توقيت القاهرة المحلي 20:55:35 آخر تحديث
  مصر اليوم -

قمع على الهوية

  مصر اليوم -

قمع على الهوية

فهمي هويدي

إذا ما صارت اللحية أو النقاب سببا للاشتباه ومصدرا للشك والاتهام، فإننا نصبح على بعد خطوة واحدة من الإسلاموفوبيا. وهى الحالة التى فى ظلها تعد بعض مظاهر التدين عند المسلمين خطرا يبعث على الخوف ويهدد الأمن، وهو ما يرشح مصر للانضمام إلى دول القمع والقهر على الهوية. صحيح أن ذلك المنطوق لا يخلو من مبالغة وغلو، إلا أننى لم أستطع أن أكتمه بعد الذى قرأته فى صحف الخميس الماضى ١٠/١٢ واعبرته مقدمة لهذا الذى ذكرت. فقد وقعت فى صحيفتى «الوطن» و«المصرى اليوم» الصادرتين يومذاك على خبر مفاده أن وزارة التربية والتعليم أصدرت تعليمات مشددة إلى جميع مديريات التعليم بضرورة حصر أسماء المعلمين الملتحين، والمعلمات المنتقبات، بحيث يحدد اسم كل منهم ورقمه القومى ومحل إقامته إلى جانب طبيعة العمل الذى يؤديه. «للتحرى عنهم أمنيا من جانب أجهزة وزارة الداخلية واستبعاد المتشددين منهم»، حسبما ذكرت جريدة «الوطن» التى نقلت عن مسئول بالإدارة المركزية للأمن بالتعليم قوله إن وزير التربية والتعليم أصدر تعليمات «واضحة وصريحة» باستبعاد أى من المعلمين، والمعلمات التى يثبت تورطهم فى نشر أفكار متطرفة خلال عملهم. باستبعادهم عن تدريس مناهج الوزارات. (لاحظ أن الخبر أشار فى بدايته إلى استبعاد المتشددين، وفى موضع آخر تحدث عن استبعاد من يثبت تورطهم فى نشر أفكار متطرفة خلال عملهم).

جريدة «المصرى اليوم» أكدت الخبر وأضافت فى التفاصيل أمرين. الأول كان تبريرا ساذجا ومضحكا نقل عن مدير إدارة الأمن بمديرية التعليم بمحافظة القليوبية قوله إن الإحصاء الذى يجرى فى هذا الصدد «عادى» والهدف منه استكمال قاعدة البيانات، ولا يخص السياسة (!) ـ الأمر الثانى أن المسئول الأمنى ذكر أن تحويل أمثال هؤلاء المعلمين أو المعلمات بعيدا عن التدريس ونقلهم إلى أعمال إدارية تم فى محافظات الجيزة والشرقية والقليوبية، بعدما أثبتت التحريات الأمنية أنهم ينتمون إلى جماعات متطرفة.

اعترف بأننى لم أصدق الخبر حين قرأته لأول مرة، فأعدت قراءته مرة ثانية ثم طابقته على ما نشر فى هذه الصحيفة وتلك، ولم أصدق مضمونه إلا حين وجدت الكلام منسوبا إلى مسئولين فى وزارة التربية والتعليم، الأمر الذى دفعنى إلى ترجيح صحته. وهو ما يسوغ لى إيراد عدة ملاحظات هى:

* إننا لم نلحظ همَّة ولا نشاطا يذكر لوزير التربية والتعليم فى مجال النهوض بالتعليم أو رفع كفاءة المدرسين أو توفير احتياجات المدارس. وبدا من الواضح أن الجهد الأمنى فى الوزارة بات متقدما على الجهد التعليمى. ووجود إدارة مركزية للأمن داخل الوزارة من القرائن الدالة على ذلك.

* إن هذا الاتجاه يعنى أن تقييم المدرسين، والمدرسات لم يعد يقاس بكفاءة كل منهم وتفوقه فى عمله، ولكن الاعتبار الأهم بات موجها حول مظهره وزيه (اللحية والنقاب)، الأمر الذى يعيد إلى الأذهان فكرة «القمع على الهوية».

* إنه ربما كان مفهوما أن تتخذ الإجراءات بحق النشطاء المنتسبين إلى الإخوان بسبب الصراع السياسى القائم، لكن الحاصل أن الدائرة اتسعت بمضى الوقت بحيث شملت بقية المنتسبين إلى الجماعات الإسلامية، وبهذا التطور الأخير فإن إجراءات الإبعاد والإقصاء استهدفت جميع المتدينين الذين يطلقون لحاهم أو اللاتى ينتقبن اقتناعا بآراء موجودة فى بعض مجتمعات المسلمين.

* إن هذا الإجراء حتى إذا اقتنعنا بالحاجة إليه يعبر عن درجة ملفتة للنظر من الكسل الأمنى. إذ بدلا من البدء بملاحظة الأفراد ومراقبة المشكوك فيهم أو التثبت من تورطهم فى نشر الأفكار المتطرفة، فإن الجهاز الأمنى أصبح يستسهل إقصاء كل ملتحٍ أو منتقبة بلا استثناء، أخذا بالأحوط!

* إذا اعتبرت اللحية أو النقاب مصدرا للشك والاشتباه فلا نعرف متى يمكن أن تتسع الهستيريا لتشمل «الزبيبة» على الجبهة أو الحجاب، الأمر الذى يفتح الباب واسعا للادعاء وتوسيع دائرة الاتهام بحيث تشمل كل من ظهرت عليه علامات التدين فى وظائف الدولة الأخرى.

* حين يتزامن ذلك الإجراء مع حالة العداء للإسلام التى تروج لها الاتجاهات اليمينية فى أوروبا والولايات المتحدة فإنه يعد عنصرا مشجعا لممارساتهم التى باتت تحارب المساجد، وتلاحق المحجبات فى الشوارع وتعاقب المنتقبات. إذ من حق هؤلاء أن يستشهدوا بما يحدث فى مصر لتبرير تلك الممارسات. وسيكونون معذورين فى ذلك لا ريب.

* ثم ألا يفتح ذلك الباب للحساسية والتندر، حين يقال إن المدرسين المسلمين وحدهم المحظور عليهم إطلاق لحاهم. حتى إذا كانوا يقومون بتدريس اللغة العربية والدين، فى حين أن القسس العاملين فى المدارس التابعة للكنائس وحدهم الذين يباح لهم ذلك؟
ليست المشكلة فى اللحية والنقاب لأن ماهو أهم وأخطر من الاثنين هو تغول العقلية الأمنية وتحويل أجهزة الدولة إلى أذرع للمؤسسة الأمنية، ناهيك عن أنها باتت تلجأ إلى إجراءات بطش غير مبررة وتتعامل مع القضايا الشائكة بنهج يفتقد إلى المهارة والرصانة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

قمع على الهوية قمع على الهوية



GMT 15:22 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

الفشل الأكبر هو الاستبداد

GMT 15:21 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

حافظ وليس بشار

GMT 15:17 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

سلامة وسوريا... ليت قومي يعلمون

GMT 15:06 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

التسويف المبغوض... والفعل الطيِّب

GMT 15:05 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

نُسخة مَزيدة ومُنَقّحة في دمشق

GMT 15:03 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

الشهية الكولونيالية

GMT 15:01 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

البحث عن الهوية!

GMT 13:05 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

عودة ديليسبس!

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 04:08 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

أوستن يبحث مع نظيره الإسرائيلي الأحداث في سوريا

GMT 10:04 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

بلينكن يطالب بتأمين أي مخزونات للأسلحة الكيميائية في سوريا

GMT 05:32 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

العملة المشفرة بتكوين تسجل مئة ألف دولار للمرة الأولى

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 20:31 2018 الأحد ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

التعادل السلبى يحسم مباراة تشيلسي وايفرتون

GMT 04:44 2018 الأربعاء ,19 أيلول / سبتمبر

رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان يصل إلى السعودية

GMT 11:41 2018 الثلاثاء ,17 تموز / يوليو

شيرين رضا تكشف سعادتها بنجاح "لدينا أقوال أخرى"

GMT 09:36 2018 الأحد ,01 تموز / يوليو

دراسة تنفي وجود "مهبل طبيعي" لدى النساء
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon