فهمي هويدي
يبدو أن «الإرهابى» فى قاموس عرب هذا الزمان أصبح وصفا يطلق على كل من لا يعجبنا. وكنت قد سمعت بذلك التعريف قبل عدة سنوات فى مؤتمر عقد بلندن دعت إليه الخارجية البريطانية. وقد أطلقه مازحا أكاديمى أيرلندى مختص بدراسات الشرق الأوسط، حين تعددت التعريفات التى عرضها بعض المشاركين لمصطلحى المتطرف والإرهابى. ذلك أن صاحبنا لاحظ من العروض التى قدمت أن التعريف فى العالم العربى ليس له معيار موضوعى، ولكنه صار بمثابة «وجهة نظر» خاضعة لعاملين هما أهواء المؤسسات السياسية والأمنية، وكفاءة الأبواق الإعلامية فى الترويج للتهمة من خلال الإلحاح على إلصاقها بالطرف المستهدف وبالتالى فرضها على لغة الخطاب. إزاء ذلك فإنه خلص إلى أن الإرهابى بات كل من قررت المؤسسات السياسية والأمنية أنه كذلك. قالها الرجل ضاحكا مضيفا أن ذلك هو التعريف الذى ينصح باعتماده لفهم ما يحدث فى العالم العربى وفى مختلف الدول غير الديمقراطية.
استعدت هذه الخلفية حين نَبَّهت إلى أن اعتبار حزب الله منظمة إرهابية لم يكن قرار عربيا، كما ذكرت أمس، اعتمادا على ما نشرته يوم ٣/٣ صحيفتا «الحياة» و«الشرق الأوسط»، إذ كان عنوان الأولى كالتالى: قراران عربى وخليجى باعتبار حزب الله إرهابيا، أما الشرق الأوسط فكان عنوانها «خليجيا وعربيا: حزب الله منظمة إرهابية». وقد تبين أن للعنوانين أصل صحيح ولكنه غير دقيق. وأن صياغتهما تأثرت بوجهة النظر السعودية، باعتبار أن الصحيفتين تصدران بتمويل سعودى، الأصل الصحيح أن القرار أصدره مجلس التعاون الخليجى تضامنا مع المملكة، لكن لا يوجد قرار عربى بهذا المعنى، لكن ثمة إشارة وردت فى بيان وزراء الداخلية العرب الذى عقد بتونس أطلقت ذلك الوصف على حزب الله»، وكان النص الذى صدر عن اجتماع الوزراء يوم ٢/٣ قد أدان ما أسماه «الممارسات والأعمال الخطرة التى يقوم بها حزب الله الإرهابى لزعزعة الأمن والسلم الاجتماع فى بعض الدول العربية».
وبسبب اللغط الذى أثير حول الموضوع فإن وزارة الخارجية التونسية أصدرت يوم ٤/٣ بيانا ذكرت فيه «أن هذا الإعلان الذى صدر عن أحد مؤسسات العمل العربى المشترك ليس فيه تصنيف لحزب الله كتنظيم إرهابى، كما أن هذا البيان ليس قرارا ذا صبغة إلزامية».
خلاصة الملاحظة أن دمغ حزب الله بالإرهاب كان قررا خليجيا بالدرجة الأولى، أما الإشارة إلى ذات المعنى فى بيان وزارة الداخلية العرب فلم تكن أكثر من وجهة نظر أمنية أقحمتها على الصياغة موازين القوى فى الجامعة العربية، وذلك إيضاح لا ينفى الواقعة لكنه يعطيها حجمها الحقيقى، الذى تغلبت فيه عند النشر الحسابات السياسية على الاعتبارات المهنية.
ما سبق كان ملاحظة أولى، ثمة ملاحظة ثانية ذات صلة وقعت عليها فى تحليل بثه فى ٥/٣ موقع «رأى اليوم» بعث به من الناصرة الصحفى زهير أندراوس، إذ نبه إلى أن الإعلام العبرى يواصل الشحن والتعبئة هذه الأيام ضد حزب الله، فى الأغلب بإيعاز من سلطات الاحتلال فى تل أبيب، مروجا لخطورة ترسانته العسكرية وخطورتها على العمق الإسرائيلى، ضرب لذلك مثلا بأن معلق الشئون العسكرية فى القناة العاشرة الإسرائيلية الون بن دافيد تحدث عن قدرات حزب الله والوضع على الحدود الشمالية، مذكرا بأنه منذ عام ١٩٤٨ إلى عام ١٩٧٠ لم يمثل لبنان أى تهديد لإسرائيل، واستخدم فى ذلك نكتة شاعت وقتذاك ذكرت أنه إذا نشبت حرب فسيحتل الجيش الإسرائيلى سوريا، وتحتل فرقة موسيقى الجيش لبنان!
لفت المعلق الإسرائيلى المرتبط بالمؤسسة الأمنية الانتباه إلى أن حزب الله بدأ كقط يخرمش، لكنه تحول بمضى الوقت إلى نمر مفترس. أشار فى هذا الصدد إلى أن الحزب يملك قوة ضاربة لا تملكها ٩٥٪ من دول العالم، كما تحدث عن أنه تملك قدرة توجيه ضربة إلى إسرائيل تقدر بآلاف القذائف والصواريخ التى تطلق فى يوم واحد. وبموازاة ذلك فبمقدوره إرسال قوات هجومية لاحتلال بلدات قريبة من الخليل. أضاف بن دافيد أن مسئولين أمريكيين نقلوا إلى مسئولين عرب أن إسرائيل أبلغتهم بنيتها شن حرب ضد حزب الله، وأنهم نصحوا أولئك العرب بألا يمكنوا إسرائيل من تحقيق ذلك. مما ذكره أيضا أن حزب الله اكتسب خبرة قتالية جيدة فى سوريا كما أصبح بمقدوره أن يحصل فى تلك الحرب على أسلحة متطورة ومتقدمة كاسرة للتوازن، وذلك خط أحمر لا تستطيع إسرائيل أن تقف منه موقف المتفرج.
هذه الخلفية جعلت مراسل الموقع من الناصرة ينبه إلى أن تصنيف حزب الله كمنظمة إرهابية من جانب مجلس التعاون الخليجى يمكن أن يشكل غطاء مناسبا لشن إسرائيل حربها ضد الحزب. والذريعة التى تستخدمها فى ذلك هى تضامنها مع الدول العربية السُّنية فى الحرب ضد الإرهاب، وهو ما يثير علامات استفهام حائرة حول تزامن إصدار القرار الخليجى مع حملة التعبئة المضادة لحزب الله من جانب إسرائيل.