توقيت القاهرة المحلي 21:13:57 آخر تحديث
  مصر اليوم -

فى وداع زمن البذخ

  مصر اليوم -

فى وداع زمن البذخ

فهمي هويدي

نقرأ هذه الأيام لغة جديدة فى عناوين الصحف السعودية. فعبارات مثل ترشيد الإنفاق وتنويع مصادر الدخل والإصلاح الاقتصادى والهيكلى قد تبدو غريبة وربما ملتبسة لدى القارئ العادى الذى تشكل إدراكه فى ظلال زمن الوفرة الذى غاب عند الحذر فى الإنفاق. إلا أن ذلك اليقين بدأ يهتز منذ بداية العام الحالى. حين تراجعت أسعار النفط بشكل ملحوظ. وكان الظن أن الأمور ستنصلح فى النصف الثانى من العام. إلا أن التوقعات خيبت الظنون، بحيث استمر تراجع الأسعار مما أشاع جوا من القلق والخوف. إذ فى حين كان سعر برميل النفط فى شهر يناير الماضى يتراوح ما بين ٧٣ و٧٥ دولارا. فإنه فى أوائل شهر ديسمبر وصل إلى ما يتراوح بين ٣٣ و٣٦ دولارا. بما يعنى أن سعر البرميل الواحد تراجع بما يعادل ٤٠ دولارا خلال السنة. وهو ما دفع البعض إلى وصفها بأنه «عام أسود»، وكان طبيعيا أن يستصحب ذلك تراجعا فى التفاؤل وتشاؤما مما يمكن أن يأتى به العام الجديد.

بسبب الانخفاض الذى خيب آمال المنتجين فإن الدول النفطية، خسرت خلال العام ما يعادل ٥٠٠ مليار دولار، طبقا لتقدير صندوق النقد الدولى الذى أعلن فى ٢٧/١٢. إلا أن صحيفة «الحياة اللندنية نشرت فى اليوم ذاته تقريرا ذكر أنه إزاء تراجع أسعار النفط إلى معدل لم تبلغه منذ ١١ عاما، فإن الدول والشركات المنتجة التى تعتمد فى دخلها على ضخ نحو ٣٥ بليون برميل سنويا فى الأسواق تحملت خسائر فى «العام الأسود» قاربت ١.٤ تريليون دولار. وبإضافة خسائر المستثمرين فى أسهم شركات الطاقة التى قاربت ٧٠٠ بليون دولار، فإن ذلك يعنى أن خسائر المنتجين والمستثمرين تصبح تريليونى دولار على مدى العام. وهو رقم مهول لابد أن يكون له آثاره السلبية على حركة الاقتصاد العالمى.

لأن مصائب قوم عند قوم فوائد فإن أكبر المستفيدين من التدهور الحاصل فى أسعار النفط هى الدول التى تعتمد على الطاقة المستوردة (على رأسها الصين والهند) إضافة إلى دول منظمة التنمية والتعاون الاقتصادى. إلا أن الأضرار ستكون من نصيب الدول المنتجة والدول المعتمدة على مساعدات الدول الأخيرة. الأمر الذى لابد أن يكون له صداه على مشروعات التنمية وتدفقات العمالة والتحويلات النقدية التى تقدر بنحو ٢١ مليار دولار من دول الخليج وحدها.

هذه الخلفية تكمن وراء لغة الترشيد التى ظهرت فى الخطاب الجديد وأبرزتها الصحف السعودية، وكانت لها أصداؤها فى وسائل الإعلام الخليجية الأخرى. أغلب الدول المنتجة لم تدخل مرحلة الأزمة، لأن لديها احتياطات وفيرة تغطى احتياجاتها فى الأجل المنظور (احتياطى السعودية يتجاوز ٧٠٠ مليار دولار والإمارات ٨٧ مليارا وقطر ٤٦.٥ مليار والجزائر ١٨٥ مليارا)، ولذلك فإن تأثير انخفاض أسعار النفط على اقتصادها ومشروعات التنمية فيها سيظل محدودا ومحتملا، إلا أن أيديها لن تظل مبسوطة كما كانت وطموحاتها ستعود إلى التحرك على الأرض، بدلا من التحليق فى الفضاء. ومن الطبيعى فى هذه الحالة أن يكون الأثر الأكبر المترتب على انخفاض الأسعار من نصيب الإنفاق الخارجى المتمثل فى المساعدات التى تقدمها الدول النفطية للدول الأخرى.

ميزانية المملكة العربية السعودية التى أعلنت يوم الاثنين الماضى ٢٨/١٢ عكست الوضع الجديد. إذ أعلن أن ثمة عجزا فى الموازنة بلغ ٩٨ مليار دولار (فى وقت سابق نشر أن المملكة سحبت ٨٠ مليار دولار من الاحتياطى). وذكر أن الملك سلمان بن عبدالعزيز وجه مجلس الشئون الاقتصادية والتنمية لوضع برنامج للإصلاحات الاقتصادية والمالية الشاملة لترشيد التعامل مع الموقف المستجد. فى الوقت ذاته أصدر مجلس الوزراء قرارا بتعديل أسعار الطاقة والمياه والصرف الصحى بما يتوافق مع الأسعار العالمية كما قرر وضع خطة متكاملة لترشيد استهلاك منتجات الطاقة والمياه. ومثل هذه الإجراءات لا تنفرد بها المملكة لكنها تمثل توجها عاما فى بقية دول الخليج النفطية التى تأثرت مداخيلها بانخفاض أسعار النفط إلى النصف تقريبا.

إذا كان لذلك التراجع من فضيلة فإنه يعد جرس إنذار ينبه إلى محاذير الاعتماد فى الدخل العام على مصدر واحد قابل للنضوب وخارج عن السيطرة. وهو ذات المحظور الذى تقع فيه كل دولة تعول على مصدر خارجى للدخل مثل القروض والمعونات أو حتى السياحة الأجنبية. ذلك أن تلك كلها مصادر مؤقتة ينبغى لها ألا تحجب العنصر الأهم المتمثل فى إعطاء الأولوية للإنتاج المحلى الذى تقدمه سواعد أبناء الوطن. على أن يكون كل ما عدا ذلك عنصرا مساعدا ومكملا، يشجع ويرحب به فى تلك الحدود.

إذا سمع جرس الإنذار جيدا. وحقق مراده فى الإيقاظ والتنبيه والترشيد فإن ما نراه أزمة يمكن أن يصبح فرصة. وتظل العبرة معقودة على تسلم الرسالة واستيعاب فحواها، بحيث لا يظل خطاب الترشيد مقصورا على عناوين الصحف، وإنما يترجم إلى واقع يرجى أن يقدم فيه أولو الأمر النموذج ويضربون المثل الذى يحتذى. قولوا إن شاء الله.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

فى وداع زمن البذخ فى وداع زمن البذخ



GMT 08:48 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

بيت من زجاج

GMT 08:46 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

إدارة ترامب والبعد الصيني – الإيراني لحرب أوكرانيا...

GMT 08:45 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ترمب ومشروع تغيير المنطقة

GMT 08:44 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ماذا جرى في «المدينة على الجبل»؟

GMT 08:34 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

طبيبة في عيادة «الترند»!

GMT 08:33 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

الشعوذة الصحافية

GMT 08:32 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ولاية ترمب الثانية: التحديات القادمة

GMT 08:31 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

من الرياض... التزامات السلام المشروط

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 00:04 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يعرب عن دعمه للأفلام الفلسطينية واللبنانية
  مصر اليوم - حسين فهمي يعرب عن دعمه للأفلام الفلسطينية واللبنانية

GMT 11:43 2024 السبت ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

تامر حسني يدعو لتبني طفل عبقري

GMT 14:33 2024 السبت ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

الملكة رانيا العبدالله تستمتع بوقتها مع حفيدتها

GMT 07:55 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتقاضى 634 ألف دولار يومياً مع النصر السعودي

GMT 09:37 2024 الخميس ,10 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار السيارات الكهربائية في طريقها لتراجع كبير

GMT 01:56 2018 الأحد ,07 تشرين الأول / أكتوبر

التعليم.. والسيارة ربع النقل!

GMT 05:08 2024 الأربعاء ,21 آب / أغسطس

مرشح رئاسي معتدل ينتقد سياسة الحجاب في إيران

GMT 05:33 2021 الأحد ,26 كانون الأول / ديسمبر

جالطة سراي يخطر الزمالك بتفعيل بند شراء مصطفى محمد

GMT 03:52 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تدريس الرياضيات يحسّن من مستوى الطلبة؟
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon