بقلم فهمي هويدي
خبر نهاية الأسبوع أن الحرب الأهلية الدائرة على أرض مصر دخلت فى طور جديد. إذ أعلنت وكالة الأنباء الرسمية يوم الخميس ٣/١٧ أنه تقرر منع أربعة من أبرز الحقوقيين من التصرف فى أموالهم وممتلكاتهم. بعدما قررت السلطة إعادة فتح ملف قضية المساعدات الأجنبية التى أثيرت منذ خمس سنوات، لملاحقة منظمات المجتمع المدنى التى تسبب لها صداعا مستمرا وإزعاجا مزمنا، الأربعة الذين شملهم القرار هم الأساتذة نجاد البرعى رئيس المجموعة المتحدة وجمال عيد مدير الشبكة العربية لحقوق الإنسان، وعايدة سيف الدولة خبيرة مركز النديم لتأهيل ضحايا التعذيب، وحسام بهجت أحد مؤسسى موقع «صدى مصر». وليس معلوما ما إذا كانت تلك المجموعة تمثل «الوجبة الأولى» من النشطاء المستهدفين وستتبعها وجبات أخرى، أم إنه سيكتفى بهذه «العينة» لتوجيه رسالة التهديد والوعيد لنظرائهم. لكن الثابت أن جهود التحرش بأمثال هؤلاء النشطاء برزت خلال الأشهر الأخيرة، سواء من خلال المنع من السفر «ما حدث مع جمال عيد وحسام بهجت وعمر حاذق» أو بمداهمة مقرات المنظمات والمواقع «راديو حريتنا ــ مؤسسة صدى ــ تاون هاوس ــ الأمة نيوز» أو بتلفيق القضايا «نجاد البرعى، وجهت إليه ستة اتهامات بسبب دعوته لوضع تشريع يمنع التعذيب.
أيضا ليس معروفا السبب وراء تحريك القضية الآن..رغم أن ملف قضية التمويل الأجنبى مفتوح منذ عام ٢٠١١. كما أنه ليس معلوما الطرف الذى استدعى الملف هذه الأيام لأن النشطاء يتحدثون عن تعدد الاجهزة السيادية والتنافس أو الصراع بينها وبذات القدر ليس واضحا ما إذا كان فتح تلك الجبهة له علاقة بقرار البرلمان الأوروبى «فى ٣/١٠» الذى أدان سجل مصر فى مجال حقوق الإنسان ودعا إلى مقاطعتها، لكن التزامن بين الحدثين يثير السؤال.
رغم تعدد الأسئلة التى يثيرها الموضوع، إلا أن هناك أمرين ثابتين هما:
* إن القضية الحقيقية ليست فى الشكوك التى يثيرها التمويل الأجنبى، لأن فى مصر عدة مؤسسات بحثية ومنابر إعلامية يعرف الجميع أنها تعتمد بالكامل على التمويل الأجنبى، ولكن أنشطتها مرضى عليها ومشمولة بالتشجيع والرعاية لأنها تؤدى دورا فى خدمة النظام. إنما القضية والمشكلة تكمن فى طبيعة الأنشطة التى تمارسها المنظمات الحقوقية، المستقلة خصوصا فى مجال توثيق الانتهاكات أو الدفاع عن الحريات العامة ومناهضة التعذيب. بما يعنى أنها تكشف ما يراد إخفاؤه وتفضح ما يراد ستره.
* إن المستهدف ليس المنظمات الحقوقية وحدها، ولكنه حراك المجتمع المدنى الذى يراد إخضاعه لسيطرة النظام وتأميم أنشطته بحيث لا تتجاوز الحدود المرسومة من قبل أجهزة التوجيه المعنوى. وذلك هو التفسير الوحيد لاحتجاز باحث حر مثل إسماعيل الإسكندرانى وتوجيه الاتهام لباحث آخر هو حسام بهجت الذى منع من السفر وشمله القرار الأخير بمنع التصرف فى الأموال والممتلكات، وبعد هندسة مجلس النواب وإخراجه بالعَوَار الذى نلمسه. فإن سياسة استمرار الاحتواء والترويض اقتضت تقليم أظاهر المجتمع المدنى لإلحاقه بالسلطة. وتوجيه مثل هذه الضربات يحقق الهدف المطلوب.
إننا إذا حاولنا أن نستعرض الجبهات التى تحارب عليها الأجهزة الأمنية فى الوقت الراهن سنلاحظ أنه إلى جانب المعركة ضد الإرهاب التى لاتزال لها ذيولها فى سيناء فإنها مدت أذرعها نحو السياسيين الذين شكلوا تجمعا بدعوى الدفاع عن الشرعية ثم انتقلت إلى تصفية الذين تصدوا للدفاع عن استقلال القضاء وفضحوا تزوير الانتخابات. ودخلت بعد ذلك فى مواجهة مع ثوار ٢٥ يناير وحركة ٦ أبريل ونقابة الأطباء والمحامين واتحاد طلاب الجامعات وحملة الماجستير والدكتوراه والرافضين لقانون الخدمة المدنية. وذلك غير إضرابات العمال فى أكثر من موقع، وحملات وقف الاختفاء القسرى وحظر التعذيب ومنع المحاكمات العسكرية وإنقاذ ضحايا سجن العقرب.... إلخ.
اتساع الجبهات على هذا النحو وإعادة إحياء قضية منظمات المجتمع المدنى بعد خمس سنوات من فتح ملفها. لا يعنى سوى استمرار أجواء التوتر وإشغال السلطة والأجهزة الإعلامية والرأى العام بتفاصيل تلك الحروب، وأثر ذلك لا ينكر على استقرار المجتمع وأمنه. كما أن صداه السلبى فى الخارج له انعكاساته الطبيعية على حركة السياحة وانكماش الاستثمار الأجنبى، فى الوقت ذاته فإن المرء لا يستطيع أن يخفى دهشته إزاء مفارقة استمرار التصعيد فى مواجهة حركة المجتمع فى الداخل، بالتوازى مع مؤشرات التهدئة والدفء الذى يلوح فى علاقات مصر مع اسرائىل، العدو الاستراتيجى للأمة والتهديد الأكبر للأمن القومى المصرى.
أما الأكثر مثارا للدهشة فإن جبهات الحروب الداخلية التى تتسع حينا بعد حين محورها حماية النظام وليس الدولة، بمعنى أنها لا علاقة لها بمعركة التقدم والتنمية. وإزاء استمرار تلك السياسة واتجاه مؤشراتها إلى التصعيد فلم يعد السؤال هو متى تنتهى تلك المعارك، ولكنه أصبح على من يحل الدور فى الاستهداف؟