فهمي هويدي
قرر أحد رجال الأعمال الكنديين دفع ١.٥ مليون دولار كندى لاستقبال ٥٠ عائلة سورية ومساعدتها على الاستقرار فى مدينة «جولف» فى ضواحى تورنتو، وقبل ذلك أعلن عروس وعريس إلغاء حفل زفافهما والتبرع بما لديهما من أموال خصصت للمناسبة لتمكين عائلة سورية من الاستقرار فى كندا.
موقع «هنتجتون» العربى نقل تفاصيل القصة عن الصحف الكندية كالتالى: المليونير اسمه جيم استيل روعته الصور التى شاهدها والقصص التى طالعها بخصوص كارثة اللاجئين السوريين، فطرأت له فكرة دعوة أصدقائه والمقربين منه إلى التطوع لتوفير منازل كافية تأوى ٥٠ عائلة سورية. كما طلب منهم جمع الملابس التى تحميهم من برد الشتاء فى كندا، وبدأ فى البحث عن الأماكن التى سيتم فيها تعليمهم اللغة الإنجليزية. أى أنه لم يعلن قراره الشجاع فحسب، وإنما بادر إلى اتخاذ الخطوات العملية لتنفيذ المشروع. ذلك ان تحمل مسئولية ٥٠ عائلة سورية ليس بالأمر الهين. ذلك ان القانون الكندى فى هذه الحالة يحمله بالمسئولية ليس فقط تغطية نفقات انتقالهم إلى البلاد (العائلة تتكلف ٣٠٠٠ دولار) وإنما عليه أيضا أن يتكفل بتدبير إقامتهم وإطعامهم وإيجاد عمل لهم. إضافة إلى متطلبات وإجراءات استقرارهم الأخرى.
الرجل ــ جيم استيل ــ أعلن عن حدود التزامه المالى، وقال إن العبء أثقل من أن يتحمله وحده. لذلك فإنه وجه نداء إلى سكان مدينته الصغيرة «جولف» من أجل مساعدته على إنجاح مشروعه. ولم يخيب السكان ظنه لأنهم بادروا بتقديم المعونات المالية والثياب وتوفير مختلف الاحتياجات المطلوبة لاستقرار الوافدين.
قبل ان يعلن رجل الأعمال مبادرته تحدثت الصحف عن قصة العروسين اللذين قررا إلغاء حفل زفافهما والتبرع بمصروفاته لصالح استقرار عائلة سورية. العروسان هما سامنتا جاكسون وزوجها فارزين يوسفيان (من أصول إيرانية على الأرجح). وكان مقررا الاحتفال بزفافهما فى شهر مارس المقبل. وقد أعلنا ذلك على زملائهما وحجزا صالة أفراح لاستقبال المدعوين. إلا أن معاناة اللاجئين السوريين أرقت ضميرهما. وكات صورة جثة الطفل السورى الغريق التى ألقت بها الأمواج على الساحل نقطة التحول التى دفعتهما إلى إلغاء حفل الزفاف والاكتفاء بحفل منزلى بسيط لإعلان القرار. وفى إعلانهما للقرار ذكرا ان ما يملكانه لا يتجاوز ١٧.٥٠٠ ألف دولار، لكنها لا تكفى للم شمل عائلة سورية، وقالا انهما بحاجة إلى عشرة آلاف دولار أخرى لإنجاز المهمة، وهو ما تكفل به أصدقاء العروسين.
فى الوقت ذاته تبرع مدير شركة للعقارات والفنادق فى فانكوفر وتورنتو وأوتاوا بإعمار وصيانة ١٢ شقة فى أحد الأبراج السكنية لاستقبال اللاجئين السوريين فى الجهة الغربية من مدينة فانكوفر. وقام الرجل ــ اسمه ايان جيليسبى ــ بعرض تلك الشقق على جمعية خدمات المهاجرين بالمدينة بعد تأثيثها بالأثاث اللازم لاستقبال اللاجئين.
جدير بالذكر أن الحكومة الكندية أعلنت عن أنها ستعتبر كل من يطأ أراضيها من السوريين أو العراقيين لاجئا دون انتظار للإجراءات التى تتبعها الأمم المتحدة فى هذا الصدد. كما خصصت صفحة فى موقعها على الإنترنت تضمنت الإرشادات الكاملة لكيفية مساعدة اللاجئين السوريين من خلال برنامج تم وضع تفاصيله على الموقع.
تفاصيل التقرير مفرحة ومحزنة فى الوقت ذاته. مفرحة لأن المشاعر النبيلة التى عبر عنها هؤلاء أكدت أن منابع الخير موجودة فى كل مكان، لكننا بحاجة إلى الوصول إليها واستنهاضها. أما المحزن فى الأمر فهو حصيلة المقارنة مع العالم العربى الذى نعرف جيدا أنه أكثر سخاء ولجماهيره والقادرين فيه دورهم الذى لا ينكر فى الإغاثة والبر. إلا أننا لم نشهد موقفا واضحا من جانب الأثرياء العرب فى إغاثة اللاجئين، باستثناء العرض الذى قدمه رجل الأعمال المصرى نجيب ساويرس لشراء إحدى الجزر فى البحر الأبيض لإسكان اللاجئين فيها، وأوقف المشروع حين لم تتم الصفقة. من ناحية أخرى فإن الحسابات الأمنية شلت أيدى المنظمات الإغاثية التى كان يمكن ان تقوم بدور كبير فى رعاية اللاجئين من خلال جمع الزكوات والتبرعات. وكانت النتيجة ان تلك المنظمات وقفت متفرجة، فلا قامت الحكومات بواجبها ولا تركت غيرها ينهض بالمهمة.
واقتصر دورنا على أن نصفق للخيرين فى العالم الخارجى وان نعبر عن الأسف ونذرف الدمع حزنا على الضحايا، لقد اعتدنا على ان يحجب دورنا فى المشاركة السياسية، ولم نتوقع يوما ما ان يحجب ذلك الدور فى مصارف الخير أيضا. اننا نتراجع إلى الوراء حينا بعد حين، فى حين ينطلق العالم الى مستقبل بسرعة الصارخ فى مختلف المجالات.