توقيت القاهرة المحلي 20:29:06 آخر تحديث
  مصر اليوم -

لغز الخروج المفاجئ

  مصر اليوم -

لغز الخروج المفاجئ

بقلم فهمي هويدي

أمران شغلا الإعلام الدولى فى المنطقة المحيطة بنا خلال الأسبوع الماضى. الأول دلالة الانسحاب الروسى الجزئى من سوريا والثانى إطلاق مشروع إقامة الفيدرالية الكردية على الحدود السورية المتاخمة لتركيا. الخبران فوجئ بهما الجميع، ولاتزال التعليقات والتحليلات تحاول سبر أغوار كل منهما والآثار المترتبة عليهما فى الخرائط الجديدة التى ترسم للمنطقة السياسية منها والجغرافية، وإلى الآن لم يتفق على تفسير مفاجأة الانسحاب الجزئى للقوات الروسية. إذ رغم أن هناك شبه اتفاق على إجابة السؤال: لماذا جاءوا، فإن السؤال التالى لماذا ذهبوا، حير الجميع الذين لايزالون يضربون أخماسا فى أسداس كى يعثروا على إجابة له تقنع الجميع. الشىء الوحيد الذى اتفقت عليه أغلب التحليلات ان ما فعله الرئيس الروسى فلاديمير بوتين أعاد تثبيت مكانته كلاعب مهم فى الساحة الدولية والشرق الأوسط بوجه أخص، كما أنه أعلن للجميع أن مصير سوريا (قلب العروبة النابض!) أصبح معلقا على قرار موسكو التى صار لها موطئ قدم راسخ فى سوريا (قاعدتها البحرية فى طرطوس والجوية فى حميميم).

فهمنا الأسباب التى دفعت الروس للقدوم، التى كان على رأسها انقاذ نظام الأسد من السقوط (وليس محاربة داعش كما قالوا) ورد موسكو على محاضرة الغرب لها ردا على مغامرتها فى أوكرانيا. أما الرحيل المفاجئ فقد تعددت بشأنه التأويلات. أحدها أشار إلى نجاح التفاهمات الروسية ــ الأمريكية حول ضرورة الانتقال إلى الحل السياسى ــ الثانى لوح بضغط موسكو على الأسد الذى عاندها فرفض فكرة الفيدرالية التى دعت إليها ولجأ إلى انتخابات تشريعية فى منتصف الشهر المقبل. الثالث ربط بين القرار وبين الأزمة الاقتصادية التى واجهتها روسيا بعد انخفاض أسعار النفط الذى أدى إلى خفض الموازنة العسكرية خصوصا أن تكلفة القوات الموجودة فى سوريا قدرت بثلاثة ملايين دولار يوميا. الرابع أرجع قلق الرئيس الروسى إلى توجسه من قرار الرئيس الأمريكى نشر قوات قتالية دائمة على طول دول البلطيق وأوروبا الشرقية المتاخمة للحدود الروسية... إلخ.

أسباب الرحيل المفاجئ ستتضح أكثر خلال الأسابيع المقبلة. لكن أصداءه وتداعياته تبلورت إلى حد كبير، أحدها وأهمها أن مصائر العالم العربى خرجت من يديه، بالتالى فإن القرار العربى لم ينتقل من دول الماء إلى دول النفط كما ادعى البعض، ولكنه انتقل بالكلية خارج المنطقة بأسرها. (ثمة كلام عن أن التفاهم الأمريكى ــ الروسى حول الملف السورى يمكن أن يشمل اليمن فى مرحلة لاحقة). أما الانتقال الأول المشار إليه فهو لم يغادر التجاذبات والصراعات المحلية التى تستمد القوة فيها من القدرات المالية وتستثمر فيها أجواء الفراغ السياسى المخيم.

إلى جانب ذلك فهناك أطراف فى المنطقة رحبت بالرحيل وأطراف أخرى أقلقها ذلك، إذ لا يشك أحد فى أن تركيا على رأس المرحبين، وإيران بدرجة أقل. وبعدهما السعودية ثم الأردن وداعش. ذلك أن الوجود الروسى المكثف أزعج الأتراك وقيد مشروعهم حركتهم، كما أنه تسبب فى توتير العلاقة بين أنقرة وموسكو خصوصا بعد إسقاط الأتراك للطائرة سوخرى. فضلا عن الوجود الروسى منع الأتراك من تنفيذ فكرة المنطقة الآمنة التى أرادت أن تقيمها داخل الحدود السورية المتاخمة لها.
السعودية أراحها الرحيل أيضا لأن الوجود الروسى أضعف الأمل فى إزاحة الرئيس الأسد طوال الأشهر الخمسة الماضية على الأقل، كما أنه أوقف تقدم قوى المعارضة السورية التى تؤيدها الرياض. إيران أراحها ما جرى أيضا لأن روسيا نافستها على الأراضى السورية ووضعت حدودا لحركة حزب الله. ثم إن التنسيق الإسرائيلى مع الروس سبب حرجا شديدا لها. أما الأردن فإن وجود الروس وغاراتهم على حدودها الشمالية سببت صداعا مستمرا لعمان التى ما تمنت أن تمتد شرارات المعارك إلى حدودها. وحل لها الرحيل الإشكال. أخيرا فمما لاشك فيه أن جماعة «داعش» كانت من المرحبين أيضا لأن الغارات الروسية قلصت نفوذهم وطموحاتهم واضطرتهم إلى الانسحاب إلى الجنوب السورى.

الذين أقلقهم الرحيل ثلاثة أطراف. الأول النظام السورى الذى خسر أحد داعميه الرئيسيين خصوصا أن وجود الروس جدد أمل النظام فى البقاء والاستمرار. الثانى إسرائيل التى اعتبرت أن الروس كانوا مصدر اطمئنان لهم، كما أنهم حالوا دون تمدد نفوذ إيران وحزب الله على الأراضى السورية. (الرئيس الإسرائيلى رويين ريفلين التقى بوتين فى موسكو للاتفاق على ترتيب الوضع على الأرض بعد الانسحاب الروسى). الطرف الثالث الذى أضير من الانسحاب هو أكراد سوريا الذى مكنهم الروس من التمدد على الحدود التركية لتأسيس فيدرالية شجعتها موسكو وأيدتها واشنطن، وشكل الطيران الروسى غطاء لهم افتقدوه.

ليس لدى العواصم العربية أى إجابة على السؤال: ماذا بعد، لأن «أهل الذكر» فى الموضوع باتوا موزعين بين موسكو وواشنطن. وما علينا إلا أن ننصت إلى الإذعان وتطالع الأخبار الواردة من العاصمتين فى صحف الصباح، مع ذلك فإننى لا أشك أن الإجابة الصحيحة الوحيدة التى يمكن اعتمادها تظل لدى الشعب السورى المدهش، الذى لم يتنازل عن حلمه رغم كل ما جرى طوال السنوات الخمس التى خلت.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لغز الخروج المفاجئ لغز الخروج المفاجئ



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 08:35 2024 الأحد ,22 أيلول / سبتمبر

دفاتر النكسة

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 07:41 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه
  مصر اليوم - ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه

GMT 13:01 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

شام الذهبي تعبر عن فخرها بوالدتها ومواقفها الوطنية

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مي عز الدين بطلة أمام آسر ياسين في رمضان 2025

GMT 15:39 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

"المركزي المصري" يتيح التحويل اللحظي للمصريين بالخارج

GMT 09:32 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

ليفربول يتواصل مع نجم برشلونة رافينيا لاستبداله بصلاح

GMT 20:53 2018 الأربعاء ,03 تشرين الأول / أكتوبر

أجاج يؤكد أن السيارات الكهربائية ستتفوق على فورمولا 1

GMT 06:59 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

مواعيد مباريات اليوم الاثنين 23 - 12 - 2024 والقنوات الناقلة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon