توقيت القاهرة المحلي 21:51:56 آخر تحديث
  مصر اليوم -

معجزة فى بر مصر

  مصر اليوم -

معجزة فى بر مصر

فهمي هويدي

إذا صح الكلام الذى نشر عن الأخطار التى تهدد صحة المصريين، فهو يعنى أننا شعب معرض للانقراض. وأن استمراره بتلك الأعداد المتزايدة حتى الآن يعد إحدى معجزات الدنيا التى ينبغى تسجيلها وتوثيقها. فقد قيل لنا إن 80٪ من الأغذية التى يتداولها المصريون من إنتاج «بير السلم»، أى أنه بعيد عن أى رقابة أو التزام بالمواصفات، وهو ما لا يستغرب معه ان ينتشر التلوث ومعه السموم التى تؤدى إلى الفشل الكلوى وأمراض الكبد والسرطانات باختلاف أنواعها. قيل لنا أيضا إنه من حسن حظ المصريين أنهم من الشعوب التى تبالغ فى طهى الطعام، الأمر الذى يؤدى إلى قتل نسبة كبيرة من الميكروبات، وان كان لا يقضى على سمومها. وتكون النتيجة ان تلك السموم تتراكم فى الجسم يوما بعد يوم. لذلك فإننا نمرض ولا نموت من الأكل ولو أن المصريين كانوا من الشعوب التى تأكل الطعام نصف مطهى أو غير مطهى أساسا لأصبح الوضع الصحى عندنا أسوأ بكثير.

هذا الكلام ليس من عندى، لكننى وقعت عليه فى حوار نشرته جريدة «التحرير» فى 27/9 مع رئيس وحدة سلامة الغذاء التابعة لوزارة الصناعة، الدكتور حسن منصور. وإلى جانب المعلومات المزعجة التى أشرت إليها توا، فإن الرجل أثار بعض النقاط والملاحظات المهمة الأخرى التى تدق أجراس التنبيه فى أكثر من اتجاه، فى المقدمة منها ما يلى:

< أن الإحصاءات المتعلقة بصحة المصريين تفتقد إلى الشفافية والدقة. إذ طبقا لما أعلنته وزارة الصحة فإن مصر أقل من الولايات المتحدة الأمريكية فى الإصابة بالتيفود ألف مرة. وان الأوضاع الصحية فى مصر أفضل منها إذا قورنت بالحاصل فى أمريكا (!).

< فى مسح طبى أجرى عام 2008 تبين أن ثلث الأطفال المصريين فى سن خمس سنوات يواجهون مشكلة فى النمو وأنهم مصابون بالتقزم، جراء سوء التغذية وانتشار السموم فى الطعام. وحين تم سحب عينه على أسبوعين (فى السنة 152 أسبوعا) تبين ان 10٪ من الأطفال أصيبوا بالاسهال فى تلك الفترة، وهذا يعنى أنه لا يوجد طفل لم يصب بالإسهال خلال السنة، وذلك بسبب تلوث الغذاء.

< الثابت أن تلوث الغذاء يقلل من نسبة الذكاء ويؤثر على المستويات العقلية. وذلك نتيجة تراكمات السموم داخل الجسم، الأمر الذى يؤثر بشدة على خلايا المخ. والتأثير التراكمى هو الأهم. لأن الأثر السريع والمؤقت سهل، فى حين أن التراكمى هو الأهم والأخطر، لأنه يؤدى إلى انخفاض المناعة. وتكون النتيجة انه ما من أسرة مصرية الآن تخلو من مريض بالسرطان.

< فى مصر الآن 2030 تشريعا تتعامل مع منظومة سلامة الغذاء. وهذه التشريعات تسمح لخمس وزارات بأن تتعامل مع الملف من زوايا مختلفة. ولدينا فى هذا المجال قوانين صدرت فى أواخر القرن التاسع عشر (عام 1892) وترتب على ذلك اننا صرنا بصدد منظومة قانونية خارج العصر. ذلك انها مثلا لا تشير من أى باب إلى «التطهير» و«التعقيم». فى حين لا يمكن تصور سلامة الغذاء بغير تطهير أو تعقيم، كما أن التشريعات الموجودة تتضمن نصوصا لو نفذت لأدى ذلك إلى أضرار أخرى. فقانون الغش ومنع التدليس (صدر فى عام 1988) عرّف الغش بطريقة خاطئة إذ قرر ان نزع جزء من المادة الغذائية يعتبر غشا. وهو ما يجعل منتجات الألبان منزوعة الدسم جريمة، يسرى ذلك أيضا على كل الأجبان الموجودة فى الأسواق. كما ان القوانين الموجودة لا تنص على ضرورة حفظ اللحوم فى درجات حرارة منخفضة، علما بأن ذلك يعد الآن من أهم متطلبات سلامة الغذاء.

فهمنا من الحوار أن فكرة إنشاء جهاز مستقل تكون مهمته الحفاظ على سلامة الغذاء وبالتالى للدفاع عن صحة المصريين، تتعثر منذ سبع سنوات، وان الصراع والتنافس بين وزارتى الصحة والصناعة كان من بين أسباب ذلك التعثر. فهمنا أيضا أن الرقابة التى تمارسها أجهزة وزارة الصحة لا تفى بالغرض، أولا لأنها تعتمد على القوى البشرية محدودة الامكانيات والموارد (بدل الانتقال الذى يصرف لمفتشى الصحة يتراوح بين 2 و3 جنيهات فى اليوم) ثم ان الرقابة لا تستخدم فيها وسائل التكنولوجيا الحديثة، ناهيك عن العقبات البيروقراطية التى لا تمكن المفتشين من استمرار مرورهم على المنتجين بصورة دورية ودائمة.

لأن الأمر يتعلق بصحة الناس وأمنهم الغذائى الذى هو فى صلب الأمن القومى، فهو ليس مدرجا ضمن اهتمامات أولويات السلطة، وتثار فى طريقه ألف عقبة وعقبة. أما إذا كان تعلق بأمن النظام ومؤسساته ورجاله، فحظه من الاهتمام كما تعلم. وهو ما يسوغ لى أن أقول بأنه إزاء ذلك فإن استمرار الشعب المصرى مع حفاظه على قدرته على المرح والمراهنة على المستقبل ليس له تفسير موضوعى أو عقلى. ولا سبيل إلى تفسيره إلا بالرجوع إلى التأويلات الغيبية، كأن نرجع ذلك إلى بركة دعاء الوالدين أو حراسة أولياء الله الصالحين الذين تحلق أرواحهم فى فضاء مصر طول الوقت، أو إلى كون ذلك فى علامات الساعة الصغرى التى فى ظلها تنقلب النواميس، بحيث يكتب البقاء لمن هو مرشح للانقراض والفناء.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

معجزة فى بر مصر معجزة فى بر مصر



GMT 03:46 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

بائع الفستق

GMT 03:44 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

على هامش سؤال «النظام» و «المجتمع» في سوريّا

GMT 03:42 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

دمشق... مصافحات ومصارحات

GMT 03:39 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

السعودية وسوريا... التاريخ والواقع

GMT 03:37 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

ورقة «الأقليات» في سوريا... ما لها وما عليها

GMT 03:35 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

امتحانات ترمب الصعبة

GMT 03:33 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

تجربة بريطانية مثيرة للجدل في أوساط التعليم

GMT 03:29 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

موسم الكرز

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 19:23 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

خروج مسلسل ظافر العابدين من موسم رمضان 2025 رسمياً
  مصر اليوم - خروج مسلسل ظافر العابدين من موسم رمضان 2025 رسمياً

GMT 04:08 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

أوستن يبحث مع نظيره الإسرائيلي الأحداث في سوريا

GMT 05:32 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

العملة المشفرة بتكوين تسجل مئة ألف دولار للمرة الأولى

GMT 10:04 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

بلينكن يطالب بتأمين أي مخزونات للأسلحة الكيميائية في سوريا

GMT 11:41 2019 الخميس ,20 حزيران / يونيو

ميتسوبيشي تعلن طرح "إي إس إكس" 2020 أيلول المقبل

GMT 07:09 2019 الثلاثاء ,28 أيار / مايو

معرض بريطاني فوتغرافي للهاربين من نار النازية

GMT 23:36 2019 الخميس ,16 أيار / مايو

بورصة تونس تقفل على ارتفاع بنسبة 41ر0 %

GMT 03:43 2019 الأربعاء ,27 آذار/ مارس

رنا سماحة تستعد لطرح أحدث أغانيها "مكسورة"
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon