توقيت القاهرة المحلي 02:18:11 آخر تحديث
  مصر اليوم -

منتجون أم مخبرون؟

  مصر اليوم -

منتجون أم مخبرون

فهمي هويدي

عنوان جريدة الصباح كان كالتالى: وقف ٣ أساتذة بجامعة الأزهر عن العمل لتحريضهم ضد الدولة ــ وتحت العنوان سطر آخر نسب إلى مصدر فى الجامعة قوله إن الثلاثة اتهموا الدولة بالتقصير بعد الحادث الإرهابى الأخير فى الشيخ زايد. العنوان الأول بدا صادما والثانى كان مدهشا. ذلك أن إيقاف ثلاثة من الأساتذة فى جامعة تنتسب إلى مؤسسة عريقة كالأزهر ليس أمرا هينا. على الأقل بالنسبة لجيلنا الذى يعرف لأستاذ الجامعة قدره الجليل. ولايزال للأزهر وجامعته عنده من الهيبة والمكانة ما يجعل من المساس بأساتذته حدثا له رنينه الذى يصم الآذان.

لا أخفى أننى لم أصدق عينىَ لأول وهلة حين وقعت على الخبر فى جريدة «الشروق» يوم ٨/٧ الحالى. لكنى تأكدت من صحته حين اطلعت على نص البيان الذى صدر عن رئيس الجامعة فى اليوم السابق (٧/٧).

العناوين بدت مثيرة وكاشفة، إذ لابد أن يستفز المرء ويستنفر حين يقرأ أن ثلاثة من أساتذة الجامعة قاموا بالتحريض ضد الدولة. لكنه لا يلبث أن يهدأ قليلا حين يجد أنهم اتهموا الدولة بالتقصير فى التعامل مع ما جرى فى الشيخ زويد. وهذا الهدوء تحول إلى خليط من الحيرة والدهشة حين يقرأ المرء فى بيان رئيس الجامعة أن الأساتذة تم إيقافهم عن العمل وأحيلوا إلى التحقيق «لارتكابهم مخالفات تضر بالعملية التعليمية ومنهج الأزهر الوسطى. حيث ثبت لدى رئيس الجامعة خروجهم عن مقتضى الواجب الوظيفى، إضافة إلى أنه صدرت عنهم عبارات تحريضية على شبكة التواصل الاجتماعى «فيس بوك» والتشهير والنيل بالألفاظ من بعض الشخصيات العامة.

فى خبر «الشروق» المنشور أن مصدرا مطلعا بإدارة الجامعة قال إن أعضاء هيئة التدريس الثلاثة كانوا قد انتقدوا الرئيس عبدالفتاح السيسى والمهندس إبراهيم محلب رئيس مجلس الوزراء بعد العمليات الإرهابية التى وقعت أخيرا فى سيناء. وقال المصدر ذاته إن رئيس الجامعة أصدر تعليمات صارمة بعدم هجوم أعضاء هيئة التدريس على الرئيس السيسى وحكومته على مواقع التواصل الاجتماعى، وعدم الحديث فى الأمور السياسية إطلاقا.

التفاصيل شرحت طبيعة «الجريمة» التى ارتكبها الأساتذة الثلاثة. فهم أولا تكلموا فى السياسة المحظورة. وهم ثانيا انتقدوا موقف رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة. وهو ما اعتبر تحريضا ضد الدولة. الأمر الثالث أن ما صدر عن الأساتذة تم خارج الجامعة وظل محصورا فى نطاق شبكة التواصل الاجتماعى، بما يعنى أنهم عبروا عن آرائهم كمواطنين وليس كأساتذة فى الجامعة وموظفين لدى الحكومة. الأمر الرابع أن ذلك اعتبر خروجا عن مقتضى واجبهم الوظيفى فاستحقوا الإيقاف عن العمل والإحالة إلى التحقيق.

ليس لدى دفاع عن آراء الأساتذة الثلاثة رغم اقتناعى بأن ما فعلوه يعد أمرا عاديا وبسيطا للغاية. لكننى وجدت أن لغة البيان الصادر فى الواقعة لا تختلف فى شىء عن لغة تقارير أمن الدولة. حتى أزعم أنه إذا ما رفعت منه الإشارة إلى رئيس الجامعة لظن القارئ أنه صادر عن وزارة الداخلية. ذلك أنها الجهة التى نتوقع منها منع أستاذ الجامعة من الكلام فى السياسة واعتبار انتقاد رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة هجوما وتحريضا ضد الدولة التى تم اختزالها فى الرمزين الكبيرين، فضلا عن وصفه بأنه خروج عن مقتضى الواجب الوظيفى ومخالفة لمنهج الأزهر الوسطى، الذى لم أفهم علاقته بالموضوع كأن الوسطية لا تعنى سوى كيل المديح لرموز السلطة.

طردت من خاطرى على الفور نموذج نعوم تشومسكى أستاذ اللسانيات الأشهر والفليسوف الأمريكى الكبير، وهو من ألف نحو مائة كتاب ولم يتوقف عطاؤه الذى تبنى فيه موقفا شديد القسوة على النظام السياسى الأمريكى فى توجهاته الرأسمالية وسياساته الخارجية. إذ وجدت أنه لا وجه للمقارنة لأننا نتحدث عن مسافات فى الحالة الديمقراطية تتجاوز ما بين السماء والأرض. إلا أن ما همَنى فى المشهد المصرى ليس أن يرد إلى أستاذ الجامعة اعتباره ولا أن تصبح الجامعة منارة للإشعاع الفكرى ورافعة للحرية والديمقراطية. إذ ظل طموحى أكثر تواضعا وأقل شأنا، حيث لم يتجاوز الأمل فى ألا تلحق الجامعة بالجهاز الأمنى، وألا يصبح أداؤها قريبا من مهام المخبرين وأن تخرج طلابا أسوياء يصبحون مواطنين منتجين لا مرشدين، حتى ذلك المطلب المتواضع وجدت تحقيقه بالغ الصعوبة لأن المشكلة أكبر بكثير من الجامعة.

صحيح أن ما فعلته إدارة جامعة الأزهر مع الأساتذة لم يختلف عن الحاصل فى الجامعات الأخرى، وأن الطلاب ينصحون بالتجسس على بعضهم البعض (وهو ما تحدث عنه صراحة نائب رئيس جامعة الأزهر)، إلا أن ذلك غدا توجها عاما بمقتضاه تمت دعوة عامة المواطنين لأن يتحولوا إلى مرشدين ومخبرين، وهى الرسالة التى نقلها الإعلام إلى الجميع طوال الأشهر الماضية، كأنما أصبح مشروعنا الذى أصبح الإرهاب هاجسه الأول مختزلا فى أن نتحول إلى مجتمع المخبرين وليس المنتجين.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

منتجون أم مخبرون منتجون أم مخبرون



GMT 08:48 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

بيت من زجاج

GMT 08:46 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

إدارة ترامب والبعد الصيني – الإيراني لحرب أوكرانيا...

GMT 08:45 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ترمب ومشروع تغيير المنطقة

GMT 08:44 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ماذا جرى في «المدينة على الجبل»؟

GMT 08:34 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

طبيبة في عيادة «الترند»!

GMT 08:33 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

الشعوذة الصحافية

GMT 08:32 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ولاية ترمب الثانية: التحديات القادمة

GMT 08:31 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

من الرياض... التزامات السلام المشروط

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 22:43 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته
  مصر اليوم - عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته

GMT 09:44 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

جورج وأمل كلوني يحتفلان بذكرى زواجهما في أجواء رومانسية

GMT 12:02 2024 السبت ,07 أيلول / سبتمبر

نصائح وأفكار لإطلالات أنيقة ومتناسقة

GMT 20:58 2016 الجمعة ,28 تشرين الأول / أكتوبر

لجان البرلمان المصري تستعد لمناقشة أزمة سورية

GMT 23:21 2018 الأربعاء ,21 آذار/ مارس

تعرفي على خطوات للحفاظ على "لون الصبغة"

GMT 23:40 2018 الأحد ,04 آذار/ مارس

تعرف على سعر ومواصفات سكودا كودياك 2018

GMT 19:31 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الشرطة تكشف تفاصيل تجريد أستاذ جامعي من ملابسه

GMT 18:47 2018 الثلاثاء ,30 كانون الثاني / يناير

شركة فيات كرايسلر تكشف عن تراجع ديونها بمقدار النصف
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon