توقيت القاهرة المحلي 15:56:07 آخر تحديث
  مصر اليوم -

كارثة النوم فى العسل

  مصر اليوم -

كارثة النوم فى العسل

فهمي هويدي

موجة الحر الخانق التى ضربت مصر قبل عشرة أيام لم تكن لسعة طارئة كما ظننا. وزوالها ليس سببا كافيا للاطمئنان وراحة البال. ذلك أنها كانت ضمن رسائل الإنذار التى تنبهنا إلى شىء ما يتغير فى المناخ ويمكن أن يكون كارثيا إذا لم يأخذه الجميع على محمل الجد، بحيث يتحسبون للبلاء قبل وقوعه. وهذا التغير ليس مقصورا على الارتفاع غير العادى فى درجات الحرارة، لكنه يستصحب معه كارثة أخرى تلوح فى الأفق، تتمثل فى احتمالات الدخول فى عصر العطش الذى يرشح العالم العربى، ومنطقة الخليج بوجه أخص. ليكونوا فى مقدمة ضحاياه.

فى شهر يوليو الماضى اعتبرت منطقة الشرق الأوسط أسخن بقاع العالم. إذ ذكرت صحيفة «يو اس ايه توداى» فى ٣١ يوليو أن درجة الحرارة فى مدينة بندر ماهشهر الإيرانية القريبة من منطقة الخليج وصلت إلى ٥٢ درجة مئوية. وكانت تلك واحدة من أعلى درجات الحرارة المسجلة فى التاريخ، واعتبرها الخبراء من أعلى درجات الحرارة المسجلة حول العالم. كذلك أثار ارتفاع درجات الحرارة أزمة حادة فى العراق. ذلك أن الحكومة أعلنت عن فشلها فى توفير الهواء المكيف للناس. ولامتصاص غضبهم، فإن رئيس الوزراء اتخذ عدة قرارات إصلاحية مهمة، فألغى منصب نائب رئيس الحكومة واتخذ عدة إجراءات لمكافحة الفساد. وأصبحت العطلة أربعة أيام فى الأسبوع لتقليل أوقات تعرض الناس للشمس واضطرارهم إلى الخروج من منازلهم. حتى منازل الوزراء التى كان التيار الكهربائى يتوافر فيها على مدى الساعة لتشغيل المكيفات. حرمت من ذلك الامتياز. وهو ما لم يكن كافيا لتهدئة الناس وامتصاص غضبهم، لذلك خرجت المظاهرات الاحتجاجية إلى الشوارع، التى نسى فيها الجميع صراعاتهم ومراراتهم، حتى تهديدات تنظيم داعش نسوها كما ذكرت مجلة «تايم»، فى حين صب المتظاهرون الذين كانوا بالآلاف سخطهم وغضبهم على عجز الحكومة وفشلها وفساد رجالها.

ارتفاع درجات الحرارة ليس التعبير الوحيد عن التغيرات المناخية. لأن إيران مثلا تعانى من انحسار واحدة من أكبر البحيرات المالحة فى العالم «بحيرة أروميه» التى تراجعت مساحتها بنسبة تجاوزت ٨٠٪ خلال السنوات العشر الماضية بسبب تلك التغيرات إضافة إلى أسباب أخرى، مثل توسيع نطاق الرى للمزارع المحيطة وبناء السدود على الأنهار، التى تغذى جسم البحيرة.

مما ذكرته دراسة أجرتها عام ٢٠١١ الإدارة الوطنية الأمريكية للمحيطات والغلاف الجوى أن ثمة أدلة قوية على تراجع نسبة تساقط الأمطار خلال فصل الشتاء فى المناطق المطلة على البحر الأبيض المتوسط والشرق الأوسط خلال الفترة بين عامى ١٩٧١ و٢٠١٠ وذلك بسبب التغيرات المناخية. لذلك فإن تلك المنطقة عانت فى العشرين سنة الأخيرة من أشد فصول الشتاء جفافا على نحو لم تعرفه منذ عام ١٩٠٢، أى منذ بداية القرن الماضى.

اعتمدت فى المعلومات السابق ذكرها على مضمون مقالة لتوماس فريدمان محرر صحيفة نيويورك تايمز، ونشرتها جريدة الشرق الأوسط فى ٢١/٨ الحالى. ثم وجدت أن ما ذهب إليه الكاتب لم يختلف عن الخلاصات التى انتهى إليها الباحثون فى المعهد العالمى للموارد المائية. فيما صدر عن اجتماعهم فى لشبونة وإسبانيا، ونقلته وكالة رويترز فى ٢٧ أغسطس الحالى. إذ صنف أولئك الباحثون الشرق الأوسط باعتباره أكثر مناطق العالم افتقارا إلى الأمن المائى. وتوقعوا بعد تصنيفهم ١٦٧ دولة من حيث توافر المياه أن تواجه ١٣ دولة فى الشرق الأوسط إضافة إلى الأراضى الفلسطينية أزمة خانقة فى المياه خلال ٢٥ سنة قادمة. وحددوا ثمانى دول من بين العشر الأول عالميا المرشحة لتلك الأزمات هى: البحرين والكويت وقطر والإمارات والسعودية وسلطنة عمان وإسرائيل. وعزت تلك الأزمة إلى ندرة المسطحات المائية واشتداد الطلب على المياه.

قالت مديرة البرنامج العالمى للمياه بالمعهد بيتسى أوتو إن حكومات المنطقة يجب أن تتفهم الأخطار المحتملة وأن ترتب أمورها بناء على ذلك. وضربت المثل بسنغافورة التى استخدمت أساليب مبتكرة فى هذا الصدد. وأشارت فى ذلك إلى أن أزمة المياه لن تكون مقصورة على استخداماتها ولكنها ستؤثر بالتالى على إمكانية توفير الغذاء لشعوب المنطقة.

النقطة المهمة التى أثارها خبراء المعهد الدولى واتفق معهم فيها المعلق الأمريكى توماس فريدمان هى أن أزمة المياه يمكن أن تفتح الباب لاضطرابات سياسية تعانى منها الدول المتضررة. لأن ذلك يؤدى إلى إفقار المجتمعات وزيادة الهجرات الداخلية. وذكر فريدمان فى هذا السياق أن الثورة السورية سبقتها أربع سنوات من الجفاف دفعت مليونا من المزارعين والرعاة إلى الهجرة من قراهم إلى المدن. وهؤلاء عجزت حكومة دمشق عن مساعدتهم، مما ساعد على تأجيج الثورة.

لا أكاد أرى أحدا فى مصر مشغولا بالموضوع على خطورته. خصوصا أن ثمة تهديدا ماثلا تحت أعيننا لا يعرف حجمه يلوح فى الأفق، يمثله سد النهضة الإثيوبى الذى يفترض أن يكتمل بناؤه فى عام ٢٠١٧. وليس هناك اتفاق على طبيعة المخاطر أو الأضرار التى ستهدد مصر بسببه. ومن الخبراء المصريين من يبالغ فى تلك الأخطار ومنهم من يهون من شأنها. وكل ما نعرفه أن الخلافات مستمرة بين المكاتب الاستشارية التى تتولى دراسة الجوانب المختلفة للمشروع. ومن أولئك الخبراء من يرى أن استمرار الخلافات يراد به كسب الوقت وتمكين الإثيوبيين من فرض الأمر الواقع على الجميع فى النهاية. لا أتفق مع المثل المصرى الشائع الذى يقول أحينى اليوم وأمتنى غدا. وحتى إذا فهمناه فيما خص الأفراد فإنه لا ينبغى تنزيله على حالة الشعوب لأنه يعد دعوة مبطنة إلى الانتحار. وذلك ما لا ينبغى السكوت عليه، لأن المصائر لا تحتمل النوم فى العسل.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كارثة النوم فى العسل كارثة النوم فى العسل



GMT 15:28 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

حماية المريض والطبيب بالحوار

GMT 15:26 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

نفس عميق!

GMT 15:25 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

الأزهر لا سواه لها

GMT 15:24 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

أُسطورةُ فى جباليا!

GMT 15:23 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

شركاء فى الجريمة

GMT 07:13 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

علاقات بشار التي قضت عليه

GMT 07:12 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

«في قبضة الماضي»

GMT 07:11 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

كَذَا فلْيكُنِ الشّعرُ وإلَّا فلَا!

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 15:49 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

شيرين عبد الوهاب تعود لإحياء الحفلات في مصر بعد غياب
  مصر اليوم - شيرين عبد الوهاب تعود لإحياء الحفلات في مصر بعد غياب

GMT 19:21 2021 الأحد ,10 كانون الثاني / يناير

برشلونة يحتفل بذكرى تتويج ميسي بالكرة الذهبية عام 2010

GMT 11:32 2020 الجمعة ,25 كانون الأول / ديسمبر

دبي تهدي كريستيانو رونالدو رقم سيارة مميز

GMT 04:41 2020 الخميس ,24 كانون الأول / ديسمبر

وزارة الصحة الروسية تسمح بتغيير نظام اختبار لقاح "Sputnik V"

GMT 21:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

أول تعليق من نيمار بعد قرعة دوري أبطال أوروبا

GMT 06:29 2020 السبت ,17 تشرين الأول / أكتوبر

حمادة هلال يهنئ مصطفي قمر علي افتتاح مطعمه الجديد

GMT 07:23 2020 الجمعة ,16 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الجبس في مصر اليوم الجمعة 16 تشرين أول /أكتوبر 2020
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon