توقيت القاهرة المحلي 09:04:22 آخر تحديث
  مصر اليوم -

لماذا نلوم داعش؟

  مصر اليوم -

لماذا نلوم داعش

فهمي هويدي

هذا حدث فى مصر، باسم مكافحة الإرهاب وتحقيق الأمن الفكرى، وبعد إطلاق الدعوة إلى الثورة الدينية وتعالى الأصوات الداعية إلى التنوير. إذ شكلت إدارة الهرم التعليمية بمحافظة الجيزة لجنة من أربعة موظفين، لفحص محتويات مكتبة إحدى المدارس الخاصة (مدرسة فضل الحديثة). وبعدما قامت اللجنة بمهمتها وجدت أن بمكتبة المدرسة «بعض الكتب غير المطابقة للمواصفات، وليست مسجلة ضمن القائمة الوزارية. لذا أمر المدير التنفيذى باستبعادها وحذفها ووضعها فى صندوق وتشميعها». هكذا ذكر محضر الاستبعاد الصادر عن الإدارة التعليمية.

ولإنجاز المهمة على نحو أفضل، وإعمالا لشعار «الاستئصال والإبادة هما الحل» فإن المسئولين عن الإدارة التعليمية فضلوا إحراق الكتب فى فناء المدرسة المذكورة، أمام تلميذاتها. ومن ثم جاءوا بها إلى الفناء، واصطف بالقرب منها بعض المسئولين، بمديرية التعليم، ظهر منهم فى الصور المتداولة أربعة من الأساتذة «المربين» وثلاث نساء محجبات، وتأكيدا لمشاعرهم الوطنية فإنهم لم يفتهم أن يحملوا أربعة أعلام مصرية بأيديهم، فى حين ظهر فى الخلفية نموذج كبير للعلم المصرى. كما حرصوا على دعوة بعض الإعلاميين، وممثلى الفضائيات لتسجيل المشهد. وعلى مرأى من الجميع سكب الجاز على كومة الكتب، وأشعلت فيها النيران. وفى التعليق على ما جرى قالت إحدى «المربيات» ــ سيدة تتولى وكالة مديرية التعليم ــ قال موقع «البداية» إنها رشحت وزيرة للتعليم يوما ما ــ إن الكتب تروج لفكر جماعة الإخوان وتحرض على العنف ــ كما أن تداولها ممنوع لأن مؤلفيها إرهابيون يقيمون فى قطر.

ما تم إحراقه ٧٥ كتابا، من بين عناوينها ما يلى: الإسلام وأصول الحكم لعلى عبدالرازق ــ منهج الإصلاح الإسلامى للشيخ عبدالحليم محمود ــ جمال الدين الأفغانى للدكتور عثمان أمين ــ دستور أمة الإسلام للدكتور حسين مؤنس ــ مكانة القدس فى الإسلام للشيخ عبدالحميد السايح ــ مكانة المرأة فى الإسلام لمحمد عطية الإبراشى ــ أصول الحكم فى الإسلام لمحمد فريد وجدى ــ من التبعية للأصالة لأنور الجندى ــ وسطية الإسلام للشيخ محمد محمد المدنى. وهؤلاء جميعا من الأعلام والرموز الذين أثروا فى العقل المصرى العربى، وجميعهم لا علاقة لهم بالإخوان. ثم إنهم من الذين رحلوا عنا وانتقلوا إلى الدار الآخرة. ولم يذهبوا إلى قطر.

هناك كتب أخرى شملها الحظر والحرق، بعضها صادر عن المجلس القومى للمخدرات، وأحدها عن بونابرت فى مصر لمؤلفه كريستوفر هيرولد، وكتابان أحدهما عن البوسنة والهرسك، والثانى عن المسلمين فى آسيا الصغرى. وثلاثة كتب لصحفيين، هم: عبدالعال الحمامصى (أقلام فى موكب النور). رجب البنا (البحث عن المستقبل) ــ سمير رجب (للسياسة رجال) ــ هذا إلى جانب كتب أخرى بعضها عن الغزو الثقافى ودور المرأة وعالم الجن والشياطين، وافتراءات أعداء الإسلام والمشاهير، الذين أسلموا والأخلاق الإسلامية.. إلخ.

الخبر نشرته مع صورة حرق الكتب صحيفة «المصرى اليوم»، أمس ١٤/٤، تحت العنوان التالى: وزارة التعليم تحرق كتبا فى مدارس الإخوان. وتحته أوردت تصريح وكيلة مديرية التربية والتعليم السيدة بثينة كشك التى بررت به الإجراء وأضافت إلى ما سبقت الإشارة إليه قولها إن الكتب ممنوع تداولها فى مصر (وهذا غير صحيح)، وأنه تم الحصول على الموافقة الأمنية على إحراقها. وذكرت أنه كان يمكن الاكتفاء بالتحفظ عليها وتشميعها بالشمع الأحمر، لكن قرار الحرق اتخذ «لحماية الأطفال من غسيل المخ»، الذى كان يحدث فى هذه المدارس (الإخوانية).

لفت نظرى أن الجريدة نشرت الخبر وتبريره بغير تعليق، ودون إشارة إلى الكتب المهمة، التى ألفها علماء كبار ولقيت ذلك المصير البائس. إلا أن جريدة «التحرير» كان موقفها أفضل بكثير إذ ذكرت فى العناوين أن: محرقة كتب ابن رشد تتكرر فى مدرسة بالجيزة ــ إشعال النار فى مؤلفات شيخ الأزهر الأسبق وعلى عبدالرازق والسنهورى بدعوى حضها على العنف. وفى السطر الأول من الخبر وصفت الحدث بأنه «جريمة بشعة».

لا أخفى أننى لم أصدق الخبر حين طالعته أولاً فى موقع «البديل». وكذبت عيناى حين قرأت الوثائق المنشورة، ولم أجد مفرا من تصديقه حين وجدته منشورا ومدعما بالصور فى صحف أمس. إذ صدمتنى فكرة حرق الكتب من جانب نفر من المربين أمام طالبات المدرسة. واعتبرت التلويح بالعلم المصرى فى المشهد ابتذالاً وإهانة له. وخلصت إلى أن الحدث بمثابة وصمة عار فى جبين المرحلة التى نعيشها. خصوصا أن وراءه مسئولين فى وزارة التربية والتعليم وموافقة أمنية مسبقة ومباركة من بعض المنابر الإعلامية.

لم أستطع أن أبرىء وزير التربية والتعليم من المسئولية، وهو من سبق أن وافق بتحريض بعض الأكاديميين، والإعلاميين، على إدراج عقبة بن نافع وصلاح الدين الإيوبى فى القوائم السوداء، وأقر حذف أجزاء من سيرتهما من مناهج التعليم، لأن الأول ارتكب جريمة فتح أفريقيا، والثانى كانت جريمته أنه قام بطرد الصليبيين من ديار الإسلام. كما كانت جريمة مؤلفى الكتب التى أحرقت أنهم حاولوا شرح الإسلام ودافعوا عنه. وهو ما يعنى أن الاستقطاب والصراع دخل مرحلة العبث والجنون، الأمر الذى جعلنى أتساءل: إلى أين نحن ذاهبون؟ ولماذا نلوم «داعش» إذا كنا نفكر بعقلها ونستخدم نفس أساليبها؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لماذا نلوم داعش لماذا نلوم داعش



GMT 04:32 2024 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

ما قال... لا ما يقال

GMT 04:30 2024 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

وزن تأريخ الأردن في التوجيهي 4 علامات.. أيعقل هذا ؟!

GMT 04:27 2024 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

لكنّها الطائفيّة... أليس كذلك؟

GMT 04:24 2024 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

العلويون جزء من التنوّع الثقافي السوري

GMT 04:22 2024 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

سوريا والصراع على الإسلام

GMT 04:19 2024 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

عن الحيادِ والموضوعيةِ والأوطان

GMT 04:16 2024 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

أين يُباع الأمل؟

GMT 04:11 2024 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

الجميع مستعد للحوار

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 11:46 2024 السبت ,14 كانون الأول / ديسمبر

مبابي أفضل لاعب فرنسي في موسم 2023-2024 ويعادل كريم بنزيما

GMT 08:32 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024

GMT 09:07 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

GMT 09:32 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

إطلالات للمحجبات تناسب السفر

GMT 10:42 2018 الخميس ,19 إبريل / نيسان

بولندا خرقت القانون بقطع أشجار غابة بيالوفيزا

GMT 23:19 2018 السبت ,07 إبريل / نيسان

كلوب يحمل بشرى سارة بشأن محمد صلاح
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon