توقيت القاهرة المحلي 21:23:22 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ما لا يحدث عندنا

  مصر اليوم -

ما لا يحدث عندنا

فهمي هويدي

لم أصدق عيناى حين رأيت تسجيلا مصورا لعدد كبير من الأطفال الكنديين وهم ينشدون «طلع البدر علينا» ترحيبا بوصول أول مجموعة من المهاجرين السوريين إلى بلدهم. ولا صدقت أن رئيس الوزراء الجديد جاستن ترودو وقف بنفسه لاستقبالهم، فداعب الأطفال وحيا الأمهات بالمصافحة حينا وبوضع الكف على الصدر احتراما لمشاعر اللاتى يتحرجن من مصافحة الرجال فى حين آخر. كما أننى استغربت لافتات الترحيب التى استقبلتهم فى المطار حيث أشك كثيرا فى أنهم توقعوها. ولا اعرف ماذا كان شعورهم حين قوبلوا بتلك الحفاوة، فى حين أنهم هاربون من البراميل المتفجرة التى ألقتها عليهم حكومة بلادهم، إلى جانب أنهم لا يحملون ذكريات طيبة سواء لبعض البلاد العربية التى مروا بها، أو البلدان الأوروبية التى لفظتهم وعاملتهم كمجرمين أو منبوذين.

لم أنسِ ذلك الثرى الكندى الذى تبرع بمليون ونصف المليون دولار لاستضافة وإعاشة ٥٠ أسرة سورية فى ضواحى تورنتو، ولا قرينه الذى تبرع بتأثيث ١٢ شقة لإيواء اللاجئين فى فانكوفر، ولا العروسين اللذين ألغيا حفل زفافهما وقررا توجيه المبلغ الذى خصصاه لأجل تلك المناسبة لصالح تغطية نفقات أسرة سورية لاجئة.

هذه الأجواء التى لم تر لها مثيلا فى أى بلد عربى أو مسلم تبهرنا وتثير دهشتنا، وتدفعنا إلى مراجعة بعض انطباعاتنا عن تلك المجتمعات، بحيث نرى فيها وجها آخر يفيض بالمودة والنبل. بوجه أخص فقد استوقفتنى طويلا فكرة الكورال الذى ضم أكثر من مائة طفل وطفلة حين رددوا بعربية مكسرة أنشودة «طلع البدر علينا» التى تغنى بها أهل المدينة المنورة أثناء استقبالهم للنبى (صلى الله عليه وسلم) وصحبه بعدما هاجروا إليها من مكة. إذ حين تتردد الأنشودة فى استقبال الهاربين من سوريا إلى كندا فإن المعنى يصبح أخاذا وعميق الدلالة، ذلك أن الرسالة تتجاوز نبلا عبر عنه بعض الأفراد الخيرين لتصبح تعبيرا جميلا عن مشاعر الدولة والمجتمع.

لا أعرف إلى أى مدى تأثر رئيس الوزراء الكندى بموقف المستشارة الألمانية انجيلا ميركل. لكن الحديث فى الموضوع لا ينبغى أن يتجاهل شجاعة هذه السيدة ونزاهتها فى التعامل مع قضية اللاجئين. ذلك أنها أعلنت فى الصيف الماضى ما لم يعلنه زعيم عربى أو غربى. حين تفردت بموقف مغاير لكل السياسيين الأوروبيين وقالت إنها ستفتح حدود بلادها لإيواء اللاجئين الهاربين من الجحيم، الذين تنكر لهم الآخرون. وتحدَّت رموز اليمين الألمانى الذين اتهموها بالخيانة، وهددت بالعقاب أولئك الذين اعتدوا على بعض مراكز الإيواء، ووصفت سياسة المعارضين بأنها مخزية وخبيثة، من حيث إنها توجه إلى الآخرين رسائل الكراهية التى تتعارض مع ثقافة وقيم المجتمع الألمانى. لذلك أعلنت بشجاعة أنه «لا تسامح مع الذين ينتهكون كرامة الآخرين. ولا تسامح مع الذين ليس لديهم استعداد لمد يد العون لمن هم بحاجة إلى المساعدات الإنسانية والقانونية».

 وهو الموقف الذى فاجأ الجميع وأثار إعجابنا ودهشتنا، الأمر الذى دفعنى آنذاك إلى الدعوة لترشيحها لنيل جائزة نوبل للسلام، إلا أن مجلة «تايم» الأمريكية أنصفتها فى وقت لاحق واعتبرتها شخصية عام ٢٠١٥، «نظرا لوقوفها بحزم ضد الاستبداد وتقديمها نموذجا راسخا للقيادة الأخلاقية فى عالم تراجعت فيه تلك القيم».

أضم موقف حكومة السويد إلى سجل «ما لا يحدث عندنا»، ذلك أن رئيس وزرائها ستيفان لوفين كان الوحيد بين زعماء العالم العربى وغير العربى الذى أعلن أنه وفقا للقانون الدولى فإن الطعن بالسكين فى الأرض الفلسطينية المحتلة ليس إرهابا. وهو الموقف الذى لم يجرؤ محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية على الجهر به وكان السيد لوفين قد عبر عن ذلك الرأى فى رده على سؤال بهذا الخصوص وجه إليه فى مؤتمر صحفى. وحين أحدث تصريحه صدمة فى إسرائيل وفى بعض الدوائر السياسية الغربية فإنه اضطر فى يوم لاحق إلى صياغة إجابته على نحو آخر، حيث قال إنه من غير المعروف ما إذا كان الذين ينفذون عمليات الطعن بالسكاكين ينتمون إلى منظمات إرهابية، إلا أن عملية الطعن تعد إرهابا.

مع ذلك فإن التصريح الأول الذى عبر عنه الرجل بدا منسجما مع الموقف النزيه الذى تبنته حكومة السويد إزاء القضية الفلسطينية، وتجلى فى إعلانها الاعتراف بدولة فلسطين فى شهر أكتوبر من العام الماضى (٢٠١٤)، كما أن وزيرة الخارجية مارجوت والتروم أدانت علنا سلوك سلطة الاحتلال واتهمتها بالقيام بإعدامات ميدانية ضد منفذى عمليات الطعن دون ان تقدمهم للمحاكمة، ولا ينسى لها أنها الوحيدة التى ربطت فى وقت سابق بين العمليات الإرهابية التى وقعت فى باريس وبين التقاعس الذى يعطل حل القضية الفلسطينية وما يسببه من يأس وإحباط فى أوساط الشباب الفلسطينى، الأمر الذى استقبلته حكومة إسرائيل بهجوم عاصف وتنديد مرير.
إذا أراد قارئ أن يتذاكى ويسألنى لماذا يحدث كل ذلك عندهم ولا يحدث شىء منه عندنا، فلأننى واثق من أنه يعرف أكتفى بالرد عليه بكلمتين اثنتين هما: لا تعليق!

نقلاً عن "الشروق"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ما لا يحدث عندنا ما لا يحدث عندنا



GMT 08:48 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

بيت من زجاج

GMT 08:46 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

إدارة ترامب والبعد الصيني – الإيراني لحرب أوكرانيا...

GMT 08:45 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ترمب ومشروع تغيير المنطقة

GMT 08:44 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ماذا جرى في «المدينة على الجبل»؟

GMT 08:34 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

طبيبة في عيادة «الترند»!

GMT 08:33 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

الشعوذة الصحافية

GMT 08:32 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ولاية ترمب الثانية: التحديات القادمة

GMT 08:31 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

من الرياض... التزامات السلام المشروط

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 00:04 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يعرب عن دعمه للأفلام الفلسطينية واللبنانية
  مصر اليوم - حسين فهمي يعرب عن دعمه للأفلام الفلسطينية واللبنانية

GMT 11:43 2024 السبت ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

تامر حسني يدعو لتبني طفل عبقري

GMT 14:33 2024 السبت ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

الملكة رانيا العبدالله تستمتع بوقتها مع حفيدتها

GMT 07:55 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتقاضى 634 ألف دولار يومياً مع النصر السعودي

GMT 09:37 2024 الخميس ,10 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار السيارات الكهربائية في طريقها لتراجع كبير

GMT 01:56 2018 الأحد ,07 تشرين الأول / أكتوبر

التعليم.. والسيارة ربع النقل!

GMT 05:08 2024 الأربعاء ,21 آب / أغسطس

مرشح رئاسي معتدل ينتقد سياسة الحجاب في إيران

GMT 05:33 2021 الأحد ,26 كانون الأول / ديسمبر

جالطة سراي يخطر الزمالك بتفعيل بند شراء مصطفى محمد

GMT 03:52 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تدريس الرياضيات يحسّن من مستوى الطلبة؟
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon