأديبهم وتقويمهم وليس القضاء على مستقبلهم وإعدامهم.
هذه الأمور التى تبدو بديهية لا نكاد نرى لها أثرا فى سلوك بعض القيادات الجامعية التى يبدو أنهم آثروا أن يتحولوا إلى أذرع للبطش والتنكيل وأن ينخرطوا ضمن كتائب الإعدام السياسى والمعنوى. وهم فى ذلك أغمضوا أعينهم عن عواقب سياسة القضاء على مستقبل الشباب ودفعهم إلى الالتحاق بجماعات الإرهاب والعنف. وإذا ما حدث ذلك لا قدر الله، فإن هؤلاء الذين ألقوا بهم إلى الشارع وأغلقوا أبواب الأمل فى وجوههم ينبغى أن يحاسبوا يوما ما، لأن هؤلاء الشبان سيكونون ضحايا ومجنيا عليهم. فى حين أن الجناة الحقيقيين سيكونون أولئك الذين دفعوهم إلى ذلك ولم يتركوا لهم خيارا آخر.
إن الآباء والمربين، بل حتى المسئولين الواعين الحريصين على احتواء الشباب وكسب ثقتهم يتصرفون على نحو مختلف تماما مع «المشاغبين». فهم يتفاعلون ولا يسحقون أو يقتلون، ويشدون الآذان إذا لزم الأمر ولا يضربون الأعناق. والعقاب إذا كان ضروريا فإنه يبدأ بالإنذار وقد يتطور إلى الحرمان من حضور المحاضرات لبعض الوقت، أو الحرمان من دخول امتحانات الفصل الدراسى أو منعهم من دخول امتحانات نهاية العام، وقد يفصل «المشاغب» لسنة أو سنتين. وقد تكون العقوبة القصوى أن يفصل من الكلية ويتاح له أن يلتحق بكلية أخرى بديلة. كل ذلك إذا لم يكن الطالب قد ارتكب جريمة يعاقب عليها القانون.
أما أن يبدأ العقاب بالفصل النهائى الذى ينفذ حكم الإعدام على مستقبل الطالب أو الطالبة فيحرمهما من مواصلة التعليم فى جامعته أو فى أى جامعة مصرية أخرى، فهو مما لا يصدر عن الآباء والمربين، وإنما يصدره أناس لهم صفات أخرى مختلفة تماما لا علاقة لها بالأبوة أو التربية أو حتى بالحكمة والرشد. وهم فى ذلك لا يقتلون الأمل عند الشباب ويضيعون مستقبلهم فحسب، ولا يشيعون الخوف والخنوع والانكسار بين زملائهم فحسب، وإنما هم أيضا يشوهون صورة النظام القائم ويضيفون إلى سجله صفحات تشينه ولا تشرفه.