توقيت القاهرة المحلي 20:55:35 آخر تحديث
  مصر اليوم -

قبل القرارات المؤلمة

  مصر اليوم -

قبل القرارات المؤلمة

فهمي هويدي

أهم عناوين الأسبوع المصرى أن ثمة إجراءات اقتصادية مؤلمة قادمة فى الطريق. على الأقل فذلك ما ذكره رئيس الوزراء إلى رؤساء تحرير الصحف حين دعاهم قبل أيام قليلة ليقوموا بما عليهم فى نقل الصورة إلى الرأى العام. وهذه الرسالة لم تكن مفاجئة تماما، لأن الرئيس السيسى ألمح إليها قبله. حين تحدث عن أسعار المياه وما تتحمله الدولة لإيصالها إلى الناس بالأسعار الحالية، الأمر الذى فهم منه أن ثمة اتجاها لزيادتها.

ليست معلومة تفصيلات الإجراءات المؤلمة لكنها لن تخرج فى الأغلب عن أحد أمرين، إما زيادة فى أسعار بعض السلع، أو الحد من استيراد البعض الاخر لتوفير العملات الصعبة التى شحت مواردها. وفى الحالتين هناك شق اقتصادى له أهله القادرون على مناقشة صواب الإجراءات وجدواها، وهو ما لست مؤهلا للخوض فيه. وهناك شق آخر يتعلق بالملابسات والسياسات العامة مفتوح للرأى والاجتهاد، الأمر الذى يسوغ لمثلى ولغيرى أن يدلى بدلوه فيه. الأمر الذى يشجعنى على إبداء الملاحظات التالية:

< إن الملف برمته يفتقد إلى الشفافية من البداية، ليس فقط لأن الإجراءات المؤلمة التى أعلن عنها بدت غامضة حتى على الاقتصاديين أهل الخبرة، ولكن أيضا لأن مخاطبة الرأى العام باتت لا تتم إلا عند الضرورة، فضلا عن أن المصارحة لا تتم فى العادة إلا من جانب واحد. فلا أحد يعرف مثلا أين ذهبت عشرات المليارات من الدولارات التى قدمتها بعض دول الخليج. (فى مصر يتحدثون عن ٣٠ مليارا وفى الخليج يقولون إنها تجاوزت ٥٠ مليارا). ثم اننا لاحظنا أن أسعار البنزين رفعت حين ارتفعت أسعار النفط، لكنها حين انخفضت إلى النصف فإن الأسعار التى رفعت فى الداخل ظلت كما هى، فلا عرفنا ما جرى فى الموضوع الأول ولا فهمنا الحاصل فى الثانى.

< من حق الناس أيضا أن يتساءلوا: طالما ان شواهد الأزمة الاقتصادية ليست مفاجئة، وموارد العملة الأجنبية شحت بسبب توقف السياحة وتراجع المستثمرين، فلماذا كانت المغامرة بالدخول فى دائرة المشروعات العملاقة التى تكلفت مليارات، مثل شق تفريعة قناة السويس ومشروع العاصمة الإدارية غير المبررة وإقامة المحطة النووية فى الضبعة.

< ليس مفهوما المنطق وراء فصل الاقتصاد عن السياسة، وتصور ان عجلة الاقتصاد يمكن ان تدور وان المستثمرين يمكن ان يتوافدوا فى غيبة الانفراج السياسى واستمرار الاعتقالات العشوائية والتعذيب والاختفاء القسرى والشكوك المثارة حول ضمانات العدالة والحريات العامة. ذلك أننا لا نستطيع مثلا ان نواصل الشكوى من احجام المستثمرين والنقص فى العملات الصعبة، طالما ظلت تلك العوامل مستمرة فى تخويفهم وتحولهم إلى بلدان أخرى فى الإقليم.

< إن ثمة قلقا فى الداخل من الحديث المستمر الذى يسمعه الناس عن الأزمة المالية فى حين يرون بأعينهم مظاهر للبذخ والسخاء غير مبررة، سواء فى المواكب الامبراطورية، أو الأبنية الفاخرة التى تقام لبعض المقرات السيادية أو فى أحجام وفود التهليل المسافرة أو فى العطايا التى تقدم بغير حساب لبعض الأطراف فى المناسبات المختلفة.

