توقيت القاهرة المحلي 20:55:35 آخر تحديث
  مصر اليوم -

محاولة للفهم

  مصر اليوم -

محاولة للفهم

فهمي هويدي

هذه العناوين نشرتها الصحف المصرية خلال اليومين الماضيين: حقوقيون: الانتهاكات غير مسبوقة (المصرى اليوم) ــ ٥ سنوات سجنا لضابط شرطة عذب متهما حتى الموت بالبحيرة (الشروق) ــ الخارجية: حقوق الإنسان ركيزة أساسية للتحركات المصرية (الأهرام). ما أثار انتباهى فى العناوين أنها إذا وضعت جنبا إلى جنب قد تعطى انطباعا بأنها توجه رسائل مختلفة ومتناقضة.

 ذلك أن القارئ قد يحتار فى تفسيرها، إذ حين تكون الانتهاكات غير مسبوقة كما نقلت الصحيفة عن بعض الحقوقيين، فقد يكون مستغربا وغير مفهوم أن يحاكم ضابط شرطة لأنه مارسها وعذب مواطنا حتى الموت، لأنه فى هذه الحالة يطبق السياسة المعتمدة مع المحتجزين. خصوصا أن الشخص الذى مات من التعذيب فى قسم شرطة مدينة رشيد (اسمه على الكسبرى) كان متهما بحيازة سلاح دون ترخيص، ولم يكن «إرهابيا» ولا محتجزا على ذمة قضية سياسية. وتظل الحيرة تلاحق القارئ حين تقع عيناه على العنوان الذى يتحدث عن حرص مصر على الالتزام بمبادئ حقوق الإنسان إلى الحد الذى يجعلها بمثابة ركيزة أساسية لتحركاتها وسياساتها الداخلية.

من جانبى لم أجد تناقضا بين العناوين كما قد يبدو، وبالتالى لم أستشعر تلك الحيرة التى يمكن أن يقع فيها القارئ، بل أننى وجدتها متناغمة وتوجه رسائل دقيقة إلى المتلقين. لذلك وتبديدا للحيرة ومنعا للبلبلة خطر لى أن أعرض قراءتى لتلك الأخبار، علها توضح مضمونها الذى تصورته متناغما كى لا يلتبس الأمر على أحد.
فالقول بأن الانتهاكات غير مسبوقة فرضية صارت من المعلوم فى السياسة بالضرورة. إذ بات ذلك محل إجماع بين جميع المنظمات الحقوقية فى مصر، المستقلة منها والمجلس القومى لحقوق الإنسان الذى عينته الحكومة متوقعة أن يرد لها الجميل.

 أعنى أن الجميع متفقون على حدوث الانتهاكات، والخلاف حاصل فى درجته. أعنى أن النوع متفق عليه ولكن التفاوت حاصل فى الدرجة فقط، إذ بح صوت المنظمات المستقلة (١٤ أو ١٥ منظمة) وهى تندد كل حين بالانتهاكات، من الاحتجاز العشوائى إلى تمديد أجل الحبس الاحتياطى إلى التعذيب والاختفاء القسرى وإساءة معاملة المسجونين ومحاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية... إلخ. أما المجلس القومى لحقوق الإنسان فقد كرر فى أكثر من مرة أن التعذيب غير ممنهج، وشهد ذات مرة بأن المعاملة فى السجون على ما يرام، فالرعاية الطبية متوافرة والطعام يكاد ينافس ما تقدمه فنادق الخمس نجوم، ولم يخل الأمر من تصريحات رسمية أخرى اعتبرت أن الانتهاكات مجرد أخطاء فردية ينبغى عدم تعميمها. أما كونها غير مسبوقة فذلك مما تجمع عليه المنظمات المستقلة التى لديها إحصاءات وبيانات موثقة تؤيد شهادة نشطائها معتمدة على المقارنة بين ما يحدث الآن بما حدث فى السابق. لذلك فالكلام لا تغليط فيه ولا مبالغة.

الخبر الثانى الخاص بالحكم بسجن الضابط الذى عذب مواطنا حتى الموت فى البحيرة ينبغى أن يقرأ بتمهل حتى يفهم على وجه صحيح. ذلك أن الضابط المتهم عمره ٢٤ عاما ومن ذوى الرتب الصغيرة (ملازم أول). أعنى أنه وهو فى بداية حياته العملية بدا ملتزما بثقافته وقام بتعذيب المواطن الذى وقع بين يديه. وأغلب الظن أنه استعرب إدانته، لأنه نفذ ما تعلمه ولم يفعل أكثر مما يفعله زملاؤه ورؤساؤه، ولا أستبعد أن يكون قد توقع أن يكافأ على حزمه وشدته، وعلى أسوأ الفروض فإنه يعلم مسبقا أنه لن يحاسب على فعلته، وأنه إذا حوكم وأدين فهناك حيل ومخارج كثيرة لتأمينه وتبرئته فى نهاية المطاف.

الأهم من ذلك أن الخبر تمت صياغته بصورة دقيقة نسبيا، ذلك أن الصحف التى نشرته ذكرت أنه أدين لأنه عذب مواطنا «حتى الموت». وهو ما يمكن أن يقرأ بحسبانه إدانة للضابط الشاب ليس لأنه عذب المواطن شأن غيره من المواطنين، ولكن لأنه بالغ فى التعذيب الأمر الذى أدى إلى مقتل الرجل، وهو ما ترتب عليه انفضاح ما جرى، وذيوع الخبر بين أهله وجيرانه ووصوله إلى الجرائد والمنظمات الحقوقية. بمعنى أن الأمر لو وقف عند حدود التعذيب فإنه يمكن التسامح معه باعتبار أن تلك هى القاعدة المعمول بها. أما إيصال المسألة إلى حد الموت فذلك هو المحظور الذى كان ينبغى تجنبه، ويستحق من يقع فيه أن يعاقب، بأن تشهر فى وجهه بطاقة الإنذار الصفراء، وليس الحمراء بطبيعة الحال.

أما بيان وزارة الخارجية الذى اعتبر حقوق الإنسان ركزية أساسية للتحركات المصرية، فقد جاء بمناسبة الاحتفال باليوم العالمى لتلك الحقوق. وكانت الوزارة مضطرة لإصدار بيان يغطى الموقف، فكلفت من كتب موضوع إنشاء بهذا الخصوص، لا لإقناع الأجانب الذين يعرفون أكثر مما نعرف من تقارير المنظمات الحقوقية الدولية، ولكن لمخاطبة المصريين وسد الخانة حتى لا تبدو الوزارة مقصرة أمام الجهات العليا. ولذلك جاء بيان الوزارة متضمنا ما ينبغى أن تقوله جهة رسمية فى المناسبة. وبإبراز جريدة «الأهرام» له على الصفحة الأولى تحقق المراد وأبرأت الوزارة ذمتها أمام الجميع، وأكدت التزامها بالانضمام إلى قائمة المستنفرين للدفاع عن الدولة المصرية.
على الأقل فهكذا قرأت الأخبار، وخشيت أن يساء فهمها!

نقلاً عن "الشروق"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

محاولة للفهم محاولة للفهم



GMT 15:22 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

الفشل الأكبر هو الاستبداد

GMT 15:21 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

حافظ وليس بشار

GMT 15:17 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

سلامة وسوريا... ليت قومي يعلمون

GMT 15:06 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

التسويف المبغوض... والفعل الطيِّب

GMT 15:05 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

نُسخة مَزيدة ومُنَقّحة في دمشق

GMT 15:03 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

الشهية الكولونيالية

GMT 15:01 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

البحث عن الهوية!

GMT 13:05 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

عودة ديليسبس!

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 04:08 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

أوستن يبحث مع نظيره الإسرائيلي الأحداث في سوريا

GMT 10:04 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

بلينكن يطالب بتأمين أي مخزونات للأسلحة الكيميائية في سوريا

GMT 05:32 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

العملة المشفرة بتكوين تسجل مئة ألف دولار للمرة الأولى

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 20:31 2018 الأحد ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

التعادل السلبى يحسم مباراة تشيلسي وايفرتون

GMT 04:44 2018 الأربعاء ,19 أيلول / سبتمبر

رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان يصل إلى السعودية

GMT 11:41 2018 الثلاثاء ,17 تموز / يوليو

شيرين رضا تكشف سعادتها بنجاح "لدينا أقوال أخرى"

GMT 09:36 2018 الأحد ,01 تموز / يوليو

دراسة تنفي وجود "مهبل طبيعي" لدى النساء
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon