توقيت القاهرة المحلي 20:55:35 آخر تحديث
  مصر اليوم -

كما يكون نظامكم

  مصر اليوم -

كما يكون نظامكم

فهمي هويدي

حين فوجئ المصريون بالممارسات العبثية التى شهدها مجلس النواب فى أسبوعه الأول وظهرت حملة الانتقادات والتندر على مواقع التواصل الاجتماعى، جاء الرد التبريرى سريعا فى وسائل الإعلام. فقرأنا أن ذلك اختيار الشعب وهو مسئول عن اختياره. وقالت إحدى الزميلات إن المجلس بكل ما فيه يشبهنا تماما. وترددت فى عدة كتابات البعض مقولة «كما تكونوا يولى عليكم»، التى قدمت باعتبارها حديثا نبويا يحمل الشعب المسئولية عن أداء الذين يحكمونه. لست فى وارد استعراض الانتقادات لأنها متوافرة بكثرة على مختلف المواقع، لكن ما أثار انتباهى فى الأصداء أمران، الأول أن الذين برروا للمجلس ودافعوا عنه اعتبروه تهمة حرصوا على درئها، أو عورة سعوا إلى تغطيتها. الأمر الثانى أنهم ألقوا بالكرة فى ملعب المجتمع، بمعنى أنهم أرادوا أن يقولوا لنا بأنه هو الذى أفرز هذه التشكيلة أو النماذج التى ينتقدها الناس أو يتندرون عليها. وبالتالى فعلينا أن نلوم أنفسنا قبل غيرنا.
المكتوب يقرأ من عنوانه. كان ذلك تعليق أحد الأصدقاء على رأى دعوت فيه إلى التمهل فى إصدار الحكم على المجلس، وفضلت أن ننتظر فى التقييم إلى ما بعد مرحلة الإجراءات والدخول فى مباشرة المهمة. إلا أن محدثى أفحمنى حينما قال إن عنوان المكتوب الذى لم يكن مبشرا كان كافيا، ثم إن خلفيات العملية التى أفاضت وسائل الإعلام فى الكشف عن تفاصيلها لا تشجع على التفاؤل بدور إيجابى للمجلس، حيث لن نحصل على ثمار من جنس آخر مختلفة عن البذور التى زرعت.
لأننى مازلت عند رأيى الداعى إلى الانتظار، إلا أننى وجدت أن ثمة تغليطا وتدليسا فى التبرير الذى جرى تسويفه لتحميل المجتمع بالمسئولية عن الصورة التى ظهر بها المجلس. بوجه أخص حين استخدمت فى هذا الصدد مقولة «كما تكونوا يولى عليكم». إذ كنت فى وقت سابق أقول إن ذلك الكلام يصح حينما يكون أولو الأمر قد جاءوا إلى مواقعهم من خلال الاختيار الحر للناس. أما إذا لم تكن تلك الحرية متوافرة فلا ينبغى أن نتهم الناس ونحملهم أوزار أولئك المسئولين. وإذ مازلت أرى صواب ذلك التحليل، إلا أننى حين بحثت فى أصل المقولة التى تقدم باعتبارها حديثا نبويا، وجدت أنه لا أصل شرعيا لها. ذلك أن المحدثين وأهل العلم أما أنهم يعتبرونها حديثا ضعيفا لا يعول عليه، أو أنه حديث موضوع لم تثبت نسبته إلى الرسول (صلى الله عليه وسلم). وإلى جانب ضعف النسب، فإن الخبرة العملية أثبتت فساد مضمون المقولة، لأن مجتمعات المسلمين على مدى تاريخها عرفت حكاما أشرارا وظلمة فى بعض المراحل، كما عرفت بعدهم حكاما أخيارا فى المراحل ذاتها. أعنى أن المجتمع الواحد عرف الاثنين، ولم يكن ذلك راجعا إلى متغير فى طبائع الناس وإنما كان ذلك أوثق صلة بطبائع الحكام وآليات توليهم للسلطة.
الأمر الآخر الذى يتجاهله البعض ان المجلس جرى ترتيبه وهندسة توجيهه بواسطة أجهزة الدولة. وبين أيدينا الآن عديد من الشهادات التى تروى تفاصيل هذه العملية، بعضها فصل فى الاجتماعات التى عقدت لهذا الغرض داخل مقار بعض الأجهزة. والبعض الآخر كان بمثابة اعترافات من جانب بعض أعضاء المجلس روت كيف أن ترشيحهم أو التحاقهم ببعض الائتلافات التى تشكلت لم يكن اختيارا من جانبهم، ولكنه كان استجابة لما طلب منهم. لا أستطيع أن أعمم لأن بعض النواب كانوا ممثلين حقيقيين لدوائرهم الانتخابية وليس لأى جهة أخرى. لكن أحدا لا يستطيع أن ينكر أن عددا غير قليل من النواب والائتلافات كانت انتخاب الأجهزة قبل انتخاب قواعدهم. ولا يحتاج الباحث لأن يبذل جهدا كبيرا للتحقق من ذلك فما نشرته الصحف اليومية فيه الكفاية، وما حفلت به مواقع التواصل الاجتماعى متجاوز لحد الكفاية.
ما أريد أن أقوله إن القوى المؤثرة فى البرلمان، التى تهيمن على الأغلبية فيه تمثل الإدارة السياسية بأكثر مما تمثل المجتمع. من ثم فأداؤها يصلح لتقييم موقف ورؤية أجهزة السلطة بأكثر ما يعول عليه فى الحكم على المجتمع. لذلك أزعم بأن إلغاء تسميته بأنه مجلس الشعب كان قرارا صائبا وموفقا، إذ إن اعتباره الآن مجلسا للنواب لا يعنى بالضرورة أنه يمثل الشعب، وإنما يتسع لاحتمال نيابته عن السلطة أيضا. وهو الاحتمال الأصوب والأكثر دقة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كما يكون نظامكم كما يكون نظامكم



GMT 15:22 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

الفشل الأكبر هو الاستبداد

GMT 15:21 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

حافظ وليس بشار

GMT 15:17 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

سلامة وسوريا... ليت قومي يعلمون

GMT 15:06 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

التسويف المبغوض... والفعل الطيِّب

GMT 15:05 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

نُسخة مَزيدة ومُنَقّحة في دمشق

GMT 15:03 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

الشهية الكولونيالية

GMT 15:01 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

البحث عن الهوية!

GMT 13:05 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

عودة ديليسبس!

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 04:08 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

أوستن يبحث مع نظيره الإسرائيلي الأحداث في سوريا

GMT 10:04 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

بلينكن يطالب بتأمين أي مخزونات للأسلحة الكيميائية في سوريا

GMT 05:32 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

العملة المشفرة بتكوين تسجل مئة ألف دولار للمرة الأولى

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 20:31 2018 الأحد ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

التعادل السلبى يحسم مباراة تشيلسي وايفرتون

GMT 04:44 2018 الأربعاء ,19 أيلول / سبتمبر

رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان يصل إلى السعودية

GMT 11:41 2018 الثلاثاء ,17 تموز / يوليو

شيرين رضا تكشف سعادتها بنجاح "لدينا أقوال أخرى"

GMT 09:36 2018 الأحد ,01 تموز / يوليو

دراسة تنفي وجود "مهبل طبيعي" لدى النساء
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon