فهمي هويدي
من أخبار الصفحة الأولى لجريدة «الحياة» اللندنية أمس أن مصر اقترحت عقد مؤتمر لأطراف الأزمة العراقية. وهو ما أشار إليه بيان رسمى صدر عن زيارة وزير الخارجية المصرى سامح شكرى لبغداد تحدث عن أهمية عقد ذلك المؤتمر «لاعادة اللحمة الوطنية والوفاق بين أبناء الشعب العراقى لمواجهة التهديدات الخطيرة لأمنه ووحدة أراضيه». وكان الوزير المصرى سامح شكرى قد وصل إلى العاصمة العراقية يوم الجمعة، والتقى رئيس الوزراء نورى المالكى ونائبه المكلف بمهام وزارة الخارجية حسين الشهرستانى. ولم تكن هذه المرة الأولى التى يثار فيها دور مصر فى مصالحة الدول الشقيقة. لأن وزير الخارجية عرض نفس الفكرة بخصوص ليبيا فى الحوار الذى نشرته له صحيفة الأهرام يوم الجمعة 11/7.
حدث الدور المصرى لاستعادة اللحمة الوطنية لدى الاقطار الشقيقة، الأمر الذى يدعونى إلى اقتراح القيام بنفس الدور وتجربة الوصفة فى مصر. ليس فقط لأهميته فى تحقيق الاستقرار وتوفير ظروف أفضل للانطلاق نحو المستقبل. ولكن أيضا لتقديم نموذج عملى يقنع الدول المجاورة بأهمية وجدوى تماسك اللحمة الوطنية وتحقيق الوفاق بين أبناء الوطن الواحد.
إن مصر المنقسمة والمنشغلة بحربها الأهلية الداخلية منذ عام تقريبا لن تستطيع أن تؤدى الدور العربى الذى تطمح إليه وبيتها من زجاج. ولا أعرف ماذا سيكون رد الأطراف الأخرى الذين يتلقون رسالتها، لكننى لا أشك فى أنهم لن يأخذوا نصائحها على محمل الجد، وربما تندروا بينهم وبين أنفسهم وقالوا: لماذا لا تبدأ مصر بنفسها قبل ان تعظنا فى أهمية الوفاق وضرورة استعادة اللحمة الوطنية.
أدرى أن البعض فى مصر ينقلون دفن رءوسهم فى الرمال، وانكار وجود الأزمة أو حدوث الانقسام. فى حين ان العالم المحيط بنا لا يتحدث إلا عن مصر المنقسمة. صحيح أن أغلب الدول المحيطة قبلت بالوضع المستجد ولم تتردد فى إقامة علاقات طبيعية معه، إلا أن ذلك لم يغير كثيرا من رؤية المنظمات الدولية والحقوقية فضلا عن الطبقة السياسية سواء فى الاتحاد الأوروبى أو الويلات المتحدة للشروخ التى تعترى الوضع السياسى فى مصر، وأبرزها افتقاده إلى الوئام والوفاق.
مشكلة الانكار هذه ليست مقصورة على دوائر القرار السياسى، ولكن الغريب فى الأمر انها ملحوظة أيضا فى محيط النخبة ودوائر المثقفين المهيمنين على منابر الخطاب العام، وقد أصبح هؤلاء مشاركين فى التعبئة والتحريض وتعميق الانقسام. صحيح أن ثمة انتباها ويقظة مشهودة لخطورة استمرار الانكار، وان هناك درجات متفاوتة من الافاقة والادراك لمقتضيات المصلحة الوطنية لدى بعض عناصر النخبة، إلا أن هؤلاء يظلون افرادا يغردون خارج السرب ولم يشكلوا تيارا بعينه، لان أغلب منابر التعبير ومواقعه لا تزال حكرا على دعاة الانكار الحريصين على استمرار الانقسام.
أذكِّر فى هذا الصدد بنتائج استطلاع مركز «بيو» الأمريكى للدراسات التى أعلنت فى شهر مايو الماضى. وكانت كاشفة لمدى انقسام الرأى فى مصر حول عديد من العناوين والملفات الأمر الذى يقدم صورة للواقع المصرى مختلفة تماما عن تلك التى تروج لها الأبواق والمنابر الإعلامية فى مصر، ولولا أن المركز يتمتع بسمعة عالمية شهدت لباحثيه بالرصانة والصدقية فى الرصد والتنبؤ، كما استوقفتنا النتائج التى توصل إليها، وكنت قد أشرت فى مقام سابق إلى النتائج التى توصل إليها، إلا أننى أجد أن استحضارها فى السياق الذى نحن بصدده له أهميته، لانها تسلط ضوءا قويا على جانب من الأزمة يحرص كثيرون على تجاهله لأنه يدحض دعاواهم.
لقد ذكر خبراء المركز أن مؤيدى الرئيس عبدالفتاح السيسى 54٪ فى مصر، وان 56٪ ينظرون إلى دور الجيش بشكل ايجابى فى حين أن 41٪ اعتبروا دوره ايجابيا. ذكر الاستطلاع أيضا أن 54٪ يؤيدون عزل الجيش للدكتور محمد مرسى و43٪ يرفضون ما قام به الجيش. بيّن أيضا ان 63٪ ينظرون إلى الإخوان نظرة سلبية، فى حين أن 37٪ ينظرون إليهم نظرة ايجابية ــ من الملاحظات المهمة التى أوردها الباحثون ان 56٪ من العينة يحتفظون بنظرة ايجابية إلى الجيش، مقابل 73٪ فى عام 2013، الأمر الذى يعنى أن ثمة تراجعا فى النظر بنسبة 17٪.
رغم ان هذه النتائج ليست قرآنا منزلا، ولكنها قابلة للمناقشة، إلا أن أهم ما فيها انها تبرز حقيقة التباينات الموجودة فى المجتمع المصرى، وترد مزاعم دعاة الانكار الذين يروجون لفكرة الاجماع الشعبى فى المواقف إزاء مختلف عناوين الشأن الداخلى. بالتالى فهى شهادة تثبت ان ذلك ليس صحيحا، وان مصر بحاجة لاستعادة اللحمة الوطنية، من خلال مؤتمر تمثل فيه اطراف الأزمة بصرف النظر عما إذا كنا نحبهم أو نكرههم، لأن مستقبل الوطن أهم بكثير من مستقبل هذا الطرف أو ذاك.