< إن أحد العوامل المطلوب توفرها لضمان استجابة الرأى العام وتعزيز الثقة فى الخطاب الرسمى الموجه أن تتوفر للناس القدوة التى تجسد الدعوة وتضرب المثل المطلوب احتذاؤه، وهو ما يتعارض مع المبالغة فى مظاهر الأبهة التى يظن البعض أنها تعيد للدولة هيبتها، فى حين أنها تسحب من رصيد الثقة فى خطاب رموزها.

< لا تفوت على الباحث ملاحظة أن خطاب التشجيع والجذب موجه إلى المستثمرين فى الخارج. فى حين أن المنتجين فى الداخل لا يلقون ما يستحقونه من عناية. الأمر الذى يتجاهل حقيقة بديهية فى عالم الاقتصاد خلاصتها ان قوة الداخل هى أكبر حافز لاستدعاء الخارج.

< إن المواطن الذى يطالب بدفع ضريبة الأزمة وان يتحمل نصيبه منها ينبغى أن يشعر ليس فقط بأن عليه واجب الإسهام فى مواجهة الأعباء، وإنما ينبغى أن يقتنع أيضا بأن حقوقه مصانة، خصوصا حقه فى الكرامة والتمتع بالحد الأدنى من الإنسانية، من خلال توفير احتياجاته الأساسية أو فى تعامله مع مرافق الدولة ومؤسساتها، الأمنية منها بوجه أخص.

< إننى أخشى أن يكون الإيلام فى الإجراءات الاقتصادية المنتظرة من نصيب الفقراء ومتوسطى الحال، وليس من نصيب القادرين الذين لا يزعجهم كثيرا ارتفاع الأسعار. ذلك ان التجربة أثبتت أن الغلاء حين يحل فإنه يضرب الجميع بلا استثناء ويكون غير القادرين هم ضحاياه الحقيقيون، ولدى خبراء الاقتصاد الذين أعرف بعضهم آراء متعددة فى كيفية تجنيب غير القادرين التأثر بنتائج الإجراءات المؤلمة، منها عدم زيادة الرواتب الكبيرة أو فرض الضريبة التصاعدية أو غير ذلك. وكلامهم يستحق أن يسمع ويناقش فى كل الأحوال.

هذا كلام غير مختص بالاقتصاد، ولست فى شك أن أهل الاختصاص لديهم ما هو أهم وأنفع، لذلك أتمنى أن تسمع آراؤهم قبل اتخاذ القرارات المؤلمة وليس بعد إعلانها.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

قبل القرارات المؤلمة قبل القرارات المؤلمة



GMT 15:22 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

الفشل الأكبر هو الاستبداد

GMT 15:21 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

حافظ وليس بشار

GMT 15:17 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

سلامة وسوريا... ليت قومي يعلمون

GMT 15:06 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

التسويف المبغوض... والفعل الطيِّب

GMT 15:05 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

نُسخة مَزيدة ومُنَقّحة في دمشق

GMT 15:03 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

الشهية الكولونيالية

GMT 15:01 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

البحث عن الهوية!

GMT 13:05 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

عودة ديليسبس!

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 04:08 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

أوستن يبحث مع نظيره الإسرائيلي الأحداث في سوريا

GMT 10:04 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

بلينكن يطالب بتأمين أي مخزونات للأسلحة الكيميائية في سوريا

GMT 05:32 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

العملة المشفرة بتكوين تسجل مئة ألف دولار للمرة الأولى

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 20:31 2018 الأحد ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

التعادل السلبى يحسم مباراة تشيلسي وايفرتون

GMT 04:44 2018 الأربعاء ,19 أيلول / سبتمبر

رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان يصل إلى السعودية

GMT 11:41 2018 الثلاثاء ,17 تموز / يوليو

شيرين رضا تكشف سعادتها بنجاح "لدينا أقوال أخرى"

GMT 09:36 2018 الأحد ,01 تموز / يوليو

دراسة تنفي وجود "مهبل طبيعي" لدى النساء
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon